شوف تشوف

الرأي

رأس بوتين والصداع السوري

محمد بكر
«على الكرملين التخلص من الصداع السوري»، هكذا كان توصيف الدبلوماسي الروسي السابق، ألكسندر شوميلين، للمشهد السياسي في سوريا بعد خمس سنوات من تدخل بلده عسكريا في الحرب السورية، عادا أن المشكلة في سوريا هي في شخص الأسد على حد تعبيره، ما أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسة والإعلامية، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقط، بل جاء مقال يفيغيني بريجوزين عبر الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء الروسية ليزيد الطين بلة، وهو رجل الأعمال المقرب من بوتين، بريجوزين وصف الأسد في مقاله بالفاسد، وأن استطلاعا للرأي إذا ما تم إجراؤه فلن يحصد الأسد أكثر من 32 في المائة من الأصوات، هذا المقال الذي لم يستمر طويلا على الموقع وتم حذفه بعد فترة قصيرة، فما الذي يحدث خلف الكواليس؟ ولماذا تتعالى أصوات روسية وتثير مثل هكذا توصيفات في هذا التوقيت بالذات؟ وهل فعلا ما زال بوتين يحب الأسد كما قال دبلوماسي روسي سابق؟
ما نشره مجلس الشؤون الدولية الروسية لجهة أن الحكومة السورية بحاجة إلى نهج بعيد النظر ومرن من أجل إنهاء الصراع في سوريا، هو الأقرب لما تعمل عليه موسكو وتحاول هندسته في المرحلة القادمة، موسكو التي دعمت الأسد في مراحل حرجة جدا مرت فيها الحرب السورية إدراكا منها للأبعاد العميقة والمطارح المتقدمة التي كان يراد لكرة النار في سوريا أن تصل إليها، ولعل خمس سنوات من التدخل العسكري الروسي في سوريا، أسقطت كثير من المشروعات والسيناريوهات وانتهت إلى ما انتهت إليه من تثبيت لأركان الدولة السورية، وسيطرة واسعة على كثير من الجغرافية السورية لن تتوجها موسكو بالتأكيد ولن تكون خاتمة أعمالها في سوريا هو التخلي عن الأسد، ثمة جغرافية سوريا اسمها إدلب تريد موسكو أن تجد لها حلا سريعا وبطريقة سياسية توافقية مع الجانب التركي، وتتويجا لكل الاتفاقات السابقة، سيما تسيير الدوريات المشتركة وتحديدا في الطريق الدولي M4، وكيف تصدت القوات التركية لسوريين وعناصر من جبهة النصرة حاولوا منع القوات الروسية من الدخول إلى المنطقة وقتلت اثنين منهم، من هنا تحاول موسكو أن تُعجل في إنهاء الملف السوري، سيما أن لديها ملفات كبيرة تتعلق بانهيار أسعار النفط، وملف كورونا، وتسعى إلى تغليب سياسة مسك العصا من الوسط في جبهة إدلب على قاعدة الموازنة ربما بين عناد تركي وإصرار سوري، ترى معه موسكو إمكانية تشكيل حكومة سورية ودستور جديد يسمح بمشاركة شخصيات سورية معارضة تدعمها أنقرة في الحكومة الجديدة، تمهيدا لأن يُصرف ذلك سياسيا في جبهة إدلب، وضمان أنقرة بالمقابل، بفكفكة الكتلة المسلحة المحسوبة عليها في إدلب، ومن يشذ سيكون في مرمى نيران المتوافقين بمن فيهم الكرد شرق الفرات.
الصداع السوري في الرأس الروسية، إن كان ثمة صداع، فهو نتيجة ما ترى فيه موسكو «انجذابا» سوريا بات أكثر من اللازم في كثير من مراحل الحرب في سوريا نحو طهران، وتعميق الأخيرة لنفوذها وعلاقتها بالأسد، من هنا نقرأ ونفهم الصمت الروسي حيال العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا والذي تكرر مرتين وفي أقل من أسبوع، الأول كان في محيط دمشق والثاني في محافظة القنيطرة لما تقول عنه إسرائيل وعلى لسان نفتالي بينيت، وزير الأمن، إنه انتقال من مرحلة منع ترسيخ وجود إيران في سوريا إلى مرحلة طردها.
عندما يُسمح أن ينشر مثل هكذا مقالات لدبلوماسيين روس وفي مواقع روسية رسمية، ومن ثم يجري حذفها، وتُطلق بعدها تصريحات رسمية بنفي ما جاء في المقالات كما قال ديمتري بيسكوف، فهذا يعني أن موسكو تريد أن ترسل للأسد ما يمكن تسميته «الرسائل الناعمة»، بمعنى أن نفي الدخان لا يعني أن النار «عدم الرضا» غير موجودة، وهنا تغدو المهمة الملقاة على الرئيس الأسد مضاعفة في المرحلة المقبلة، لجهة إيجاد «توليفة» سياسية تراعي رسائل موسكو والقبول بالمرونة السياسية، خاصة أن عام 2021 هو عام الانتخابات الرئاسية في سوريا، والمرحلة القادمة فيها الكثير من العمل وتنامي العلاقات، سيما على المستوى السوري العربي وانعكاسها على التحالف مع إيران، وإعادة الإعمار وجملة من التحديات الاقتصادية الكبيرة في الداخل السوري التي لا تقل أهمية عن الضغوطات السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى