رسالة من واشنطن
تضمن مشروع قانون المالية لسنة 2023 الذي قدمته الإدارة الأمريكية اقتراحا لدعم دول التعاون الخليجي ومصر و الأردن و السودان و المغرب بما يقارب 6 مليارات دولار من أجل دعم هذه الدول الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التهديدات الإيرانية على الأمن والسلم الدوليين، سواء تلك المخاطر التي تقوم بها جمهورية إيران مباشرة أو عن طريق شبكة اتباعها من منظمات إرهابية تمولها ماليا وتدعمها عسكريا.
من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم على قرار دعم المغرب عسكريا، دون توفرها على دلائل ملموسة حول التقارب الإيراني الجزائري الذي من شأنه أن يهدد التوازن الاستراتيجي داخل شمال إفريقيا، بالإضافة إلى تأكدها من أشكال الدعم العسكري التي تتلقاها ميليشيات «البوليساريو» سواء من طرف عناصر من حزب الله اللبناني الموالي لإيران أو داخل الثكنات والمراكز العسكرية الانفصالية بحماية من الجيش الجزائري.
إن قيمة القرار الأمريكي تكمن في طبيعة الأسلحة التي ستدعم بها واشنطن المغرب والتي لا يمكن السماح بها من طرف الكونغريس الأمريكي إلا لشريك استراتيجي موثوق فيه ومنها الموافقة على تسليم المغرب منظومة الدفاع الجوي ضد التهديدات الصاروخية والهجمات بطائرات بدون طيار إيرانية الصنع التي حصلت عليها مليشيات «البوليساريو» من جمهورية خامنئي، بالإضافة إلى رادارات جد متطورة من طراز «غاب فيلر» وهي الأفضل حاليا، حيث يمكنها كشف الدرونات الصغيرة والأهداف التي تحلق على ارتفاع منخفض.
بالإضافة إلى ذلك فالقرار الأمريكي الذي اقترحته إدارة بايدن ووافق عليه الكونغريس ذو قيمة استراتيجية مهمة بالنسبة للمصالح السيادية المغربية على الأقل من واجهتين، الواجهة الأولى هي أن القرار هو مثابة اعتراف ضمني بأن جبهة «البوليساريو» أصبحت مصنفة كذراع عسكري لإيران بمنطقة شمال إفريقيا، وبالتالي يمكن أن تصنف في أي لحظة كمليشيات إرهابية وهو ما يعزز الموقف المغربي، أما الواجهة الثانية من هذا القرار العسكري فتتمثل في أنه امتداد للقرار الدبلوماسي الأمريكي الداعم لخيار الحكم الذاتي الذي أشرت عليه إدارة ترامب قبل سنتين تقريبا وتبنته إدارة جو بايدن، والذي سيتم تأكيده خلال قرار مجلس الأمن المقبل.
إن تسارع الأحداث الجيوستراتيجية، خصوصا بعد اندلاع الحرب بأوكرانيا، أدى إلى فرز واضح في المنطقة المغاربية، فالانحياز الجزائري أصبح واضحا داخل المحور الصيني الروسي الإيراني من خلال تأييد الجزائر لوحدة التراب الصيني في إشارة واضحة لرفضها انفصال تايوان عن الصين، واستعدادها خلال الأيام المقبلة لمناورات عسكرية مع الجيش الروسي بمناطق متاخمة للحدود المغربية، بالإضافة إلى العلاقات القوية مع النفوذ الشيعي الإيراني. في المقابل فإن المغرب منفتح على كل التحالفات التي تخدم مصالحه الاستراتيجية وتجعله فاعلا موثوقا به في حماية الأمن الإقليمي في شمال إفريقيا.