عادة ما يتطلب تجاوز تداعيات الكوارث، سيما الزلازل، فترة طويلة من الزمن وعملا شاقا من أجل الإنقاذ والإعمار لكي تعود الأمور إلى سابق عهدها، لكن هذه القاعدة فقدت الكثير من قيمتها بعد الزلزال الذي ضرب المغرب، والذي تحول، في غضون ثلاثة أسابيع، من كارثة إنسانية إلى فرص حقيقية للتنمية والانطلاق نحو المستقبل.
فبعد أيام قليلة على الزلزال تم تسجيل زيادة في عدد السياح بنسبة 12 بالمائة، وفي قلب هذه المأساة فازت بلادنا بتنظيم كأس إفريقيا 2025، حيث أقنع ملفنا جميع أعضاء «الكاف». وبعد خسائر الزلزال قرر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الاستمرار في أجندتهما بتنظيم لقائهما السنوي في مراكش، التي تضررت بعض مناطقها من الزلزال، بحضور مئات المسؤولين الدوليين. كما أضحى المغرب قبلة لعدد من كبريات الشركات العالمية للاستثمار في مشاريع استراتيجية بملايير الدولارات، ناهيك عن أن مساهمات المغاربة في الصندوق الخاص لمواجهة آثار الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة، قبل أسابيع، بلغت 10 مليارات درهم.
لا ننسى أن الوتيرة التي تم بها احتواء كارثة زلزال بقوة 7 درجات كانت نجاحا في حد ذاتها وجعلت العالم يعترف بهذه الملحمة الوطنية ويثني على الإمكانيات والإرادة التي تتوفر عليها بلادنا في مواجهة الكوارث، والتي جعلتها تضيق عملية قبول المساعدات الأجنبية إلى أضيق الحدود.
إن قوة الدولة المغربية لم تكمن فقط في مواجهة هذه الكارثة الطبيعية والإنسانية التي مثلت تهديداً حقيقياً وخطيراً كان بإمكانه في دولة أخرى أن يمس بالسيادة والأمن والاستقرار، بل في قدرتها على تحويل الزلزال إلى مصدر غني لتغذية شرعية المؤسسات وفرصة سانحة للانطلاق بقوة، وقبل ذلك محطة لتقييم الأوضاع ومراجعة الحسابات واستخلاص الدروس، بصورة تدعم تحصين المستقبل.
والأكيد أن المغرب استطاع أن يلملم بسرعة جراح زلزاله، بفضل توفره على قيادة كاريزمية وملك مواطن يعرف كيف يقود بثبات وحكمة سفينة الوطن حينما نواجه أي كارثة، ولا شك أن الاستنفار المجتمعي المثير للإعجاب لدعم ضحايا الزلزال عبر بما لا يدع فرصة للشك عن تعاضد المجتمع وأظهر كذلك مكامن القوة والثبات في النواة الصلبة لمؤسسات الدولة من جيش وأمن وسلطات عمومية ووقاية مدنية وغيرها.
فها نحن في تجربة الزلزال العنيف صنعنا نموذجنا في تدبير الكوارث، وضربنا المثل في معنى التلاحم بين الدولة والمجتمع، والمطلوب اليوم أن تمتد هذه الصورة الإيجابية إلى أرض الواقع وألا تتم الإساءة لها بممارسات لا مشروعة ومشبوهة خلال عملية إعادة الإعمار التي وضع خطتها وتفاصيلها الملك محمد السادس.