شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرحوار

 سارة حامد حواس للأخبار:  الترجمة جسرٌ للثقافات المختلفة

أثار مؤخرا صدور ترجمة من مختارات شعرية لعشرين شاعرة أمريكية لأستاذة الأدب الإنجليزي في كلية الآداب بجامعة المنصورة المصرية سارة حامد حواس الكثير من الردود الإيجابية لفكرة الترجمة عموما واختياراتها خصوصا، فهو يضم قصائد لشاعرات حاصلات على جائزتي نوبل و”بوليتزر” العالميتين تحت عنوان “ثقب المفتاح لا يَرَى”.

مقالات ذات صلة

 

 

بداية، ورد في بالي هذا السؤال وأنا أقرأ مقدمة كتابكِ “ثقب المفتاح لا يرى” فيض المشاعر المختلفة والمتناقضة بين الغبطة والفرح وتحقيق الحلم التي عبرت عنها. تُرى من أين أتت هذه الأحاسيس في مشروع طموح يسعى إلى ترجمة قصائد عشرين شاعرة أمريكية من جغرافيات متنوعة؟

 

أتت مشاعر الغبطة والسعادة من إنجازي لكتاب في ترجمة الشعر، لأن ترجمة الشعر من أصعب وأعقد المهام التي يمكن أن يقوم المترجم بها، لما فيها من تحديات وصعوبات في كيفية نقل نص شعري من لغة وثقافة إلى لغة وثقافة أخرى مختلفة تماما، من حيث الأسلوب والشكل والبناء والخلفيات الثقافية والاجتماعية وحتى الموضوعات. وهذا يتطلب ليس فقط معرفة لغوية، ولكن أيضا معرفة ثقافية ووعي بالاختلافات الموجودة في اللغتين التي تترجم منها وإليها، وهذا يشكل تحدٍ خاص في ترجمة الشعر على وجه الخصوص. لأن ليس كل من يمتلك معرفة لغوية يستطيع أن يخوض تجربة ترجمة الشعر، فيجب أن تتوفر في المترجم الذائقة الشعرية والشفافية والحدس والوعي بفهم الرسائل المتضمنة غير المباشرة في النص الشعري والروح الحديثة العارفة المواكبة لحداثة النصوص الشعرية التي ُيترجمها، وخصوصا أنني لا أُقبل على ترجمة الشعر الحديث المعاصر، لأنه لم يُترجم بالصورة الكافية، حيث تم الاحتفاء بوليام شكسبير وتي إس إليوت ووالت ويتمان كثيرا حتى إن قصائدهم تُرجمت آلاف المرات من مترجمين من أنحاء العالم العربي كافة، ووجدتُ أنه قد حان الوقت لعمل ثورة ترجمية الشعر نبدأ فيها من الشعر الحديث وإلقاء الضوء على ترجمات لنصوص شعرية لشاعرات وشعراء متحققون ومتحققات في المجتمع الثقافي الأمريكي.

 

 

تعتبر ترجمة الشعر عملية مركبة وصعبة يتداخل فيها عنصر الإبداع بالمقدرة اللغوية الفائقة خاصة بين مصدرين متباعدين نوعا ما، وهما اللغة الإنجليزية بصيغتها الأمريكية من جهة، واللغة العربية من جهة أخرى. كيف خُضت هذه المغامرة الناجحة؟

 

لا أعتمد فقط في ترجمتي للشعراء والشاعرات، على قراءة وترجمة لنص شعري لشاعر أو شاعرة أجهل خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، بل أقرأ عن شعرهم واتجاهاتهم وميولهم وحياتهم ما قبل الشعر وبعد الشعر وأقرأ عن التطورات التي حدثت لهم/ لهن في كتاباتهم الشعرية، لأن من البديهي والطبيعي أن الخلفية الاجتماعية والبيئة التي نشأ فيها الشاعر تؤثر بشكل كبير ورئيسي في تشكيل قصيدته شكلا وضمنا. فأُفضل دائما قراءة حياتهم، قبل قراءة شعرهم ليسهل علي ترجمة نصوصهم الشعرية، وفهم حيثيات استخدامهم لأسلوب أو مفردة أو شكل معين من الشعر عن غيره. كما إنه يسهل علي فكرة تأويل النص، وهذا على سبيل المثال حدث معي عند قراءة شعر الشاعرة الأمريكية “ناتاشا تريثيوي” التي فقدت أباها الذي كانت متعلقة به بشكل كبير. كتبت ناتاشا العديد من القصائد عنه. ولكن هناك قصيدة ترجمتها لها في كتابي “ثقب المفتاح لا يرى” باسم “خرافة”. كانت تتحدث عن فقدها لأبيها، وقد فهمتُ ذلك من خلال قراءاتي عن حياتها وعن تأثير فقدها لأبيها بالرغم من إنها لم تذكره في القصيدة، ولكنني أدركتُ ذلك من خلال قراءتها والغوص في تفاصيل حياتها، ولولا ذلك كنتُ فهمت أن القصيدة مهداة لحبيب غائب، ومن هنا ندرك أهمية معرفة وقراءة حياة الشاعر أوالشاعرة قبل الإقدام على ترجمة نصوصه أو نصوصها. فذلك يجعل الترجمة سلسة ومفهومة، كما إنها توجه المترجم نحو التأويل الصحيح للنص الشعري بدرجة كبيرة، كما إنها تجعل المترجم متماهيا ومندمجا وعارفا بمشاعر الشاعر الخاصة ومعاركه الداخلية التي سطره في نصه.

 

نردد دائما بأن الترجمة في العالم العربي تبقى في النهاية مجهودا فرديا، رغم وجود بعض المراكز والمؤسسات في عدد قليل من البلدان العربية التي تُعنى بهذه المهمة الحيوية والأساسية لنهضة الأمم والشعوب. كيف ترين من وجهة نظرك حلا لهذه المعضلة التي لا تزال تتفاقم دون أن تثير انتباه الفاعلين والمسؤولين في مجال الثقافة والفكر؟

 

تقدمت حركة الترجمة في الآونة الأخيرة في العالم العربي وتنوعت مدارسها ومناهجها، وأرى الترجمات بالفعل أنها عمل فردي، ويجب أن يكون كذلك لأنني لا أقتنع بترجمة على سبيل المثال الفقرة الأولى من القصيدة، ومترجم آخر يترجم النصف التالي منها. هذا لان النص الشعري نفيه لو تُرجم من عشرة مترجمين، ستختلف كل ترجمة عن الأخرى، وذلك لتعدد التأويلات والأساليب. كما أن روح النص وروح المترجم يتداخلان معا داخل النص الشعري، وستتحول القصيدة حينها إلى مسخ لا شكل محددا لها ولا روح. ويُقاس ذلك على أنواع الترجمة عموما والترجمة الأدبية بفنونها المتعددة كالرواية والمسرح والقصة القصيرة خصوصا. ولكن دور المؤسسات المهم التي يجب أن تهتم به هو العمل على توفر دور نشر بالخارج مناسبة ولائقة للأعمال الأدبية التي تُترجم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، لأن هناك صعوبة بالغة في نشر الترجمات خارج مصر، والمتوفر منها على الأغلب يكون بتكاليف باهظة لا يقدر عليها المترجم أو المترجمة. فكيف يُقدم المترجم على ترجمة عملٍ هو بقرارة نفسه يعرف انه بنسبة كبيرة لن يُنشر. فالمؤسسات الحكومية والدولة يجب أن تهتم بذلك الأمر لأن الترجمة هي الجسر الذي يوصل الثقافات المختلفة بعضها بالبعض، وطريقنا أيضا نحو الجوائز العالمية. فهناك العديد من الأدباء المصريين يستحقون الاحتفاء وجائزة نوبل. ولكن لعدم توفر دور نشر مناسبة بالخارج يُقبل المترجمون على ترجمة الأعمال الأدبية المصرية والعربية لشعورهم بالخوف من عدم نشره بالخارج. والنتيجة تكون هي عزوف المترجمين عن ترجمة الأعمال الأدبية وذلك ليس في مصلحة الوسط الثقافي المصري والعربي.

 

لا نجد لحد الآن، أي اعتبار مهم لمجال الترجمة على مستوى الجوائز والفعاليات الثقافية من مؤتمرات ولقاءات ودورات تهتم بقضايا وإشكالات الترجمة في بلداننا. ما هي في رأيك الخطوات التي ينبغي التسريع بها لرد الاعتبار للترجمة في بلداننا العربية؟

 

لا شك أن الاهتمام بحركة الترجمة في الوسط الثقافي المصري والعربي، قد زاد في الفترة الأخيرة وذلك بسبب الندوات و ورشات العمل التي تُعقد لمناقشة كتب في الترجمة، أو كتب مترجمة سواء كانت شعرا أو رواية أو مسرحا أو كتبا في مجال الفلسفة والتاريخ. فهذه الندوات لا تُعقد فقط لمناقشة كتاب ولكن تدور أيضا حول الترجمة وأهميتها وماهيتها، والهدف من ورائها. فكل من هذه الندوات و ورشات العمل قد عملت على صقل فكرة أهمية الترجمة في المجتمع الثقافي، وأشارت إلى أهمية الترجمة في نقل ثقافتنا وفنوننا الأدبية إلى الثقافات والبلدان الأخرى، خصوصا أن بلدا مثل مصر غني بمترجميها الموهوبين الذين يحتاجون فقط إلى فرصة للانطلاق خارج بوتقتهم المحلية، والخروج منها إلى العالمية. وعلى المؤسسات المعنية بالترجمة الاهتمام بهؤلاء المترجمين والمترجمات وعقد ندوات و ورشات عمل بصورة مكثفة تعمل على صقل موهبتهم وقدراتهم وتوفير دور النشر المناسبة واللائقة داخل البلاد وخارجها لنشر ترجماتهم وضمان وصولها إلى مناطق مختلفة من العالم.

 

 

تشيرين إلى الاختلافات التي وقفتِ عليها أثناء ترجمتك للشاعرات الأمريكيات بقولك: “نجد اختلافاتٍ عديدةً بين كل الشاعرات اللاتي ينتمين إلى جغرافياتٍ مختلفة وأصول متعددة، حتى وإن توحدن في “أمركيتهن” ولكن الخلفية الثقافية والاجتماعية الأولى لها البصمة السائدة في قصائد الشاعرات الأميركيات”. أين تكمن هذه البصمة السائدة في قصائدهن؟

 

البصمة السائدة في قصائدهن هي الصراحة والتحدث عن مشاعر الحب والفرح والألم، بوضوح من دون الاستناد إلى تعبيرات غامضة أو تعبيرات تحمل أكثر من معنى أو تأويل حتى قصائدهن غير المباشرة تحمل الكثير من الكلمات الواضحة، التي تُظهر حبهن أو آلامهن من دون خوف من مجتمع. شعب تربى على الحرية في التعبير، لا يخشى إقامة حد على امرأة عبرت عن حبها بحرية وصراحة. شعب يستخدم كلمته للتعبير عن الذات الإنسانية بمخاوفها وهواجسها ونقاط ضعفها، ولا يخاف من ردود فعل تجاه كلماته، فهم يؤمنون بالكتابة الحرة هي الكتابة الحقيقية والأصيلة.

 

 

قلتِ: “إن من لم أترجمهن لم أتعاطف مع شِعْر بعضهن واكتفيتُ بالعشرين هل مسألة الاختيار والذوق الجمالي أمر أساسي خاصة في مجال ترجمة الشعر؟

 

معايير اختيار عمل لترجمته تختلف من مترجم إلى آخر، فلا توجد معايير ثابتة للاختيار غير أنه يجب أن يكون عملا هادفا ومهما يضيف إلى الحياة الثقافية، ويضيف إلى المترجم نفسه. فاختيارات المترجم مرآة لذوقه وثقافته وروحه، كأن المترجم يختار نفسه، وهناك اختلاف حقيقي بين المُترجم الذي يقصد الربح من وراء ترجمته وبين الذي يُترجم حُبا في الترجمة والإبداع ولأن لديه رسالة يريد إيصالها إلى العالم كأنه يقول “أنا موجود”.

ترجمة الشعر بالنسبة إلي حب كبيرٌ وشغفٌ ولا أقصد منه الربح نهائيا، لذلك فأنا أختار الذي أترجمه بروحي وذوقي الخاص، وأختار ما تميل إليه نفسي وروحي وما أرى فيه أنه يحمل رسالة ما أو مغزى، وتلك معاييري الخاصة التي أختار على أساسها.

