راس لمحاين
نصح مستشار رئيسه وعرض عليه الذهاب عند عرافة شهيرة، لقراءة كف فريقه الذي ظهرت عليه أعراض المرض وتربصت به النكبات، وأضحى كرسي الرئاسة مهددا بالانقلابات. رفض الرئيس المقترح، وبعد طول إلحاح اتفقا على دعوة العرافة للحضور تحت جنح الظلام، إلى ضيعة في ملكية الرئيس، بعيدا عن فضول الصحافيين.
وبرغم الريح والجو الماطر والإعصار، حلت العرافة بالمكان رفقة المستشار وهي تلف جسدها بمعطف أسود، وضعت لوازم الشغل وحاولت طرد رهبة المواجهة، إذ لأول مرة تدخل غمار البطولة الوطنية لكرة القدم، وهي تعلم أن قاموسها الرياضي شحيح، وكل ما تحفظه من الكرة شكلها الدائري وصراعا بين غريمين لا تفهم سره.
تأمل الرئيس «كارط فيزيت» سحبتها العرافة من حقيبتها اليدوية وسلمها إلى مستشاره، قبل أن يشرع هذا الأخير في الحديث عن متآمرين يريدون السوء بالفريق ويسعون إلى إقباره، بعد أن نكلوا به ورموه في قسم المظاليم. بدت العرافة وكأنها غير مهتمة بدفوعات المستشار، وشرعت في وضع لوازم الشغل، قبل أن يتدخل الرئيس ويكشف لها عن انعكاسات أزمة فريقه على مساره السياسي، وهو الذي يراهن على دخول قبة البرلمان وشرب ماء الحصانة.
استعانت العرافة بـ«مجمر» إلكتروني يستخدم بالكهرباء بدل الفحم والنار، وانطلقت رائحة البخور تجوب فضاء الغرفة الواسعة، حاول الرئيس إقناع «الشرقاوية» بعدم جدوى الدخان، لكنها أصرت على رائحة البخور التي تستهوي «جوادها»، الذين لا يقومون بعملية الإحماء حتى يراق على جوانب الجلسة بخور.
أصرت العرافة على أن تتنبأ للرئيس وأخبرته بأن شخصا غاب طويلا سوف يعود، وأن ملكة ستدخل بيته وتغمره بالعطاء، وأن فريقه سيحصد البطولات، وأن خطواته في درب الانتخابات سيكون فيها خير وفير، وطالبته بحمل «المرفودة» إلى أقرب ولي صالح، وقبل أن تغادر البيت سلمت قارورة عطر بخاخ إلى الرئيس، مع توصية باللجوء إليه كلما شعر بضيق.
غادرت العرافة الضيعة في سيارة المستشار، وبعد أيام تبين أن التنبؤات في حالة تسلل وأخرى تقطر تشاؤما، والعهدة هنا على المستشار، لأن العرافة لا تفرق بين درجات البطولة ولا تصنيفات الفرق ولا الهيئات القائمة على الشأن الكروي في البلاد، فمجال اشتغالها لا يتجاوز حدود شطر هواة الزواج والطلاق ومعترك عمليات الوفاء والخيانة، أما الكرة والسياسة فهما شعبة في طور التأسيس في العلوم الفلكية.
فطن المستشار لصدق تنبؤات العرافة، فقد عاد ابن الرئيس من كندا، ودخلت الضيعة ملكة النحل في إطار مشروع تسمين النحل، وحقق فريقه رقما قياسيا في عدد قضايا المنازعات، رفض الرئيس استكمال وصفة زائرته وامتنع عن زيارة الأولياء.
لا توجد عرافات متخصصات في كرة القدم، بل إن غالبية قارئات الفناجين تنحصر تنبؤاتهن حول الأوبئة والكوارث الطبيعية والاحتباس الحراري وموت الزعماء، ولا يوجد زبائن من عالم الرياضة يرابطون أمام بيوت العرافات، في ظل وجود محللين في الفضائيات والأرضيات في المواقع والصفحات، يمارسون هواية قراءة كف الرؤساء واللاعبين والحكام والمدربين والصحافيين والمشجعين دون الحاجة إلى بخور.
يعرف سكان الزمامرة «شوافة» اسمها الحسنية بلغت شهرتها ربوع الوطن، كان الناس يقصدونها من كل حدب وصوب وهم يتأبطون أزماتهم، لكن صعود فريق نهضة أتلتيك الزمامرة إلى قسم الأضواء، سحب بساط الشهرة من تحت قدميها. للأمانة فإن الحسنية لم تتنبأ يوما بصعود فريق مدينة صغيرة من قسم الهواة إلى قسم المحترفين، ولم تفكر في توسيع نطاق خدماتها ليشمل أزمات الكرة وطلاق المدربين وانقلابات المسيرين ودسائس المتربصين بالفريق، حيث ظلت الحسنية تستقطب يوميا الباحثات عن زوج متغيب أو مال منهوب أو مرض مزمن، ولم يطرق بابها يوما لاعب يعاني من «لعكس» كلما اقترب من المرمى.