«لا بد أن نتساءل باستمرار: ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟»
إن هاته الأسئلة الملكية، التي وردت في خطاب ثورة الملك والشعب، تستبطن في طياتها حجم القصور في التعامل مع الجالية سواء كمواطنين مغاربة يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها إخوانهم بالداخل أو كمصدر مهم لجلب العملة الأجنبية ودعم الميزانية العامة أو كمساهمين في التنمية عبر استثماراتهم. ورغم أن الدستور ارتقى بمجلس الجالية إلى مؤسسة دستورية ورغم تضخم المؤسسات المتدخلة في هذا الملف (الوزارة المكلفة بالجالية، مجلس الجالية المغربية بالخارج، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، مؤسسة محمد الخامس للتضامن..)، التي تعمل على تدبير العلاقة مع 5 ملايين مغربي من المهاجرين أو 15 في المائة من المغاربة المغتربين مقيمين في 100 دولة، إلا أن القصور لا زال مستمرا في تدبير هذا الملف الحيوي اقتصاديا ودبلوماسيا ورمزيا.
وإلى اليوم وبالرغم من المجهود الوطني المقدر في موضوع المغاربة المقيمين بالخارج، فإنه لم يأخذ حظه الكافي من النقاش الوطني والقرارات العمومية، ومشاكل الجالية لازالت تتراكم وتتطور وتزداد تعقيدا في غياب سياسة عمومية مندمجة وموحدة بين مختلف الفاعلين الذين تحولوا إلى جزر متباعدة كل مؤسسة «تغني على ليلاها»، بعيدا عما تفرضه قواعد أي سياسة عمومية من نجاعة والتقائية وشمولية. ويكفي أن ننظر إلى قطاع وزارة الجالية وكيف بدأت تتلاشى تدريجيا فكرة قطاع حكومي لعدم تطابقه وتطلعات الجالية المغربية، نفس الأمر بالنسبة لمجلس الجالية الذي تحول إلى شبح دستوري من حيث تشكيلته ووظائفه التي لم ترق إلى انتظارات الملك والدستور ومغاربة المهجر الذين يرغبون في وجود مؤسسة تساهم فيه بفعالية في حل مشاكلهم لا أن تتحول إلى دار نشر تغرقهم بطباعة الكتب.
لذلك فرسائل الملك في خطاب ثورة الملك والشعب كانت واضحة ويمكن اختزالها في ست رسائل، أولها أن الدولة بمؤسساتها قامت بمجهودات كبيرة في ملف الجالية لكن ما تحقق غير كاف ويحتاج لمجهود إضافي لتجاوز العجز المسجل، ثانيا مطالبة الحكومة بتعديلات تهم تدبير ملف الجالية، لا سيما على المستوى التشريعي والمؤسساتي، والتي ينبغي أن تكون على رأس أجندتها خلال الدخول السياسي المقبل، ثالثا مطالبة الملك بتبيئة إصلاح الإطار التشريعي، والسياسات العمومية والمساطر الإدارية، وفق خصوصيات الجالية وتتناسب مع ظروفهم. رابعا، ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود، خامسا إحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها. سادسا، تيسير البيئة المناسبة للجالية للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد .
إن هذه الرسائل الملكية تستوجب من الحكومة عددا من القرارات خلال الدخول السياسي المقبل، ويبقى القرار التشريعي وإعادة النظر في المنظومة القانونية، أولى الأولويات وهنا دور الحكومة والبرلمان في التقدم بمشاريع ومقترحات قوانين خلال السنة التشريعية المقبلة. بالإضافة إلى ذلك فهناك حاجة ماسة للإصلاح المؤسساتي الدستوري والذي يتطلب إعادة النظر بشكل جوهري في مجلس الجالية الذي ارتقى به الدستور إلى مؤسسة دستورية، سواء من حيث التركيبة أو الوظيفة. وأخيرا القرار القطاعي ويقتضي إعادة النظر في قطاع الجالية التابع لوزارة الخارجية، وهذا قد يفترض تعديلا حكوميا من خلال تعيين كاتب دولة أو وزير منتدب لتدبير القطاع.
لقد أصبحت الحاجة ماسة لوضع إطار جامع ومتكامل وفعال يُعنى بقضايا ومشاكل ومطالب المغاربة المقيمين بالخارج أخذا بعين الاعتبار خصوصية إقامتهم وصياغة البرامج والتوجهات المستقبلية، لكن يبقى أهم ورش في الإصلاح الذي رسم خطوطه ملك المغرب هو كيفية تطوير مساهمة مغاربة المهجر في الاستثمار والتنمية بمعانيها المتعددة، دون عرقلة ودون تعقيدات وبطء المساطر.