رفقا بالقارة السمراء
محسن القزويني
إذا استطاع فيروس كورونا أن يفتك بالقارة الأوربية والولايات المتحدة، اللتين تمتلكان أفضل منظومة صحية وتحظيان بإمكانات اقتصادية كبيرة، فما سيكون حال القارة الإفريقية السمراء التي تمثل الخاصرة الضعيفة في كرتنا الأرضية؟
إذا كان كل مليون أوربي يمتلكون 115 سريرا مجهزا في غرف العناية المركزة، فكيف سيكون مصير كل مليون إفريقي وهم لا يمتلكون سوى خمسة أسرة في العناية المركزة!
هذه المفارقات الكبيرة بين القارة الأوربية والقارة الإفريقية تجعل المجتمع الدولي، بالأخص الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وبقية الدول الكبرى، أمام تحد إنساني كبير يهدد مصير مليار وربع المليار من سكان القارة السمراء.
فلقد قرعت اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة ناقوس الخطر في تقريرها، الذي أصدرته في 17 أبريل 2020، وحذرت من أن فيروس كورونا المستجد سيفتك بالقارة ويؤدي إلى موت 3.3 ملايين إنسان، في حال انتشاره على نطاق واسع، كما هو الحال في القارة الأوربية والولايات المتحدة، وأشار التقرير إلى احتمال إصابة 122 مليون إفريقي، بسبب ما تعانيه القارة من نقص في الإمكانات الصحية، ونوه التقرير إلى أن إفريقيا بحاجة إلى 100 مليار دولار لتحسين أوضاعها الصحية.
فهناك الملايين ممن لا يحصلون على ماء للشرب، فكيف والحال مع انتشار الوباء وهم بحاجة إلى غسل اليدين لعدة مرات في اليوم مع الصابون والمواد المعقمة.
لقد دخل الفيروس أخيرا إلى إفريقيا، لكن آثاره بدأت مع انتشاره في الصين وأوربا وأمريكا، حيث تأثرت دول القارة من غلق تلك الدول حدودها الخارجية، وتوقفت التجارة الخارجية مما أدى إلى خسارة القارة 29 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بسب توقف التجارة مع هذه الدول، وهذا مما زاد في عدد فقراء القارة البالغ عددهم 400 مليون فقير يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، وقد أدى تفشي الفيروس في العالم إلى انخفاض النمو الاقتصادي في القارة من 3.2 في المائة إلى 1.8 في المائة.
وتحدث التقرير عن مشكلة الأحياء العشوائية، وهي صفة غالبة في المدن الإفريقية، حيث إن 56 في المائة من سكان هذه المدن يعيشون في أحياء مزدحمة لا تسمح بإجراءات الوقاية المطلوبة من الفيروس، كما أن وجود الأوبئة القديمة سيزيد من خطورة «كوفيد- 19».
فإفريقيا كانت وما زالت المنطقة الموبوءة الأولى في العالم، انتشر فيها مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) الذي أصاب 26 مليون إفريقي بنسبة 70 في المائة من مجموع الإصابات العالمية، بالإضافة إلى ذلك إصابة 25 في المائة بمرض الدرن نسبة إلى المجموع العالمي، وإصابة مئات الآلاف بالإيبولا وسارس، مما أوجد بيئة مساعدة لانتشار فيروس كورونا.
ومما زاد من تخوف المنظمات العالمية، انتقال دول جنوب خط الاستواء إلى فصل الشتاء بعد أشهر قليلة، فهو أيضا سيزيد من انتشار هذه الجائحة، وربما سيطول ابتلاء القارة بهذا الفيروس لأشهر طويلة، وهذا ما يتوقعه الخبراء؛ عندما ينتهي العالم من الفيروس سيبدأ البلاء الإفريقي والذي سيشهد موسما شتويا ينشط فيه الفيروس، لذا جاء التحذير من أن الإصابات لن تبقى عند الأعداد الحالية، وهي 20 ألف إصابة وألف ضحية، بل هي في زيادة مستمرة.
وتأتي كل هذه المتغيرات في ظرف الصراع الأمريكي الصيني، الذي دفعت ثمنه منظمة الصحة العالمية حين أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها للمنظمة والتي تقدر بـ 400 مليون دولارسنويا، وتاليا ستكون القارة الإفريقية الضحية الأولى في هذا الصراع، حيث إن المنظمة تكفلت بالقيام بالعديد من الأنشطة الصحية في القارة الإفريقية، الأمر الذي سيجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
ففي مثل هذه الظروف، ماذا يجب على القارة الإفريقية أن تقوم به؟
أولا: وقبل كل شيء اعتماد القارة على نفسها، فهناك دول غنية يمكنها أن تساعد الدول الفقيرة لمواجهة مخاطر الفيروس، إضافة إلى ذلك هناك 12 دولة إفريقية مصدرة للغذاء في العالم، تستطيع أن تغطي حاجة القارة من الغذاء.
فأمام القارة خيار التجارة البينية، بعد توقف التجارة العالمية.
ثانيا: تفعيل المنظمات الإفريقية، فهذا هو يومها لتتحمل أعباء هذا الخطر ولتتعاون في ما بينها لاتخاذ القرارات السريعة، التي ستوقف انتشار الجائحة عند حدودها المعلنة.
وليكن واضحا لدى الأفارقة جميعا؛ ليس هناك من يشفق على إفريقيا، فالدول كلها مشغولة بنفسها ولا يهمها شيء سوى تخليص نفسها من خطر هذا الفيروس.
على دول القارة ألا تنتظر من يرحمها، أو يمد لها يد المساعدة كما كان الأمر في السابق، فلابد من موقف موحد لدول القارة بأجمعها. وعلى المنظمات الإفريقية القيادية تحمل المسؤولية كاملة، وقبل أن تنتشر الجائحة بالصورة التي انتشرت في أوربا وأمريكا.
أما الأمر الثالث فهناك خبرة متراكمة لبعض الدول الإفريقية لمواجهة الأوبئة السابقة، والتي هي أشد فتكا من وباء كورونا كالإيبولا، حيث إن خطره يزيد 90 في المائة عن خطر «كوفيد- 19». کما یقول خبراء الصحة العالمية، فلابد من الاستفادة من تلك الخبرات لمواجهة هذا الوباء، كما أن انتشاره في دول كالصين وأوربا وأمريكا قبل القارة، يمنحها فرصة الاستفادة من تجارب تلك الدول المصابة.
فإفريقيا بخير وعافية إن اتحدت أياديها السمراء، وقررت أن تكتفي بإمكاناتها الذاتية، التي قهرت بها جميع التحديات السابقة وخرجت منها منتصرة.
ولتكن دولة رواندا الإفريقية قدوة حسنة لجميع دول العالم، بالأخص الدول الإفريقية.