شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

رحلة السلاح النووي في نصف قرن

 

مقالات ذات صلة

 

بقلم: خالص جلبي

 

حتى عام 1960 كان السباق المحموم هو في إطار تضخيم وتكبير السلاح النووي، من خلال تطوير ما عرف بالجيل الثاني للقنبلة الهيدروجينية، وحتى عام 1958 م فجرت أمريكا 118 قنبلة، في جنوب المحيط الهادي، قضت فيها على كل حياة حيوانية ونباتية. وفي عام 1954 فجرت سلسلة من القنابل تحت الاسم السري (كاسل)، في منطقة «بيكيني – أتول»، التابعة لجزر المارشال، حيث تم تفجير سبع قنابل هيدروجينية بشكل متلاحق، تحت تصفير وتزمير العسكريين وفرحهم الشديد بألعاب العيد النووي. وفي الأول من مارس عام 1954 م هتف الجنرالات لتفجير قنبلة جديدة كان المتوقع أن تكون بقوة 6 ميجاطن، فانكشف الغطاء عن جبروت نووي بلغ 15 ميجاطن (أقوى من هيروشيما بألف مرة!)، فارتجت الأرض من تحتهم وحلق في السماء مارد علاء الدين النووي الجديد يطل برأسه من ارتفاع 25 كيلومترا، وأرسل الجنرال المتحمس يصف الإعصار النووي على الشكل التالي: «اندفع الفطر النووي محلقا إلى ارتفاع 25 كيلومترا في عنان السماء، وبسرعة مخيفة انطلقت الغمامة النووية ترغي وتزبد لتشكل ثلاث كرات من الكريستال اللامع، وعندما وصل الانفجار إلى أوجه، التمعت السماء فجأة بلون أزرق بنفسجي في تضاعيف التشرد الأيوني المقدس!»، فجُن جنون السوفيات فانطلقوا لا يلوون على شيء في تطوير أعظم منها، ففجروا، في نهاية الستينيات، قنبلة بلغت قوتها (58 ميجاطن= أقوى من هيروشيما بـ3800 مرة!)، فصرَّ جنرالات البنتاغون حنقا على أسنانهم، وقرروا المضي في مشروع لم يحلم به إبليس اللعين، بتفجير قنبلة من عيار (مائة ميجاطن= أقوى من هيروشيما بـ6600 مرة!)، كل هذا قبل اتفاقية عدم التفجير في الهواء والماء التي ذكرناها، والاحتفاظ بالتفجير تحت الأرض فقط .

في السبعينيات تم الاتفاق على السماح بمتابعة لعبة الموت وتجارب التفجير تحت الأرض فقط، لتقفز الاتفاقية بعد ذلك على تحديد قوة التفجير بما لا يزيد على 150 كيلو طن (أقوى من هيروشيما بعشر مرات)، وكان كل ذلك في ضباب الحرب الباردة، قبل أن تدفن الأخيرة في جنازة خاشعة في باريس، مع تسعينيات القرن الماضي بعد أن زُلزل العالم عدة مرات وبلغت القلوب الحناجر. وفي السبعينيات حصل تطوران هامان في التطوير النووي، الأول هو في اتجاه التصغير (MINIMIZING)، والثاني في التلاعب في اتجاه الطاقة، حيث تم إنتاج قنبلة النيوترون ذات التأثير الإشعاعي .

كانت القنبلة الهيدروجينية الأولى التي أخذت اسم

(مايك) والتي أنتجت في خريف عام 1952م ذات حجم مرعب، بطول ستة أمتار وبقطر 8.1 أمتار وبوزن 65 طنا، وهي التي عرفت بالسلاح الاستراتيجي، ولم يكن ممكنا حملها على ظهر طائرة في ذلك الوقت، بل شحنت على ظهر بارجة حربية، وفي عام 1956م استطاع الأمريكيون حمل أول قنبلة هيدروجينية على ظهر طائرة حربية من نوع (ب ـ 52)، وكانت القوة الجوية الضاربة لأمريكا مكونة من ثماني طائرات من هذا النوع، ولكن التطوير الجديد مشى بعكس هذا تماما، بإنتاج ما عرف بالأسلحة التكتيكية، حيث أمكن تصغير القنابل إلى حجم الفاكهة الصغيرة، أي أصغر من قنبلة هيروشيما ذات القوة التدميرية (15 كيلو طن)، وهكذا أصبحت الخيارات منوعة بين القنابل (الاستراتيجية) والـ(التكتيكية)، ونشأ رعب جديد من هذا الطيف من الإمكانيات، حيث قفز إلى الإمكان حدوث حروب تستخدم فيها الأسلحة التكتيكية الصغيرة، ولكن الاستراتيجية النووية أظهرت مرة أخرى، أنه مع العصر النووي أن السحر قد انقلب على الساحر، لأنه لا يوجد هامش واضح بين السلاح التكتيكي والاستراتيجي، فيمكن الانزلاق بأبسط مما يتصور الإنسان من الحرب التكتيكية إلى الحرب العظمى التي لا تبقي ولا تذر، تحت تأثير أعصاب انفلتت، وأحقاد تفجرت، ودماء سالت؛ فالإنسان ما زال يحمل في جمجمته بقايا تلافيف دماغ التماسيح وسمك القرش، كما نكتشف بين الحين والآخر عن مدى رقة وتفاهة قشرة الحضارة في القشرة الدماغية في تلافيف دماغ الإنسان، وإلا كيف يمكن أن نفهم صواريخ كابول، واغتصاب خمسين ألف امرأة في البوسنة من سن السبع سنوات إلى السبعين على يد الصرب، ومحاولة مسح غزة من الأرض على يد بني صهيون؟

وبقي لتتويج رحلة السلاح النووي تطوير الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، ومن هنا تطور علم الفضاء وإرسال الأقمار الصناعية، التي أتت بالخير لنا من حيث لا يشعر العسكريون، حيث ينتظر الجنس البشري الآن، إمكانية ربط هائلة للجنس البشري من المعلومات والاتصالات، وتهيئة الجو لبناء الدولة العالمية الواحدة، وإنتاج الإنسان عالمي الثقافة الجديد، وإيقاف الحروب نهائيا واجتثاث فقر ومجاعات العالم، وفتح الإمكانية لارتياد الفضاء واكتشاف الحياة في كواكب النظم الشمسية الأخرى .

 

نافذة:

اندفع الفطر النووي محلقا إلى ارتفاع 25 كيلومترا في عنان السماء وبسرعة مخيفة انطلقت الغمامة النووية ترغي وتزبد لتشكل ثلاث كرات من الكريستال اللامع

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى