شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

روسيا والمنافذ البحرية

 

مقالات ذات صلة

جمال أكاديري

 

تاريخيا، كانت أكبر مشكلة جيوسياسية لروسيا، هي أنها قوة قارية غير ساحلية. كانت في الأصل، بدون أي حدود بحرية، ثم أعطت نفسها تدريجيا حدودا بحرية على بحر البلطيق. لكنه يبقى بحرا مغلقا، ثم هناك سواحل لها، منفتحة على المحيط المتجمد الشمالي.. ولذلك كانت دائما لدى روسيا، نزوعات قوية للاتجاه نحو الجنوب، وبالتحديد البحر الأسود.

ويسجل المؤرخون أن استراتيجية الذهاب إلى البحار الدافئة، كان أحد مستشاري القياصرة الروس القدامى هو الذي خلدها رسميا، لأول مرة، في وثيقة قُدمت لتوطيد وتوسيع أراضي روسيا التاريخية. وسيصير هذا المستشار قدوة وملهما للشاب فلاديمير بوتين.

ومنذ قرون، كان طموح الروس هو جعل البحر الأسود طريقا إلى البحر الأبيض المتوسط، ​​ومنه إلى الخليج الفارسي، لإعادة الارتباط بطرق التجارة البحرية البرية القديمة. فأمست عقدة روسيا هي عدم الوصول إلى سبل هذه التدفقات التجارية العالمية، وبالتالي، ولد لديها الأمر تأخرا بارزا في تنمية التبادلات والمقايضات، بسبب ضيق الانفتاح البحري على الأمم الغنية بثرواتها.

ورغم ذلك، فإن روسيا التي كان الغرب الأوروبي يراقب دوما تحركاتها على الرقعة الجيوسياسية، مع محاولة التضييق عليها، وعرقلة خططها، قد حاولت بالمقابل أن تفرض عبورها باتجاه هذا الجنوب البحري، كمتنفس حيوي.

فالأهمية الاستراتيجية، والرمزية والتاريخية التي يمثلها البحر الأسود بالنسبة إلى الروس، كانت هاجسا وسرا لأجنداتهم السياسية. كما أن نظرة فاحصة على خريطة بحر آزوف، بين روسيا وأوكرانيا، والذي يحتل موقعا استراتيجيا بمنطقة التوتر الحالية، تكشف مزيدا من نوايا التوسع البحري للروس.

هذا البحر يعطي الانطباع بأنه بحر مغلق عمليا، لكن يوجد مضيق صغير يفصل بين جهتيه، ويقع على الجهة الشرقية من منطقة القرم بالضبط، بحيث يتيح للروس توطيد القبضة الخانقة التي يطوقون بها شبه الجزيرة المتنازع عليها، مع الأوكرانيين منذ زمن بعيد.

من الواضح، تقريبا الآن، للمراقبين الدوليين أن أحد أهداف حرب بوتين على أوكرانيا، هو ضم سواحل بحر آزوف هذا، من أجل السماح بالتقاطع الإقليمي بين روسيا، وشبه جزيرة القرم المحتلة، لحماية قواعدها من الخلف .

غير أن الاهتمام التجاري البحري ليس هو الطاغي، والذي يزيد الاهتمام بهذه الرقعة المائية. بل على المستوى العسكري، هناك مصلحة استراتيجية أخرى أكثر خطورة وأهمية للاستحواذ على مجمل بحر آزوف. فهناك بحر قزوين، وهو بحر داخلي لا يوجد به منفذ إلى البحار الجنوبية، ويقع في أقصى الشرق قليلا.

خلال الحرب، التي شنها الروس في سوريا، أطلقت صواريخ على معسكرات جماعة داعش الإرهابية، من بحر قزوين. وأصبح هذا البحر، الذي لم يستخدم كثيرا من الناحية الاستراتيجية، مجالا للعمليات الميدانية العسكرية، بحيث يمكن البوارج الروسية من إطلاق الصواريخ في آمان تام. ولقد تمكن الروس من إنشاء قناة نهرية تربط بحر قزوين ببحر آزوف.

ويؤكد المحللون العسكريون أنه من خلال السيطرة على بحر آزوف، أصبحت جيوش روسيا الآن طليقة في نقل سفنها الحربية، من البحر الأسود إلى بحر قزوين، عبر بحر آزوف هذا، وبشكل يعزز وجودها العسكري في المنطقة، ويحقق جزءا من طموحاتها القديمة في التوسع البحري.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى