رياح الصحراء المغربية تجتاح أوروبا
فرنسا وإسبانيا وألمانيا.. دول مركزية بأوروبا تعترف بمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي
تُعد قضية الصحراء المغربية من أكثر القضايا حساسية وتعقيدا في منطقة شمال إفريقيا، هذا النزاع الذي يعود إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، جذب اهتمام المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي يلعب دورا مهما في هذه القضية، بالنظر إلى علاقاته التاريخية والاستراتيجية مع المغرب ودول المنطقة.
فمنذ انسحاب إسبانيا من الصحراء في عام 1975، اتسمت مواقف الدول الأوروبية بالحيادية النسبية. الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية لم يعترف أبدا بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، لكنه في الوقت نفسه لم يعترف بجبهة البوليساريو.
غير أن السنوات الأخيرة بدأت رياح التغيير في المواقف توجه الدفة الأوروبية باتجاه المغرب، وهي الرياح القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية، باعتراف تاريخي لواشنطن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، تلته ردود فعل أوروبية متباينة، حسمت بالموقف الإسباني بدعم خيار الحكم الذاتي والسيادة المغربية، ثم تليين المواقف الألمانية في الملف، وانتهاء بموقف فرنسي صريح بالاعتراف بمغربية الصحراء.
إعداد: النعمان اليعلاوي
على مستوى الدول الأوروبية، تفاوتت مواقف بعض الدول مثل فرنسا، التي أبدت دعمها القوي لموقف المغرب، حيث تعتبر فرنسا شريكا استراتيجيا رئيسيا للمغرب، ووقفت إلى جانبه في المحافل الدولية، بينما تبنت دول أخرى مثل إسبانيا مواقف أكثر حذرا، نظرا إلى تاريخها الاستعماري في المنطقة وعلاقاتها المتوترة أحيانا مع المغرب حول قضايا مختلفة، بما في ذلك الصحراء، قبل أن تشهد المواقف الأوروبية «طفرة» نوعية في المواقف، دشنتها إسبانيا بتعبيرها عن دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ولن تنتهي بالموقف الفرنسي الأخير الداعم لخيار الحكم الذاتي والمؤيد لسيادة المغرب.
الموقف الفرنسي.. دعم مستمر للمغرب
تُعتبر فرنسا من أكبر حلفاء المغرب في أوروبا، وقد أبدت دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل نهائي للنزاع في الصحراء، وترى فرنسا في هذا المقترح حلا واقعيا ومقبولا، يمكن أن ينهي الصراع الذي دام عقودا. كما أن فرنسا لعبت دورا مهما في منع صدور قرارات في مجلس الأمن الدولي تدين المغرب، وذلك باستخدام نفوذها الدبلوماسي ودعمها لمبادرات السلام المغربية.
وأكدت فرنسا دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب للصحراء المغربية، معتبرة أنه «الأساس الوحيد» للتوصل إلى حل سياسي للنزاع القائم منذ فترة طويلة حول المنطقة، وهو الموقف الذي وجد ترحيبا مغربيا، واحتجاجا جزائريا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى الملك محمد السادس إن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية»، وأكد أنه «بالنسبة إلى فرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية»، مضيفا: «دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت».
وكتب ماكرون في الرسالة أن هذا المخطط «يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
إسبانيا.. بين الحذر والمصلحة
إسبانيا، بحكم تاريخها الاستعماري في الصحراء، تتبنى موقفا حذرا في ما يتعلق بهذا النزاع. فعلى الرغم من أنها تدعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي للنزاع، إلا أنها لم تعترف رسميا بسيادة المغرب على الصحراء. غير أن العلاقات المغربية الإسبانية شهدت تحسنا في السنوات الأخيرة، حيث أبدت الحكومة الإسبانية استعدادا للتعاون مع المغرب في قضايا الأمن والهجرة والاقتصاد، وهو ما انعكس على موقفها من قضية الصحراء، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين.