 

ننتمي إلى القارة الإفريقية التي تشهد تطورا كبيرا في المجال الإبداعي شعرا ورواية ومسرحا… مع ذلك، خاصة في بلدان شمال أفريقيا ما زلنا نولي ظهرنا لهذه القارة التي في نظر الكثيرين هي مستقبل العالم. أما حان الوقت لنتصالح مع قارتنا وعلى مستوى الترجمة خصوصا؟

 

قرأتُ منذ فترة أنطولوجيا شعراء شمال إفريقيا صدرت بالروسية عن دار نشر بموسكو باسم “فارديا” للمستشرق الروسي إيغور يرماكوف، وتهدف هذه الأنطولوجيا إلى مد الجسور بين روسيا والعالم العربي وضمت ثمانية وأربعين شاعرا من سبعة بلدان هي: مصر والجزائر والمغرب والسودان وليبيا وموريتانيا وتونس. أعجبت كثيرا بهذه الفكرة وتساءلتُ لماذا لا نقوم بهذا المشروع للتعريف بشعراء وشاعرات من قارتنا ومن شمال أفريقيا على وجه الخصوص، ونترجم أعمالهم/ أعمالهن إلى اللغة الانجليزية وتوفر لنا الدولة (مصر) دار النشر مناسبة لنشر ذلك العمل المترجم العظيم وننقل ما يكتبه أدباؤنا وشعراؤنا إلى العالم فنحن نملك ثروات بشرية ذكية ومنتجة ومختلفة تستحق الالتفات إليها والاهتمام بما تقدمه لنا.

 

يقول الشاعر المصري أحمد الشهاوي: “إن سارة حواس في كتابها هذا قد جمعتْ بين أكاديميتها وشعرية رُوحها”. هل يمكن اعتبار أن النجاح في ترجمة الشعر تتطلب بالضرورة هذين العنصرين الأساسيين؟

الشاعر والكاتب المصري الكبير أحمد الشهاوي شاعر مثقف ومطلع على ثقافات العالم المختلفة، فتجده يعرف شعراء من اليابان وفرنسا وألمانيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية وشعراء من آسيا. فقد عرفني بمجموعة كبيرة من شعراء وشاعرات آسيا وأقدمتُ بالفعل على ترجمة وتقديم بعضهم/ بعضهن إلى الوسط الثقافي المصري والمغربي، وذلك من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين تحت قيادة الشاعر أحمد الشهاوي، فهو عضو فاعل ومهم في لجان التنظيم الخاصة بالشعر تحت رعاية رئيس الهيئة العامة المصرية للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين. فأحمد الشهاوي يعرف جيدا أهمية الترجمة، لأن أعماله مترجمة إلى الكثير من اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والتركية والألمانية والإيطالية على سبيل المثال لا الحصر. فقد ترجمت له مختارات لمائة قصيدة قصيرة من شعره في كتاب بعنوان: “قبلة روحي: مائة قصيدة قصيرة مختارة من أحمد الشهاوي” وسينشر الكتاب في جامعة كلكتا بالهند خلال الأسابيع القليلة القادمة.

أكاديميتي أو كوني مدرسا للغويات في كلية الآداب جامعة المنصورة ساعدني كثيرا في الترجمة وجعلني على وعي كبير ودراية تامة بمفاتيح اللغة. كما أن والدي البروفيسور حامد حواس في التخصص نفسه وهو علم اللغويات، شربتُ منه حب اللغة منذ طفولتي فكان يجعلني أقرأ قصصا وروايات بالإنجليزية منذ أن فتحت عيني على الدنيا، فكل ذلك كان من أسباب اتجاهي إلى الترجمة، خصوصا ترجمة الشعر. لأن الشعر شغفي منذ أن كنتُ طالبة في كلية الآداب حتى أنها كانت من أحلامي أن أتخصص في الشعر، ولكن شاءت الظروف أن لا تنصفني في تلك المسألة، فلدي حب وشغف وولع بالشعر منذ أن كنت في السابعة عشر من عمري، فحبي للغة والشعر تمازجا وتداخلا مع بعضهما البعض حتى توحدا داخلي وأنتجا ما أنا فيه الآن.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى