شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

رهانات وتحديات تواجه الدخول البرلماني

تعزيز الديبلوماسية البرلمانية للدفاع عن الصحراء المغربية  

ترأس الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، جلسة افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، في ظل وجود العديد من التحديات التي تواجهها الأغلبية البرلمانية مرتبطة أساسا بتدبير الملف الاجتماعي والقدرة الشرائية وتمويل كافة المشاريع الاجتماعية والأوراش المهيكلة المتعلقة بالماء والفلاحة. فيما ترى المعارضة أن هناك مستجدات تستدعي تدابير استعجالية من قبيل معالجة آثار الجفاف وزلزال الحوز وتداعيات الفيضانات، ومواجهة التضخم والغلاء، والاستجابة للمطالب الاجتماعية المتصاعدة، والتي تتطلب تخصيص إمكانيات مالية كبيرة. وعلى المستوى التشريعي، سيكون مطروحا على المؤسسة التشريعية مناقشة نصوص بارزة، منها مشروع القانون المالي لسنة 2025، والقراءة الثانية لمشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع القانون الجنائي ومشروع قانون الإضراب، إلى غير ذلك من القوانين التي تنتظر مصادقة المؤسسة التشريعية..، بالإضافة إلى تقوية الديبلوماسية البرلمانية من أجل كسب المزيد من الاعتراف بسيادة المغرب على كافة أقاليمه الصحراوية، تفعيلا للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب افتتاح السنة التشريعية، حيث دعا الملك إلى المزيد من التعبئة واليقظة لمواصلة تعزيز موقف المملكة بخصوص قضية الصحراء المغربية، مؤكدا على ضرورة مواصلة التعريف بعدالة القضية الوطنية والتصدي لمناورات الخصوم.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

توجيهات ملكية لتقوية الدبلوماسية البرلمانية لكسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء

 

 

دعا الملك محمد السادس إلى المزيد من التعبئة واليقظة لمواصلة تعزيز موقف المملكة بخصوص قضية الصحراء المغربية، مؤكدا على ضرورة مواصلة التعريف بعدالة القضية الوطنية والتصدي لمناورات الخصوم.

وقال الملك، الجمعة الماضي، في افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إن “المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم”.

وفي إطار التطور الإيجابي الذي تعرفه قضية الصحراء المغربية، مجسدا في الاعتراف بالحقوق التاريخية للمغرب من قبل دول مؤثرة على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وإسبانيا، أبرز الملك أنه “يجب شرح أسس الموقف المغربي للدول القليلة التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ”، وقال الملك يجب “العمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء”، مذكرا بأنه عبر منذ اعتلائه العرش عن عزمه الراسخ على المرور من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف.

ويقتضي هذا التوجه، يؤكد الملك، “تضافر جهود كل المؤسسات والهيئات الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها وتحركاتها”، كما ذكر الملك بالدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي، داعيا الى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص.

وبهذا الصدد، ركز الملك على ضرورة وضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية، كما دعا الملك إلى الانتقال من مقاربة رد الفعل إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية، مشيرا إلى أنه “على هذا الأساس، عملنا لسنوات، بكل عزم وتأني، وبرؤية واضحة، واستعملنا كل الوسائل والإمكانات المتاحة للتعريف بعدالة موقف بلادنا وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد”.

وأكد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، أن الخطاب الملكي يشكل دعوة إلى اعتماد إدارة احترافية للدبلوماسية البرلمانية من أجل مواكبة الزخم الإيجابي الذي تعرفه القضية الوطنية، وقال العلمي في لقاء صحفي إن الخطاب الملكي دعا إلى إعادة النظر في تركيبة البرلمانيين الذين يمثلون المغرب في البرلمانات الدولية، مشيرا إلى أن هيكلة مديرية العلاقات الخارجية والتعاون بإدارة مجلس النواب ينبغي أن تتسلح بأطر إضافية من أجل الترافع أمام هذه البرلمانات.

وأبرز أن البرلمان المغربي ينتمي إلى 18 منتدى برلمانيا متعدد الأطراف في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، مؤكدا أن حضور المغرب كملاحظ أو عضو كامل في هذه المنتديات، “يسمح لنا دائما بالحضور وبالدفاع عن القضية الوطنية بشكل مسترسل ومتواصل”، وتوقف عند التحول النوعي الذي شهدته القضية الوطنية من خلال دعم عدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لسيادة المغرب على الصحراء كفرنسا والولايات المتحدة، مضيفا أن مجموعة من الدول الأخرى دعمت مغربية الصحراء، رسميا، عبر بلاغات كإسبانيا وغيرها من الدول، أو الدعم المباشر الذي يتمثل في فتح قنصليات بمدينتي العيون والداخلة.

وبدورهم، أكد عدد من النواب والمستشارين البرلمانيين، اليوم الجمعة، أن الخطاب الملكي أبرز الدور الأساسي الذي تضطلع به الدبلوماسية البرلمانية، إلى جانب باقي القوى الوطنية الفاعلة، في الترافع عن قضية الصحراء المغربية وصون مكتسباتها، وأبرز هؤلاء البرلمانيون، في تصريحات صحفية، دعوة الملك في خطابه إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الجهوية والدولية.

وفي هذا الإطار، شدد رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، على محورية دور المؤسسة التشريعية، من بوابة العمل الدبلوماسي الذي تنهض به، في تحصين وتعزيز المكاسب التي حققتها المملكة في قضية الوحدة الترابية بفضل القيادة الملكية، وأكد حموني انخراط ممثلي الأمة في تفعيل التوجيهات الملكية السديدة على هذا الصعيد وتعزيز التنسيق مع باقي المؤسسات الوطنية، والأحزاب لدحض كل المغالطات التي يروج لها أعداء الوحدة الترابية للمملكة.

من جانبه، سجل المستشار البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، محمد حنين، أن الخطاب الملكي يحمل بعدا استراتيجيا وموجها لمختلف مكونات البرلمان لتجويد الأداء وتوحيد أساليب العمل دفاعا عن ثوابت القضية الوطنية، كما توقف حنين عند الرسائل البليغة التي حملها الخطاب “والتي ستكون بمثابة دعامة أساسية لعمل المؤسسة التشريعية ودورها الترافعي المحوري في هذا الملف”.

من جهته، أشار النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محمد ملال، إلى أهمية دعوة الملك، الأحزاب السياسية والمؤسسات إلى تضافر الجهود للتعريف بالقضية الوطنية والدفاع عن المقدسات، واعتبر النائب البرلماني أن “تحقيق النجاحات التي نبتغيها جميعا ويبتغيها الملك، يقتضي إضفاء نجاعة أكبر على عمل الفاعلين لاسيما في مجال الدبلوماسية البرلمانية”، داعيا إلى التموقع أكثر على المستويين الإفريقي والدولي.

بدورها، سجلت النائبة البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة، حورية ديدي، أن المغرب راكم نجاحات مهمة بخصوص قضية الوحدة الترابية، مؤكدة أن مسؤولية الترافع عن هذه القضية والتعريف بعدالتها منوطة بكافة مكونات الأمة وضمنها المؤسسة التشريعية، وفي هذا السياق، اعتبرت النائبة أن الدبلوماسية البرلمانية تشكل آلية فعالة تتيح للبرلمانيين إلماما أكبر بمختلف أبعاد القضية الوطنية كما تكسبهم قدرة للترافع عنها في مختلف المحافل.

ومن جانبه، أشار خالد السطي، المستشار البرلماني عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، إلى أن الخطاب الملكي السامي ثمن العمل الجدي للدبلوماسية الوطنية في الترافع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، كما أبرز الدور الأساسي الذي تضطلع به الدبلوماسية البرلمانية على هذا الصعيد، ولفت السطي في هذا السياق إلى أن البرلمان المغربي حقق تراكما مهما من خلال نشاطات الشعب البرلمانية وعضويته في مجموعة من الاتحادات والجمعيات واللجان البرلمانية الإقليمية الدولية “التي تعتبر أروقة لرفع الصوت المغربي عاليا والمرافعة عن قضية الصحراء المغربية”.

المعارضة تتهم الحكومة بمواجهة صعوبات في تنفيذ برنامجها ووعودها

 

افتتح البرلمان بمجلسيه، يوم الجمعة الماضي، الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، في الوقت الذي وجهت المعارضة البرلمانية انتقادات واسعة لعمل الأغلبية داخل البرلمان واتهمتها باحتكار التشريع من خلال رفض مقترحات القوانين الصادرة عن المعارضة في مقابل تمرير مشاريع القوانين الصادرة من الحكومة، فيما انتقدت المعارضة، أيضا، ما اعتبرته تلكؤ الحكومة في الرد على أسئلة البرلمانيين من المعارضة، وهو الأمر الذي دفع المعارضة، في مناسبات، إلى مقاطعة الجلسة العمومية.

وقال عبد الرحيم شهيد، رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب، إنه «مع انطلاق الموسم السياسي الجديد، ندخل السنة الرابعة من الولاية الحكومية التي تتمتع بأغلبية واسعة في البرلمان، قوامها تحالف مصغر من ثلاثة أحزاب، مما منحها فرصة أكبر لتحقيق الانسجام والفعالية. لكننا اليوم، كمعارضة، نطرح سؤالا جوهريا: بعد ثلاث سنوات، إلى أي مدى استطاعت هذه الحكومة الوفاء بوعودها الانتخابية، سواء تلك المقدمة في برامج أحزابها أو تلك المدرجة في البرنامج الحكومي».

من جانب آخر أوضح شهيد أن الفريق الاشتراكي يرى أن الأداء الحكومي شهد تراجعا واضحا على العديد من الأصعدة. فعلى المستوى السياسي، نسجل ضعفا للأداء الحكومي في مواجهة التحديات الاجتماعية والتوترات التي تعيشها بعض القطاعات كما هو الحال بالنسبة لقطاعي العدل والتعليم»، مضيفا أنه على الصعيد الاجتماعي، لم تفلح الحكومة في ضبط الأسعار التي تمثل هاجسا كبيرا للمواطنين، بالنظر إلى علاقتها المباشرة بقدرتهم الشرائية، فضلا عن أن السياسات الحكومية ذات الصلة بتحقيق النمو وجلب الاستثمار وإعمال الدولة الاجتماعية يجب أن تنعكس على القدرة الشرائية للمواطنين»، مضيفا أنه «في ظل هذه المعطيات، نستنتج أن الحكومة تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ البرامج والمشاريع التي صادقت عليها، ونعتقد أنها بحاجة إلى انطلاقة جديدة ونفس سياسي جديد ».

وبخصوص الأجندة التشريعية، قال المتحدث «نلاحظ أن الحكومة تتعامل مع القوانين بمنطق الأغلبية العددية فقط، دون إعطاء أهمية كافية للحوار المجتمعي أو التشاور مع الجهات المعنية. وكمثال على ذلك، تم تمرير قانون المسطرة المدنية رغم معارضة شديدة من قطاع المحامين، وكان من المفترض أن تسبق ذلك جولات من الحوار للوصول إلى توافق، وفي ما يتعلق بقانون الإضراب، تم تقديمه للبرلمان دون التفاوض مع النقابات، مما يعكس غياب المقاربة التشاركية لدى الحكومة. لذلك نحن بحاجة إلى إنضاج القوانين بالتوافق مع الفاعلين المجتمعيين قبل إحالتها على البرلمان، وذلك لضمان نجاحها واستدامتها»، مؤكدا «أن النقاش السياسي مكانه البرلمان، وكلما كان النقاش السياسي حقيقيا يحظى باهتمام أكبر من المواطنين. ففي السنة الماضية، مثلا، تمت مناقشة قانون المالية بشكل مكثف وتابع المواطنون ذلك باهتمام بالغ، لذا يجب أن تنخرط النخبة السياسية في جميع الأوراش بهذه الطريقة».

ومن جهته، أكد إدريس السنتيسي، رئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب، أن الدخول البرلماني الحالي يأتي في سياق سياسي واقتصادي واجتماعي موسوم بمجموعة من التحديات، لعل أبرزها إشكالية الفيضانات التي عرفتها مجموعة من مناطق المملكة، ورهان الدخول المدرسي والجامعي فضلا عن موضوع التشغيل الذي يحظى بأهمية كبرى. وفي هذا الإطار، أكد السنتيسي على أن إشكالية الماء والجفاف التي جاءت في العديد من الخطب الملكية، تتطلب منا العمل سويا، كل من موقعه، وفقا للتوجيهات الملكية السامية، من أجل تجاوز وضعية الإجهاد المائي التي تعرفها المملكة. ومن جهة أخرى، تحدث السنتيسي عن إشكالية غلاء الأسعار وحماية القدرة الشرائية، واعتبرها من القضايا التي ما فتئ يطرحها فريق الحركة الشعبية منذ بداية هذه الولاية البرلمانية، وهي تتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الحكومة للتخفيف من تداعيتها على المواطنين.

وبدوره، أكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن رهانات الدخول البرلماني يحددها واقع المجتمع، مشيرا إلى أن ما يشغل بال الأسر المغربية، حاليا، هو تنفيذ برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، وآثار الفيضانات في عدة أقاليم بالشرق والجنوب والجنوب الشرقي، وكذا القدرة الشرائية للمواطنين، وتوفير مناصب الشغل وتعزيز الثقة في المؤسسات في ظل بروز ظواهر مثل العزوف عن المشاركة السياسية، وهو ما يقتضي إصلاحات، وتقويم الاقتصاد الوطني ومواجهة تداعيات الجفاف وتأثيراته على المجالات القروية.

ومن جهة أخرى، قال حموني إن مسألة الأولويات تطرح ثلاث ملاحظات أساسية، تتعلق الأولى بمدى وفاء الحكومة بالالتزامات المتضمنة في برنامجها مما يجعل كل القضايا أولويات مطروحة، فيما تهم الثانية التزام الفريق البرلماني بالإنصات إلى كل الفئات، وبالتالي حمل كل القضايا والملفات «بتوازن»، أما الملاحظة الثالثة، فمفادها أنه لا يمكن الحفاظ على البرنامج الحكومي نفسه في ظل مجموعة من المستجدات التي تستدعي تدابير استعجالية (آثار الزلزال، التضخم والغلاء، المطالب الاجتماعية المتصاعدة، تداعيات الفيضانات، انعكاسات الجفاف…) والتي تتطلب تخصيص ميزانيات كبيرة.

على صعيد آخر، يضيف حموني، وبالنظر إلى اختصاصات البرلمان، فعلى المستوى التشريعي، سيكون مطروحا على المؤسسة التشريعية مناقشة نصوص بارزة، منها مشروع القانون المالي لسنة 2025، والقراءة الثانية لمشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع القانون الجنائي ومشروع قانون الإضراب، إلى غير ذلك.

وتشريعيا، أيضا، يتابع حموني، «سيتعين على الحكومة التفاعل مع مقترحات قوانين تقدمنا بها، كفريق، من قبيل مقترح قانون النهوض بالمناطق الجبلية، ومقترح قانون لتسقيف أسعار المواد المدعمة من طرف الدولة، ومقترح قانون لتسوية وضعية «سامير»، ومقترح قانون لتمكين الباحثين عن الشغل حاملي الشهادات من منحة».

وبخصوص العمل الرقابي، أوضح حموني أن المرجعية الأساسية في ممارسة دور الرقابة البرلمانية على الحكومة تتحدد في البرنامج الحكومي بتعهداته، والواقع المعيشي اليومي، وأرقام ومعطيات المؤسسات الرسمية، على غرار المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبنك المغرب. واعتبر  حموني المجال الديموقراطي أولوية قصوى لأنه «بدون أحزاب قوية ومستقلة في قراراتها، وبدون ثقة ومصداقية في العمل السياسي والمؤسسات المنتخبة، وبدون مصالحة الشباب مع الشأن العام ستظل كل مجهوداتنا التنموية الوطنية مهددة بالفشل».

الأغلبية تراهن على إخراج قوانين مهمة مطروحة على طاولة البرلمان

 

يشرع البرلمان بمجلسيه، النواب والمستشارين، في دورته الخريفية من السنة الرابعة للولاية التشريعية الحادية عشرة، في ظل استحقاقات رقابية وتشريعية عنوانها الأبرز إخراج نصوص تشريعية على قدر كبير من الأهمية إلى حيز الوجود، حيث تعد هذه الدورة البرلمانية محطة أيضا، لتجديد هياكل مجلس المستشارين وانتخاب رئيس المجلس لما تبقى من الولاية البرلمانية (2021-2026)، طبقا لمقتضيات النظام الداخلي للمجلس التي تنص على أنه «ينتخب رئيس المجلس في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة».

وتضع الأجندة الرقابية والتشريعية الحافلة للدورة الخريفية للبرلمان، التي تكتنفها رهانات اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة، المؤسسة التشريعية في قلب النقاش العمومي، وهو ما يستدعي من مكوناتها توظيف كافة الآليات المتاحة لهم على المستويين التشريعي والرقابي، بهدف إخراج النصوص القانونية المتسقة وطبيعة المرحلة الراهنة والمستجيبة للتحديات المطروحة. كما يمثل الاستحقاق الرقابي والتقييمي الهام، المتمثل في تقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان، طبقا لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، لحظة سياسية ودستورية رفيعة وتمرينا ديمقراطيا وتواصليا، يعكس نضج الممارسة البرلمانية المغربية والتفاعل البناء بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن كونه فرصة لإطلاع الرأي العام الوطني على المنجز الحكومي، ومدى وفاء الحكومة بتعهداتها المتضمنة في برنامجها الحكومي، باعتباره أساسا تعاقديا مع المواطنين.

وفي هذا السياق، أعلنت هيئة رئاسة الأغلبية الحكومية في بلاغ أصدرته، قبيل افتتاح الدورة الخريفية، عن إشادتها بـ«روح الانسجام والتعاون اللذين يطبعان علاقة الحكومة بفرق الأغلبية البرلمانية، وبالأدوار الكبرى التي تقوم بها هذه الفرق على مستوى التشريع ومراقبة العمل الحكومي، وكذا على مستوى الدبلوماسية البرلمانية»، مؤكدة على ضرورة مواصلة تقوية روح التضامن والتعاون والتعاضد بينهما، في إطار من التكامل وإحكام التنسيق، بالإضافة إلى مواصلة الإنصات للمعارضة والتفاعل مع مكوناتها، كما تم الإعلان عن ترشيح محمد ولد رشيد لخلافة النعم ميارة، على رأس مجلس المستشارين خلال الولاية الحالية.

وفي الشق التشريعي، تحفل «دورة أكتوبر» بنصوص ذات أولوية، ستحظى لا محالة بنقاش مجتمعي واسع، وعلى رأسها تلك المتعلقة بإصلاح مدونة الأسرة والقوانين المرتبطة بمنظومة العدالة، وكذا مشروع القانون التنظيمي المحدد لشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، ولعل من التحديات التي تواجهها الأغلبية البرلمانية مرتبطة أساسا بتدبير الملف الاجتماعي والقدرة الشرائية، وتمويل كافة المشاريع الاجتماعية والأوراش المهيكلة المتعلقة بالماء والفلاحة، وهي رهانات تسائل البرلمان والحكومة على حد سواء، بالإضافة إلى تحدي طرح باستمرار على المؤسسة التشريعية، وهو المتعلق بتدبير الزمن البرلماني بما يعزز أداء الوظيفة التي يضطلع بها البرلمان، والتحكم الجيد في الزمن التشريعي مسألة مطلوبة، بالنظر إلى أهمية عدد من النصوص ذات الأولوية.

وفي الوقت الذي لا تتحدث فرق المعارضة إلا عن الاختلالات والإشكالات وأبرز القوانين التي يستعد البرلمان لمناقشتها مع بداية السنة التشريعية، ترى مكونات الأغلبية، في هذه السنة التشريعية الرابعة، سنة برهان انتخابي، ويقول محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، إن هناك رهانات تشريعية وسياسية ومؤسساتية متعددة ترافق الدخول البرلماني الحالي، الذي يتزامن والسنة الرابعة من عمر الحكومة، وقد جرت الأعراف السياسية أن تكون سنة بنفس سياسي انتخابي.