وقد أكد رئيس الدبلوماسية الإسبانية، خلال مؤتمر صحفي مشترك بالرباط، عقب مباحثاته مع وزير الخارجية، ناصر بوريطة، «أن موقف إسبانيا المتعلق بقضية الصحراء لم يتغير، وهو الموقف الذي سبق التعبير عنه في الإعلان المشترك الذي تمت المصادقة عليه في 7 أبريل 2022 والإعلان الذي توج الدورة 12 للاجتماع رفيع المستوى المغرب – إسبانيا المنعقد في فبراير 2023».
يذكر أن الإعلان المشترك المصادق عليه في 7 أبريل 2022، خلال اللقاء بين صاحب الملك محمد السادس، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وينص الإعلان على أن «إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تم تقديمها سنة 2007 الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية هذا النزاع».
تغيرات وتطورات الموقف الألماني
ألمانيا، من جهتها، اتخذت في البداية موقفا محايدا تجاه قضية الصحراء، مركزة على دعم جهود الأمم المتحدة. ومع ذلك، شهد الموقف الألماني تغيرا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في دجنبر 2020. برلين انتقدت الخطوة الأمريكية، مما أدى إلى توتر في العلاقات المغربية الألمانية. ومع ذلك، تم تدارك هذا التوتر في وقت لاحق، حيث أبدت ألمانيا استعدادها لدعم جهود الحل السلمي الذي تقوده الأمم المتحدة، مع الاعتراف بأهمية العلاقات الاستراتيجية مع المغرب.
وقد كرس كل من المغرب وألمانيا مصالحتهما عقب أزمة دبلوماسية استمرت أشهرا، خلال محادثات لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مع نظيرها ناصر بوريطة، في الرباط، صدر إثرها بيان مشترك اعتبر أن مقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه الرباط «قاعدة جيدة» لحل ملف الصحراء المغربية، وقال البيان إن «ألمانيا تعتبر مخطط الحكم الذاتي (…) بمثابة مجهود جدي وذي مصداقية من جانب المغرب وقاعدة جيدة من أجل حل مقبول لطرفي النزاع».
وكانت العلاقات المغربية الألمانية، المستقرة تاريخيا، شهدت توترا منذ مارس 2021، حين قررت الرباط تعليق كل أشكال التواصل مع السفارة الألمانية في المغرب. وهي خطوة أتت ردا على انتقاد برلين لقرار الولايات المتحدة أواخر 2020 الاعتراف بـ«سيادة» المغرب على الصحراء الغربية، وفق ما أوضح مسؤول مغربي آنذاك.
الاتحاد الأوروبي بين حياد رسمي وتحفظات
رغم دعم بعض الدول الأوروبية للمغرب في نزاع الصحراء، إلا أن الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية يتبنى موقفا محايدا بشكل رسمي. يؤكد الاتحاد الأوروبي على ضرورة حل النزاع من خلال المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، ويدعم حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية، وفقا لما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة.
الاتحاد الأوروبي، رغم موقفه الحيادي، يعترف بأن المغرب يعتبر شريكا استراتيجيا مهما، ولذلك يسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة معه. من هنا، نجد أن بعض الدول الأوروبية تبدي تحفظات على اتخاذ موقف معاد للمغرب بشأن الصحراء، تجنبا لتدهور العلاقات معه، وهو ما قد يضر بمصالحها الاقتصادية والأمنية.
المد.. شراكة استراتيجية وتعاون استثنائي بين المغرب والاتحاد الأوروبي
يُعتبر التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي من أكثر الشراكات الاستراتيجية أهمية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. يعكس هذا التعاون العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية بين الجانبين، ويشمل مجالات متعددة مثل التجارة، الأمن، الهجرة، الطاقة، والتنمية المستدامة. في هذا التقرير، سنستعرض أبرز محاور التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مع التركيز على التطورات الرئيسية وأهمية هذه الشراكة لكلا الجانبين.
وتعود العلاقات بين المغرب وأوروبا إلى قرون طويلة، لكن التعاون المنظم بين المغرب والاتحاد الأوروبي بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا بعد توقيع اتفاقية الشراكة في عام 1996. هذه الاتفاقية أسست لإطار شامل للتعاون في مختلف المجالات، وكانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع تقديم دعم أوروبي لجهود التنمية في المغرب.
كما أن التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي يمثل نموذجاً للشراكات الإقليمية التي تستند إلى المصالح المشتركة والتفاهم المتبادل، ورغم التحديات التي قد تواجه هذه العلاقة، إلا أن الأسس القوية التي تقوم عليها الشراكة، والرغبة المشتركة في مواجهة التحديات العالمية، تضمن استمرارية التعاون المثمر بين الجانبين في المستقبل.
الاقتصاد والتجارة
يُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر للمغرب، حيث تستحوذ الدول الأوروبية على نسبة كبيرة من صادرات المغرب، والتي تشمل المنتجات الزراعية، الفوسفات، والمنسوجات، كما أن الاتحاد الأوروبي هو المصدر الرئيسي للواردات المغربية، بما في ذلك السلع الصناعية والتكنولوجية.
الاتفاقيات التجارية بين الجانبين، مثل اتفاقية الشراكة واتفاقية التبادل الحر الزراعي والمنتجات الصناعية، ساهمت في تعزيز هذا التعاون. وقد أتاحت هذه الاتفاقيات للمغرب وصولاً تفضيليًا إلى الأسواق الأوروبية، مما دعم نمو الاقتصاد المغربي وفتح آفاقًا جديدة للشركات المغربية.
الهجرة والأمن
يُعد ملف الهجرة أحد أهم محاور التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بسبب موقعه الجغرافي كجسر بين إفريقيا وأوروبا، يُعتبر المغرب بلد عبور رئيسي للمهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا. لهذا السبب، وقّع المغرب والاتحاد الأوروبي على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بمراقبة الحدود وإعادة قبول المهاجرين.
الاتحاد الأوروبي يقدم دعماً مالياً وتقنياً للمغرب من أجل تعزيز قدراته في مجال إدارة الهجرة، وتحسين أوضاع المهاجرين واللاجئين، من ناحية أخرى، يلعب المغرب دوراً مهماً في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني مع الدول الأوروبية، حيث يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مجالات الأمن السيبراني ومكافحة الجريمة المنظمة.
الطاقة والتنمية المستدامة
مع تنامي التحديات العالمية في مجال الطاقة والتغير المناخي، أصبح التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في هذا المجال أكثر أهمية. المغرب يسعى ليصبح رائداً في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقد أطلقت المملكة مشاريع ضخمة مثل مشروع نور للطاقة الشمسية.
الاتحاد الأوروبي يدعم هذه الجهود من خلال التمويل وتبادل الخبرات التقنية، هذا التعاون يسهم في تعزيز أمن الطاقة في المغرب ويتيح للاتحاد الأوروبي الوصول إلى مصادر طاقة نظيفة ومستدامة.
الثقافة والتعليم
الثقافة والتعليم يشكلان أيضاً جزءاً مهماً من العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، برامج التبادل الأكاديمي ساهمت في تعزيز التفاهم الثقافي بين الشباب المغربي والأوروبي، بالإضافة إلى ذلك، هناك تعاون في مجالات البحث العلمي وتطوير التعليم العالي في المغرب، بما يتماشى مع المعايير الأوروبية.
رغم التعاون المثمر بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تواجه هذه الشراكة بعض التحديات، من بينها قضايا حقوق الإنسان، حيث تتعرض المغرب أحياناً لانتقادات من بعض الدول الأوروبية والمنظمات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تظل قضية الصحراء المغربية موضوعاً حساساً يمكن أن يؤثر على العلاقات بين الجانبين.
وتبقى آفاق التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي واعدة، في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية وتزايد التحديات المشتركة، مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتغير المناخي، ويُتوقع أن يستمر الجانبان في تعزيز شراكتهما الاستراتيجية، التعاون في مجالات جديدة مثل التحول الرقمي والتنمية المستدامة قد يشكل مستقبلاً محوراً رئيسياً للعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
الجَزر.. الصحراء في قلب أزمات دبلوماسية بين المغرب وأوروبا
تعتبر العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي من العلاقات المهمة والمتشابكة التي تشمل جوانب متعددة، منها السياسية والاقتصادية والأمنية. ورغم هذه الأهمية، فقد شهدت هذه العلاقات عدة أزمات دبلوماسية على مر السنين، تركت تأثيرات عميقة على التعاون بين الجانبين.
ويرتبط المغرب والاتحاد الأوروبي بعلاقات تاريخية تمتد لعقود طويلة، وقد تطورت هذه العلاقات لتشمل اتفاقيات شراكة متعددة، كان أبرزها اتفاق الشراكة المغربية الأوروبية الموقع في عام 1996، ومن خلال هذه الاتفاقيات، أصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر للمغرب، حيث يستحوذ على نسبة كبيرة من صادراته ووارداته، إلى جانب التعاون الاقتصادي، يتعاون الجانبان في مجالات الأمن والهجرة والطاقة.
وتعتبر قضية الصحراء المغربية من أبرز مصادر التوتر بين المغرب والاتحاد الأوروبي، حيث يتبنى الاتحاد موقفاً داعماً لجهود الأمم المتحدة في حل النزاع، بينما يعتبر المغرب الصحراء جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، كما تثير قضايا حقوق الإنسان والحريات في المغرب انتقادات من بعض الدول الأوروبية ومنظمات حقوقية دولية، مما يسبب توتراً في العلاقات.
وشكلت الاتهامات والادعاءات المتعلقة باستخدام المغرب لبرامج تجسس إلكترونية على مسؤولين أوروبيين فتيلا مفتعلا للزيادة من حدة التوترات وأثرت سلباً على الثقة بين الجانبين، ناهيك عن ملف الهجرة، حيث يعتبر ملف الهجرة أحد القضايا الحساسة في العلاقات المغربية الأوروبية، حيث يستخدم المغرب أحياناً ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد الأوروبي في القضايا الخلافية.
ورغم التوترات التي تسببت فيها هذه الأزمات، إلا أن العلاقات المغربية الأوروبية ظلت قائمة على المصالح المتبادلة والتعاون في العديد من المجالات. ومع ذلك، فإن هذه الأزمات تسببت في بعض الأحيان، في تأخير أو تعليق المفاوضات حول اتفاقيات تعاون جديدة بين الجانبين، كما أن الأزمات المتكررة تقوض الثقة بين الطرفين، وتجعل من الصعب بناء علاقات مستقرة وطويلة الأمد، وتساهمت الأزمات في زيادة حدة الانتقادات المتبادلة، مما أثر سلباً على الحوار الدبلوماسي بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
2016: تعليق الاتفاق الفلاحي والصيد البحري
في دجنبر 2015، أصدرت محكمة العدل الأوروبية قراراً يقضي بإلغاء الاتفاق الفلاحي والبحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية، وقد اعتبرت المحكمة أن الاتفاق لا يمكن تطبيقه على هذه المناطق، وهو ما أثار غضب المغرب الذي اعتبر القرار مساساً بسيادته ووحدته الترابية، ورداً على هذا القرار، قرر المغرب تعليق اتصالاته الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي لفترة مؤقتة، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق جديد يعيد المياه إلى مجاريها في 2016.
أزمة 2021: استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو
في أبريل 2021، اندلعت أزمة دبلوماسية حادة بين المغرب وإسبانيا، بعد استقبال مدريد زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، لتلقي العلاج في أحد مستشفياتها.
اعتبر المغرب هذه الخطوة استفزازاً وتحدياً لمصالحه الوطنية، خاصة أن زعيم البوليساريو متهم بارتكاب جرائم حرب ضد المغرب، ورداً على ذلك، قام المغرب بتخفيف الرقابة على الحدود، مما أدى إلى تدفق آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى مدينة سبتة، الأمر الذي فُهم كإشارة دبلوماسية من المغرب إلى استيائه من تصرفات إسبانيا، هذه الأزمة أدت إلى توتر العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما تدخلت مؤسسات أوروبية في الأزمة لدعم إسبانيا.
التجسس والمراقبة الإلكترونية
في 2021، تداولت تقارير صحفية دولية مزاعم حول استخدام المغرب لبرنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على مسؤولين أوروبيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذه الادعاءات أثارت قلقاً كبيراً في الأوساط الأوروبية، وأدت إلى توترات دبلوماسية بين المغرب وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، رغم نفي المغرب لهذه المزاعم، إلا أن تأثيرها كان ملموساً في زيادة الشكوك والتوتر في العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
أزمة البرلمان الأوروبي وحقوق الإنسان
في يناير 2023، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدين ما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، وخاصة فيما يتعلق بحرية الصحافة والتعبير، وهذا القرار أثار غضب المغرب الذي اعتبره تدخلاً غير مقبول في شؤونه الداخلية، ورداً على ذلك، قامت الحكومة المغربية بتوجيه انتقادات حادة للبرلمان الأوروبي، مؤكدة على سيادتها واستقلالية نظامها القضائي، هذا التوتر انعكس سلباً على العلاقات الثنائية، وزاد من حدة التوترات بين الجانبين.
الموقف الأمريكي من الصحراء المغربية يرخي بظلاله على أوروبا
في دجنبر 2020، اتخذت الولايات المتحدة خطوة تاريخية باعترافها الرسمي بسيادة المغرب على الصحراء، في خطوة غير مسبوقة أثارت جدلا واسعا على الساحة الدولية، حيث إن هذا الاعتراف الأمريكي كان له تداعيات مهمة على المشهد الدبلوماسي العالمي، وخاصة على مواقف الدول الأوروبية تجاه النزاع المستمر منذ عقود.
وجاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في إطار اتفاق ثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، حيث وافق المغرب على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل هذا الاعتراف، وهذه الخطوة عززت موقف المغرب في المحافل الدولية، وأعطته دعما دبلوماسيا كبيرا في مواجهة جبهة البوليساريو.
وبالنسبة إلى أوروبا، التي تربطها علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع المغرب، جاء الاعتراف الأمريكي بمثابة اختبار لدول الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالتزامها بالنهج التقليدي القائم على دعم جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سلمي يضمن حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية.
رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يتبنَ موقفا مشابها لموقف الولايات المتحدة، فإن الخطوة الأمريكية دفعت العديد من الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في مواقفها. فرنسا، باعتبارها الحليف التقليدي للمغرب، أبدت دعما قويا لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل للنزاع.
كان للاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية تأثير كبير على مواقف العديد من الدول، بما في ذلك الدول الأوروبية.
فرنسا، باعتبارها من أقرب حلفاء المغرب، رحبت بالخطوة الأمريكية وأكدت على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي. أما إسبانيا، فقد وجدت نفسها في موقف محرج بين رغبتها في الحفاظ على علاقتها مع المغرب، وضغوط داخلية وخارجية للتمسك بالموقف التقليدي الذي يدعم تقرير المصير.
من جهة أخرى، بدأت بعض الدول الأوروبية الصغيرة في مراجعة مواقفها التقليدية، مشيرة إلى أنها قد تنظر في دعم المقترح المغربي إذا ما كان ذلك يخدم الاستقرار في المنطقة، هذا في الوقت الذي ما زالت قضية الصحراء تشكل تحديا كبيرا للعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي. التغيرات في مواقف بعض الدول الأوروبية تعكس توازنا دقيقا بين الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع المغرب، والتمسك بمبادئ القانون الدولي.
ومن المتوقع أن يستمر الاتحاد الأوروبي في تبني موقفه الرسمي الداعم لجهود الأمم المتحدة، مع محاولة بعض الدول الأوروبية إيجاد طرق لتعزيز علاقاتها مع المغرب، دون الخروج عن الخط العام للسياسة الأوروبية المشتركة. ومع تزايد التوترات في المنطقة وتنامي التحديات الأمنية والاقتصادية، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرا إلى البحث عن حلول وسط تلبي تطلعات جميع الأطراف.
المواقف الأوروبية من مغربية الصحراء تعكس تداخل المصالح الاستراتيجية مع المبادئ السياسية، ورغم التفاوت في المواقف بين الدول الأوروبية، يظل الاتحاد الأوروبي ملتزما بدعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي للنزاع. التغيرات الجيوسياسية الأخيرة قد تدفع بعض الدول الأوروبية إلى مراجعة مواقفها التقليدية، ولكن من غير المتوقع أن يحدث تحول جذري في الموقف الأوروبي المشترك على المدى القريب. في نهاية المطاف، ستظل العلاقات مع المغرب أحد العوامل الرئيسية المؤثرة في صياغة المواقف الأوروبية تجاه قضية الصحراء.
ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:
“المواقف الأوروبية تنحو نحو دعم خيار الحكم الذاتي لحل ملف الصحراء المغربية”
- ما هي المؤشرات التي تمنحها الاعترافات الأخيرة بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي؟
تجب الإشارة إلى أن التطورات الأخيرة بخصوص ملف الوحدة الترابية، هي ثمار الدبلوماسية الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، وهي التي بدأت تعطي ثمارها على المستوى الدولي، وهي تعتمد التوجه الاستشرافي المتبصر، وهي لم تأتي بين عشية وضحاها بل نتيجة مجهودات دبلوماسية كبيرة جدا قام بها الملك محمد السادس منذ سنة 1999، وقد توجت بهذه الاعترافات التي كانت بدايتها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وقد كانت هذه البداية، ولها دلالة قوية نظرا للمكانة المتميزة للولايات المتحدة الأمريكية داخل المنتظم الدولي، من خلال العضوية الدائمة في مجلس الأمن، زد على هذا ما يمكن تسجيله من تحول كبير في التعاطي الدبلوماسي المغربي مع عدد من الدول الأوروبية، حيث تميز هذا التعاطي بصرامة في ارتباط مع الملفات المتعلقة بالقضية الوطنية، وهو ما كان قد عبر عنه الملك محمد السادس في خطاب سابق بشكل صريح، حين قال بأن “المنظار الوحيد الذي يقيم به المغرب علاقته مع باقي الدول، هو منظار الصحراء المغربية”، وهذا الأمر برز بشكل قوي في مناسبتين، أولها التفاعل مع الموقف الأمريكي، وثانيها هي الصرامة التي طبعت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا، والتي انتهت في الأخير باعتراف برلين بمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل والواقعي.
من جانب آخر، يجب التأكيد على أن المنتظم الدولي أصبح مقتنعا أكثر من أي وقت مضى، على أن أسطوانة تقرير المصير والاستفتاء، والتي تروجها الجزائر، هي أسطوانة مشروخة، وظهر بالملموس أن الجزائر لديها أطماع استعمارية وتوسعية في الصحراء المغربية، وبالتالي فإن القضاء الدولي أصبح أكثر يقينا بكون الجزائر تغذي هذا الصراع المفتعل، وبالتالي فالحل لا يمكن إلا من خلال المدخل السياسي التوافقي الواقعي، وبالتالي فمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب في سنة 2007، اعتبرت هي الأرضية الصلبة لحل هذا الملف، مع إقبار الحديث عن تقرير المصير أو تنظيم استفتاء، والذي نلاحظ أن قرارات مجلس الأمن لم تعد تتحدث عنه بشكل نهائي، وهو لا يمكن بكل نهائي، ويظهر أن الحل الوحيد هو الحكم الذاتي، كما أشرت، وفي هذا السياق يأتي الموقف الفرنسي الأخير، ليعزز هذا التوجه الدولي والأوروبي والذي انطلق مع الولايات المتحدة الأمريكية ثم إسبانيا وألمانيا، والاعتراف الفرنسي ليس حبيس فقط الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي، بل تخطاه إلى الحديث على أن حاضر ومستقبل الصحراء هو تحت سيادة المغرب، وأيضا إلى حديث عن الحفاض على الأمن القومي المغربي، وبالتالي فهي أبعاد استراتيجية جاء بها الموقف الفرنسي ورسالة ماكرون للملك محمد السادس، وتحمل دلالات كثيرة بالنسبة لفرنسا.
- ما تأثير الموقف الفرنسي الأخير بخصوص الصحراء المغربية على الفضاء الأوروبي؟
إن الموقف الفرنسي تجاه قضية الوحدة الترابية، والذي تضمنته الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ25 لعيد العرش المجيد، من الأهمية بما كان على اعتبار أن فرنسا ليست كباقي البلدان الأوروبية، حيث إنها كانت المستعمر الأول للمغرب والجزائر، وبالتالي فهي على اطلاع كبير بحيثيات الملف، وقد أقول بأنها تتوفر على تفاصيله الدقيقة، والكواليس المرتبطة به، زيادة على كون فرنسا لها تأثير كبير في القارة الأوربية، وبالتالي فالاعتراف الفرنسي سيكون مؤثرا، ولا نستبعد أنه بعد الاعتراف الفرنسي، فإننا سنشهر اعترافات أخرى ومواقف مماثلة لباقي الدول الأوربية، وذلك بالنظر إلى الوزن الإقليمي لفرنسا، أما العنصر الثالث، فالرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إلى جلالة الملك، تؤشر على أنه سيكون هناك تعاون ثنائي مشترك من أجل خدمة قضية الصحراء المغربية، وبالتالي فهذا الأمر يصب في اتجاه تسريع الحل النهائي لهذا الملف المفتعل، وهو الأمر الذي يتعزز أيضا من خلال موقف فنلندا، والذي يدعم بدوره مقترح الحكم الذاتي كحل للملف، هذا مع الإشارة إلى مكانة فنلندا في الفضاء الأوروبي، ووزنها على مستوى شمال أوروبا، زيادة على كون فنلندا من الدول المعروفة بكونها تتحاشى اتخاذ مواقف في ملفات غير محسومة أو غير واضحة، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن أوروبا تتجه بكل عام نحو بلورة مواقف داعمة لمغربية الصحراء ووحدته الترابية، وهذا كله كما أشرت راجع إلى السياسية الدبلوماسية الحكيمة والرزينة التي يقودها جلالة الملك، خصوصا إذا عدنا إلى المواقف الصارمة التي كانت التوجه المغربي مع دول كإسبانيا وفرنسا في فترة ما يمكن أن نعتبرها أزمات عابرة، وبالتالي فإننا أمام مرحلة تغير، والمنتظر هو الحسم النهائي في الملف باعتراف دولي بمغربية الصحراء وسيادته على أراضيه الصحراوية.
- هل نحن إزاء توجه عالمي نحو تصفية وحل هذا النزاع المفتعل على أساس المبادرة المغربية بالحكم الذاتي؟
تجب الإشارة والتأكيد على أن العالم يعرف بلورة تصور مغاير وحازم لصالح مغربية الصحراء، وهو الأمر الذي انطلق مند افتتاح القنصليات في الأقاليم الجنوبية، زيادة على الخيبات التي يعيشها المعسكر المعادي للوحدة الترابية، في مقابل تطور العلاقات بين المغرب والدول المناصرة للوحدة الترابية سواء على المستوى القاري أو حتى المستوى العربي، ناهيك عن الفضاء الأوروبي، وهو ما يترجم كما ذكرت، نجاعة وقوة وفاعلية الدبلوماسية النشطة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، دون أن ننسى المكانة المتميزة للمغرب في الفضاء الإقليمي والقاري، والقوة الاقتصادية التي يمتاز بها المغرب باعتباره البوابة القارية من إفريقا لأوروبا أو من أوروبا لإفريقية وهو أول مستثمر من داخل القارة في القارة الإفريقية، وما يفتح لتعاون والبعد الاقتصادي من أفاق لتعزيز التقارب الدبلوماسي والسياسي خدمة لقضية الوحدة الترابية.
*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية