محمد اليوبي
رغم صدور قرار عن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، يتعلق بتجريد المساطر والوثائق والمستندات المتعلقة بالصفقات العمومية من الصفة المادية، مازال العديد من رؤساء الجماعات يتلاعبون بسندات الطلب، وذلك من خلال التحايل على القانون والمساطر المؤطرة لذلك.
وجاء القرار بمستجدات تخص تفويت سندات الطلب، وذلك لمحاصرة كل التلاعبات والاختلالات، حيث أصبح من الضروري على الجماعات الترابية والقطاعات الحكومية نشر إعلان الشراء بناء على سند طلب، في بوابة الصفقات العمومية، لمدة لا تقل عن ثمان وأربعين ساعة، غير أنه في حال تعذر إجراء المنافسة أو إذا كانت هذه المنافسة لا تتلاءم مع طبيعة الأعمال، فإن صاحب المشروع أو الشخص المؤهل لا يلزم بنشر إعلان الشراء بناء على سند طلب.
لكن يتبين، من خلال نتائج عروض سندات الطلب المنشورة بالبوابة الوطنية للصفقات العموميـة، أن شركات بعينها هي التي تحتكر جل سندات الطلب ببعض الجماعات، وعلى سبيل المثال، حصلت «الأخبار» على نتائج سندات الطلب بجماعة بني فراس بإقليم تازة، حيث تبين أن شركة مسجلة باسم شقيق نائب رئيسة الجماعة، هي التي تحتكر أغلب الصفقات المعلنة من طرف الجماعة، علما أن هذه الشركة حديثة التأسيس، ويتم إلغاء سندات الطلب التي تفوز بها شركات منافسة، بحيث بلغ عدد سندات الطلب، خلال سنة 2023، ما مجموعه 41 سند طلب، بمجموع مبالغ يفوق 227 مليون سنتيم، كما يلجأ بعض رؤساء الجماعات إلى «التفاهم» مع الشركات التي تفوز بسندات الطلب للقيام بأشغال وهمية من قبيل تهيئة مساحات خضراء غير موجودة أصلا، وإصلاح السيارات والشاحنات أو كراء الآليات لإنجاز المسالك الطرقية التي تكون موضوع صفقات أو برامج أخرى يشرف عليها المجلس الإقليمي أو جهات أخرى، أو التلاعب في كمية المواد التي تكون موضوع سند الطلب، كما هو الحال بالنسبة لسندات طلب تتعلق بالإطعام وشراء حاويات الأزبال بإحدى جماعات إقليم تازة.
ويطالب منتخبون جماعيون بإجراء افتحاص للصفقات التي يتم تفويتها عن طريق سندات الطلب، ومدى احترامها للمساطر القانونية، التي تنص على أنه بعد نشر الإعلان، يقوم المتنافسون بوضع الأثمنة الأحادية لكل مادة، وتشير بيانات الأثمان إلى تسمية أو هوية المتنافس وعنوانه ورقم التقييد في الضريبة المهنية وبيان الهوية البنكية وعند الاقتضاء، رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو في أي نظام آخر خاص للاحتياط الاجتماعي، ويقوم صاحب المشروع بفحص بيانات الأثمان المتوصل بها والمرتبة ترتيبا تصاعديا، حسب مبلغها، وفق شروط استعمال بوابة الصفقات العمومية.
ويسند صاحب المشروع سند الطلب إلى المتنافس الذي قدم العرض الأقل ثمنا، ويدعو صاحب المشروع، عبر بوابة الصفقات العمومية، المتنافس الذي قدم العرض الأقل ثمنا لتأكيد عرضه، بواسطة مراسلة موقعة إلكترونيا، وذلك داخل أجل أربع وعشرين ساعة، وإذا لم يؤكد هذا المتنافس عرضه، داخل الأجل المذكور، فإن صاحب المشروع يدعو، وفق الشكليات نفسها، المتنافس صاحب العرض الموالي لتأكيد عرضه، إذا لم يسند سند الطلب على إثر قيام صاحب المشروع، وفق الشكليات نفسها، بدعوة المتنافس الذي رتب عرضه خامسا، فإن صاحب المشروع المذكور يقوم بإنهاء مسطرة الشراء بناء على سندات الطلب بطريقة إلكترونية، وينشر صاحب المشروع، في بوابة الصفقات العمومية، إعلانا متعلقا بنتائج فحص بيانات الأثمان، ويحدد هذا الإعلان موضوع سند الطلب وعدد المتنافسين الذين قدموا بيانات أثمان وكذا نائل سند الطلب ومبلغ عرضه.
ويأتي تعديل القانون المتعلق بسندات الطلب، بعدما وقف تقرير المجلس الأعلى للحسابات على مجموعة من النقائص التي تطول مسطرة تنفيذ النفقات العمومية بواسطة سندات الطلب، سواء على مستوى انتقاء المتنافسين أو على مستوى التنفيذ. وفي هذا الإطار، لاحظ المجلس عدم إعمال منافسة حقيقية، إذ إنه بمعظم الإدارات العمومية التي خضعت للتدقيق، يتم تكليف نفس المقاول أو المورد (المتعاقد معه) بتقديم «بيانات أثمان مجاملة» صادرة، في الظاهر، عن متنافسين آخرين، ويرجع السبب في عدم إعمال المنافسة بشكل حقيقي إلى غياب أو ضعف نظام المراقبة الداخلية بشأن مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب.
ولاحظ المجلس غياب لجنة يعهد إليها بعملية الانتقاء واختيار المتنافسين والسهر على مراقبة صحة الاستلام ومطابقة الخدمات أو المقتنيات للمواصفات التقنية والكميات المتعاقد بشأنها، كما لوحظ أن اللجوء إلى المنافسة في إطار مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب لا يتم دائما وفق الشروط والشكليات المطلوبة، والتي من شأنها أن تضمن للإدارة إمكانية الحصول على الجودة المرجوة وبالكلفة المناسبة. وأشار التقرير إلى أن الإدلاء ببيانات أثمان مضادة، في إطار مسطرة سندات الطلب، لا يعدو، في أغلب الحالات، أن يكون مجرد إجراء شكلي لا يتحقق معه لا تكافؤ الفرص ولا المنافسة المنشودة، إذ لوحظ، من خلال عمليات التدقيق، أن الطلبيات العمومية تقتصر على فئة محدودة من الموردين أو المقاولين، مما تترتب عنه نتائج سلبية على مستوى الجودة والاقتصاد.
ورصد المجلس وجود تلاعبات من خلال تواتر ممارسة غير مشروعة تتمثل في تشطير النفقات على مراحل من أجل تفادي تنفيذها عن طريق طلبات عروض وإخضاعها لمسطرة سندات الطلب، حتى وإن لم تجتمع الشروط التي تسمح باللجوء إلى هذه المسطرة والمتمثلة أساسا في وجود ضرورة ملحة لتلبية حاجيات آنية وضرورية وذات طبيعة خاصة لا تتحمل آجال مساطر طلبات العروض.