من الناحية السياسية، هذه السنة معروفة في التجارب الحكومية السابقة، حسب شوكي، بمجموعة من الخصائص، من بينها أنها سنة تنطلق فيها الرهانات الانتخابية، ويولد فيها خطاب التحضير للانتخابات المقبلة، سيما على المستوى التشريعي من خلال وضع اقتراحات، كما أنها تتميز بارتفاع حجم الأداء التشريعي من أجل استكمال المشاريع القانونية للحكومة.

وفي ظل هاته الخصوصيات المرتبطة بالسنة الرابعة من الولاية البرلمانية الحالية، فإن الرهانات، حسب رئيس فريق الحزب القائد للائتلاف الحكومي، التي ستواجهها الحكومة ستكون معقدة ومتداخلة، ويمكن تحديدها أولا في ما هو تشريعي، عبر إخراج القوانين المتعلقة بالإضراب، والمسطرتين الجنائية والمدنية، والقانون الجنائي، وقانون التقاعد.

ومن جهته، تحدث أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، عن عدد من القضايا والمواضيع ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي ستشكل الرهانات الأساسية للدخول البرلماني الجديد، وسيتم مواكبتها من خلال الآلية التشريعية والرقابية. وستكون لنا فرصة مع أول محطة تشريعية خلال هذا الدخول، والمتعلقة بمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي يجب أن يتضمن سياسات وميزانيات مرقمة لمواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وترسيخ وتعزيز بناء الدولة الاجتماعية، بالإضافة إلى وفاء الحكومة بوعد رئيسها المتعلق بتخصيص ما تبقى من هذه الولاية لضخ استثمارات قوية وتوفير فرص الشغل.

من بين الرهانات كذلك، حسب التويزي، الدراسة والتصويت على مشاريع قوانين محالة على مجلس النواب، أو تلك التي ستحال في القادم من الأيام. ويتعلق الأمر باستكمال المسطرة التشريعية لمشروع قانون المسطرة المدنية، ودراسة القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب، الذي تعد دراسته لحظة سياسية وتشريعية بامتياز، بالنظر إلى السياقات العامة المرتبطة بهذا النص ومكانته ضمن هرمية التشريع، بالإضافة إلى كونه يندرج ضمن التزامات الحوار الاجتماعي لـ30 ماي 2022. كما سيتدارس المجلس خلال هذه الدورة مشروع قانون المسطرة الجنائية، والقانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي، وإصلاح صناديق التقاعد، ومشروع القانون المزمع دراسته في المجلس الحكومي في القادم من الأيام والمتعلق بدمج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، إلى غير ذلك من مشاريع ومقترحات القوانين.

معيقات تواجه الدبلوماسية البرلمانية في الدفاع عن القضايا الوطنية

 

تواجه الدبلوماسية البرلمانية المغربية عددا من العراقيل والمعيقات التي جعلت دبلوماسية نواب الأمة لا ترقى إلى نفس السرعة من الانجاز التي تمضي بها الدبلوماسية الرسمية، خصوصا على مستوى عدد من الملفات الوطنية والإقليمية والدولية، وفي الوقت الذي يسجل متتبعون للشأن البرلماني ضعف إمكانيات البرلمان المغربي في ممارسة العمل الدبلوماسي باحترافية وعدم قدرته على التصدي للتحركات المكثفة للبرلمانات والتنظيمات الدبلوماسية المعادية للوحدة الترابية، وهو الأمر الذي يربطونه بعوائق ذاتية ترتبط بمؤهلات البرلمانيين لممارسة النشاط الدبلوماسي، على اعتبار أن النشاط الدبلوماسي يتطلب الكفاءة والتجربة والتكوين الجيد في عدة حقول معرفية وفي جانب اللغات الحية.

ويعتبر المتابعون للشأن البرلماني أن مواصفات الدبلوماسي الناجح شبه غائبة لدى أغلبية أعضاء البرلمان، على اعتبار أن الفرق البرلمانية تركز على الانتخابات التشريعية وهاجس المقاعد دون الاكتراث بانتقاء النخب المؤهلة، بالإضافة إلى غياب معايير موضوعية لانتخاب رؤساء اللجن البرلمانية الدائمة. فهذا الانتخاب يخضع لترتيبات مسبقة لا تؤدي، في الغالب، إلى انتقاء من يتوفر على مؤهلات أكثر بل من يتوفر على نفوذ أكبر خصوصا في عدد من اللجان التي ترتبط بالدبلوماسية وتشتغل على ملفات من الحساسية الخارجية.

وبالإضافة إلى العائق الذاتي، يعتبر المتابعون أن أبرز العوائق التي تضعف الدبلوماسية البرلمانية، العوائق الموضوعية التي تتجلى في ثلاثة مظاهر، يتعلق أولها بغياب التنسيق بين مجلسي البرلمان في مجال العمل الدبلوماسي وطغيان هاجس التنافس بدل التعاون، مما يؤدي إلى تشتت الجهود واختلاف المقاربات، وفي أحيان كثيرة اختلاف الخطاب السياسي وتناقض المبادرات رغم وحدة الأهداف، وهو ما يعتبر غير مقبول أمام شراسة خصوم المغرب وقوة حضورهم الدبلوماسي في المحافل الدولية.

ومن بين العوائق كذلك، غياب أجندة محكمة للعمل الدبلوماسي البرلماني بتنسيق مع وزارة الخارجية لكونها على اطلاع دائم ومستمر على تقلبات مواقف الدول وعلى علم بنقط القوة والضعف في علاقات المغرب الخارجية، ويؤدي غياب التنسيق المسبق لبرمجة الأنشطة البرلمانية في الخارج إلى عدم إعطاء الأولوية للدول التي تحتاج العلاقات معها إلى دعم حقيقي وعدم مواكبة البرلمانيين للقضايا الكبرى للمغرب والنقاش الدولي، بالإضافة هيمنة الطابع الظرفي على النشاط الدبلوماسي البرلماني وطغيان الطابع السياحي في عدد من الحالات، في غياب تنشيط مجموعات الصداقة البرلمانية بما يكفل تكثيف اللقاءات والحوار ومن ثم تعزيز العلاقات وتوثيقها.

بالإضافة إلى ذلك، لا تحدد أهداف كل مأمورية إلى الخارج بدقة ولا يتم انتقاء المشاركين بناء على معايير موضوعية، كإلمام البرلمانيين بالمواضيع المراد تناولها مع نظرائهم في البرلمانات المضيفة، ولا تراعى المؤهلات اللغوية من أجل التواصل الجيد مع هؤلاء، ولا يلزم المشاركون في البعثات بإعداد تقارير عن مهماتهم في الخارج تناقَش من طرف الأجهزة المختصة، وهو ما لا يسمح بتراكم التجارب في المجال الدبلوماسي وضمان الاستمرارية المؤدية إلى تتبع الملفات والقضايا ذات الطابع الدولي.

كما أن أغلب اللجان البرلمانية المشتركة مع برلمانات دول إفريقية، غير مفعلة، لأن جل البرلمانيين يفضلون السفريات نحو الدول الغربية أو أمريكا اللاتينية تحت غطاء “الديبلوماسية البرلمانية”، وحتى داخل هذه الدول، فإن البرلمان لا يواكب المعارك الكبرى التي يخوضها المغرب ضد خصوم وحدته الترابية، وتتحول المهام الدبلوماسية إلى فرصة للنواب البرلمانيين من أجل “السياحة” والتسوق من الأسواق التجارية الكبرى، بالإضافة إلى ممارسات أخرى تسيء لسمعة البرلمان المغربي، والأخطر من ذلك أن بعضهم لا يحضر الاجتماعات التي ذهبوا من أجلها بتمويل من المال العام.

ولمواجهة هذه الاختلالات والأعطاب، تم إطلاق برنامج التعاون في المجال الدبلوماسي بين وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ومجلسي البرلمان، حيث أبرز السفير المدير العام بوزارة الشؤون الخارجية، فؤاد يزوغ، دور البرلمان في مواكبة الدينامية التي تشهدها الدبلوماسية المغربية، خاصة في مجال العلاقات الثنائية في إطار مجموعات الصداقة البرلمانية، مشيرا إلى أن التنوع والتعدد في البرلمان المغربي “نقطة قوة” يجب استثمارها في الدفاع عن قضايا ومصالح المملكة.

وفي هذا الإطار، أوضح يزوغ أن أولويات الدبلوماسية المغربية، تتجلى في الدفاع عن السيادة والوحدة الترابية للمملكة، ومؤسسات الدولة المغربية، وكذا النموذج المغربي الذي حافظ على استقراره وهيبته بفضل الإصلاحات التي قامت بها المملكة بقيادة الملك محمد السادس، فضلا عن إبراز الجانب المتعلق بالهوية والثقافة المغربية.

 

 

 

«دخول برلماني برهانات تشريعية وآفاق دبلوماسية تتطلب الانفتاح على برلمانات أوروبا وأمريكا»

 

  • ما هو السياق الوطني للدخول البرلماني الجديد في ما يخص التحديات والرهانات المقبلة؟

الدخول البرلماني أمام سياق زمني محاط بالكثير من التحديات الداخلية والخارجية، دفعت إلى بروز متغيرات اقتصادية واجتماعية، تستدعي قيام المؤسسة البرلمانية بأدوارها ليس فقط في جوانبها التشريعية والرقابية والدبلوماسية، وإنما أن تعكس مخرجاتها في المقام الأول القيمة الحقيقية للديمقراطية التمثيلية التي تمثلها لدى جميع مكونات الأمة، وبالتالي الحرص على أن تبقى المؤسسة البرلمانية فاعلا أساسيا في عملية التنمية، من خلال تجويد وتسريع الإنتاج التشريعي للقوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، وهي كلها آليات تتطلب على الخصوص الحرص على الجدية والتفاني في العمل خدمة لقضايا المجتمع.

إذا كانت بلادنا بفضل جهود جلالة الملك الحثيثة قد تمكنت من الوصول في مسارها التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإنها اليوم في حاجة ماسة إلى الجدية التي أوصى بها جلالته وذلك للارتقاء بالعمل البرلماني وتطويره، بما يساهم في فتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى التي ينتظرها المغاربة، وبالتالي يتحتم على الجميع أغلبية ومعارضة التعامل بمسؤولة بشأن نجاح الولاية التشريعية، من خلال تبني مضامين الخطاب الملكي السامي، والتحلي بروح الالتزام المسؤول وبخصال الصدق والتفاني في العمل البرلماني، والتجاوب التلقائي مع الاحتياجات الداخلية من جهة، ومن جهة ثانية تعزيز الموقع الخارجي للمغرب والدفاع عن مصالحه العليا، سيما في ظرفية عالمية مشحونة بالعديد من الأزمات الدولية.

إن الدخول البرلماني يأتي في سياق مرحلة تشهد العديد من التحولات والمتغيرات المناخية، بالإضافة الى متطلبات استكمال الإنتاج التشريعي لحزمة من المشاريع والبرامج التنموية/الاجتماعية، التي قدم هندستها جلالة الملك بحكمة وتبصر لإرساء منظور متجدد وشامل الأبعاد يعزز مقومات الدولة الاجتماعية، تجويدا لنمط عيش المواطن، وبالتالي هذه الرهانات المرفقة بتحديات كثيرة تدفع في تفاعلاتها التشريعية العمل البرلماني إلى تكثيف واضح ودقيق للأولويات، التي رسمها جلالته في خطاب العرش المجيد.

وفي أفق الدخول البرلماني لهذه السنة ترتسم العديد من الرهانات المطروحة على المؤسسة التشريعية، التي ينبغي على جميع ممثلي الأمة بالمؤسسة البرلمانية العمل عليها عن كثب، بغية القيام بالمهام الدقيقة للمجال التشريعي، خصوصا للجيل الجديد من الإصلاحات التي ستنخرط فيها البلاد في الفترة المقبلة، ولن يستقيم هذا التوجه دون تجاوز إشكالية غياب عدد من البرلمانيات والبرلمانيين عن أداء العمل البرلماني، الذي يعتبر بالدرجة الأولى التزاما تعاقديا في بعده الأخلاقي والسياسي تجاه الوطن والمواطن.

 

  • ما موقع المؤسسة البرلمانية في عملية الإنتاج التشريعي المتعلقة بالمشاريع الاجتماعية، وكذا إشكالية تدبير ندرة المياه؟

بفضل جهود جلالته الحثيثة شهد المغرب إطلاق البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يكلف استثمارات بقيمة 115،4 مليار درهم، والرامي الى تنويع منابع ومصادر التزويد بالماء الشروب، بالموازاة مع مواكبة الطلب، والذي استطاع التأثير الإيجابي عبر المساهمة في التخفيف من حدة الوضع المائي والحد من تداعيات الأزمة المناخية في مختلف المجالات، مما يتطلب من الفاعل السياسي العمل على تتبع مقتضيات التنفيذ الآني والناجع لكل مكوناته، بغية تنمية الموارد المائية، ضمانا لتحقيق أعلى مستويات الأمن المائي.

المؤسسة التشريعية أمام ضرورة مواكبة المتغيرات المناخية في إطار التحيين المستمر لآليات السياسة الوطنية للماء، التي باتت في ظل الوضعية الحالية ملزمة بتحديد أهداف استراتيجية محددة في مختلف المناطق والظروف والأحوال، ترتكز في المقام الأول حول ضمان توفير الماء الشروب لجميع المواطنين، تحقيقا للعدالة المائية، بالإضافة الى ضمان توفير 80 في المائة على الأقل من احتياجات السقي الضرورية على مستوى التراب الوطني، كأولوية لوضع استراتيجية وطنية تروم توزيعا كافيا وعادلا ومنصفا للثروة المائية، تتميز بتكامل الإمكانات والموارد، وفق رؤية واضحة الآفاق تضمن الانتقال من وضعية الاكتفاء الآني إلى الاستدامة في المستقبل.

إن ضمان الأمن المائي يعد من أبرز أولويات مشروع قانون مالية 2025، والانكباب على استكمال برنامج بناء السدود، وإعطاء الأولوية لأجرأة مشاريع السدود المبرمجة في مختلف المناطق التي تعرف تساقطات مهمة، يساهم في الاستثمار الأمثل للموارد المائية والحد من الإرهاق المائي في باقي المناطق، التي تشهد نقصا متفاوتا للماء. وبالتالي يتوجب على المؤسسة التشريعية توجيه وتنسيق الجهود في كل ما يتعلق بحماية الفرشة المائية الوطنية، ولكي يستقيم هذا التوجه لا بد من وضع دراسات وتقديم اقتراح مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحكامة تدبير الموارد المائية.

أما على المستوى الاجتماعي، فالدخول البرلماني في سياق المرحلة يحدده السعي إلى إيجاد توافق حول تقديم تصور مقنع للسير في إتمام إصلاح نظام التقاعد، استكمالا للحوار الاجتماعي مع التمثيليات الاجتماعية، وذلك من خلال تقديم مشروع شامل وجامع ومفصل لجميع المبادئ والرؤى كمنطلق للمناقشة والتفاوض حول مضامينه، وهو ما يستلزم العمل على مراجعة مدونة الشغل والقوانين التنظيمية ذات الارتباط، حتى يتم الدفع قدما بمسار الحوار الاجتماعي، وكسب رهان تحسين الوضعية الاجتماعية للمستفيدين من جهة، ومن جهة ثانية الحفاظ على استدامة المالية.

إن توسيع دائرة المستفيدين من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ليشمل المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء المزاولين أنشطة خاصة، يرسخ مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية كما يكرس لمبدأ التحمل التضامني/الجماعي للتكاليف الصحية، يستلزم تضافر الجهود لبلوغه ولتنزيله تبسيط المساطر القانونية، سواء المتعلقة بالتسجيل أو بتوسيع الاستفادة، ضمانا لتعزيز مبدأ المناصفة في تحمل المخاطر.

بفضل الرعاية السامية التي ما فتئ يوليها جلالة الملك للمجال الاجتماعي وتحسين ظروف العيش الكريم، تشهد بلادنا ورشا ملكيا جديدا يروم المساعدة في مجال السكن، بغية الولوج إلى سكن لائق، حيث يشمل البرنامج الممتد من الفترة ما بين 2024 و2028، مساعدة الفئات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة على الولوج إلى السكن، عبر دعم يمكنها من تسهيل الامتلاك، وعليه فإن البرلماني أمام رهان استكمال تنزيل هذا الورش الاجتماعي عبر تحيين التشريع، حتى يوفر اتساعا في دائرة المستفيدين، سواء بالمجال القروي، أو الحضري، وتبسيط  أكثر للمساطر الإدارية، حتى يتمكن البرنامج الاجتماعي من تحقيق غاياته والتي حتما ستدعم التطور في الديناميكية الاجتماعية من خلال تقليص مستوى العجز السكني، وتسريع وتيرة استكمال برنامج «مدن بدون صفيح»، تحقيقا للتنمية المجالية.

 

  • ماذا بخصوص دور الدبلوماسية البرلمانية في الدفاع عن القضايا الوطنية؟

على المستوى الأداء الدبلوماسي، فإذا كان المجلس قد واصل مساهمته في الدفاع عن القضايا الوطنية وفي مقدمتها الوحدة الترابية للمملكة، وذلك من خلال المشاركة النوعية والمؤثرة في مؤتمرات ومنتديات المنظمات متعددة الأطراف، كما استطاع بشكل مهم وإيجابي تفعيل مهامه، وبالتالي القدرة استنادا إلى تشبيك العلاقات الفاعلة والمحفزة على تبادل روابط الثقة والمصداقية، وأيضا عبر المعاينات الميدانية وتحقيق آليات الإقناع من خلال الأنشطة البرلمانية المتنوعة؛ المؤتمرات وملتقيات دولية، وعبر تبادل للوفود بين مختلف برلمانات العالم، على أن تتبوأ المؤسسة البرلمانية موقعها المهم في ريادة دبلوماسية التأثير، التي تضمن خلق جسور التواصل لبناء علاقات قوية وواعدة قادرة على التفاعل الآني والاستشرافي مع مختلف قضايا محيطها الدولي، التي تهم وتتقاطع في الوقت ذاته مع القضايا الوطنية.

وقد تميزت الحصيلة في شقها المتعلق بالدبلوماسية البرلمانية بالترافع حول القضية الوطنية كأولوية كبرى، باعتبارها قضية كل المغاربة، وجوهر الوحدة الوطنية للمملكة تستند إلى توجيهات الملك المتبصرة، والتي ما فتئ جلالته يؤكد من خلالها على أهمية العمل الجاد والدؤوب لمؤسسة البرلمان، من أجل التعريف أكثر بعدالة قضية الصحراء المغربية، وبمبادرة الحكم الذاتي، تحقيقا لنجاحات ومكاسب تصب كلها في خدمة القضية الوطنية الأولى، التي لا بد وأن يكثف حضورها بشكل قوي في صلب النقاشات مع مختلف الوفود البرلمانية، سواء داخل المغرب أو خارجه، بما يقتضيه من تعزيز إمكانات التصدي للأطراف المعادية المنتجة للطرح الانفصالي/ الزائف والمضلل في المنابر الدولية.

لكن في المقابل لا بد وأن تسعى المؤسسة البرلمانية إلى تطوير كل السبل المتاحة لتوطيد العلاقات الخارجية للدولة، وتقريب المواقف من خلال الانفتاح على مختلف البرلمانات الإقليمية/المغاربية، وأن تعمل على تنسيق التعاون المشترك معها، خاصة أن البرلمان أصبحت له كل الضمانات الدستورية والآليات المؤسساتية والقانونية، التي تمكنه من أن يكون أكثر تفاعلا مع مجريات الأحداث الإقليمية بما يخدم المصالح الوطنية، فإذا كان الدخول البرلماني برهانات تشريعية متعددة، فإنه بآفاق دبلوماسية تتطلب مزيدا من الانفتاح على برلمانات دول القارتين الأوروبية والأمريكية، وتقريب المواقف مع باقي الدول، خدمة للقضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.

 

* أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى