دلالات مقتل البغدادي
خالد فتحي
شكل مقتل البغدادي هدية من السماء لترامب تعيد إليه بعض ماء الوجه، وتمكنه من تحقيق نصر معنوي سيسعفه كثيرا في الانتخابات الرئاسية القريبة جدا، خصوصا بعد ارتباكه الشديد في إدارة الصراع مع إيران، وخذلانه لحلفائه بداية بالسعودية ونهاية بأكراد سوريا. إنه أيضا ضربة قاصمة للتنظيم الإرهابي «داعش»، الذي روع العالم، سيكون لها بالتأكيد ما بعدها على تماسكه. ومثلما وقع حين مقتل أسامة بن لادن، تابع الرئيس الأمريكي وقائع العملية الخاصة بالإرهابي الأول للعالم عن كثب، وسارع مزهوا بعد نجاحها إلى التعليق عليها والإعلان عنها بإخراج هوليودي محكم، شاكرا روسيا وسوريا وتركيا والعراق والأكراد على تقديم معلومات مهمة للمخابرات الأمريكية. وأمام التعاطي السينمائي لأمريكا مع هذه العملية، يبدو أن توقيتها كان مدروسا بعناية فائقة لتحقيق أغراض سياسية. فقد جاء في الوقت الذي كانت تكال فيه الاتهامات لترامب عن تراجعه المفاجئ، وتركه المجال للدب الروسي لكي يجوس بمفرده في الأراضي السورية.
وواضح أن الجيش الأمريكي لم يكن غافلا عن مكان البغدادي أو عاجزا عن الوصول إليه، إذ هناك تقارير تشير إلى أن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية قادرة على أن تراقب كل الشمال السوري وتضبط تحركات أي جسم لا يقل حجمه عن 30 سنتمترا. فقط ظل ترامب ينتظر أن تكون عمليته مواتية لجني بعض المكاسب. وأولها أن يقول للجميع إن التوغل التركي لم يتسبب كما توقعوا في إطلاق سراح مقاتلي «داعش» المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية، بل على العكس من ذلك تزامن مع تصفية زعيم التنظيم نفسه.
ترامب أطلق كل الأوصاف البذيئة على البغدادي، واعتبر أن مقتله يفوق في أثره مقتل زعيم القاعدة ليقول إنه حقق لأمريكا أكثر مما فعل الرئيس أوباما.
انتشاء ترامب الكبير أعاد إثارة الكثير من الجدل حول أصل «داعش»: هل هي صناعة أمريكية هدفها أن تمنح الغرب مبررا للتدخل في البلاد العربية للسيطرة على مقدراتها، أم إنها نتاج بيئة فكرية وإيديولوجية حاضنة يؤطرها فهم خاطئ ومتشدد لبعض النصوص الدينية، كانت فقط بحاجة إلى بعض الظروف الإقليمية لكي تخرج إلى العلن؟ حيث رأى البعض واثقا بأن أمريكا تبرئ نفسها نهائيا بهذه العملية من هذه التهمة. لكن هذا اللبس سيبقى مستمرا، خصوصا عندما ينبه البعض إلى أن هذا المد الجهادي العالمي نشأ أول مرة بتشجيع أمريكي للقتال ضد روسيا في أفغانستان. فمن رحم تلك الحرب تخلقت طالبان والقاعدة. وما «داعش» إلا امتدادا لنفس الفكر المتشدد. قتل الملا عمر، ولكن طالبان استمرت، بل لقد رأينا كيف أن أمريكا ترعى أخيرا مفاوضات يشارك فيها هذا التنظيم، الذي ما زال يسيطر على أراض واسعة من أفغانستان. وقتل أسامة بن لادن، ولم تنته القاعدة كذلك، بل عاشت وإن كانت قوتها وقدرتها على المباغتة والضرب قد تقلصت بشكل كبير. ولا نظن أن داعش ستموت بموت زعيمها البغدادي ربما ستموت فكرة الدولة الإسلامية، أو ينتهي مشروع الخلافة، ولكن التنظيم سيستمر كسابقيه بشكل من الأشكال. فلول التنظيم ما زالت منتشرة في العديد من البؤر. وقد تنتظم من جديد، وتفكر في الثأر والانتقام. أو لربما وهذا هو المرجح، أن تنظيم الدولة سينزل من «عرش» الزعامة الإرهابية فقط ولربما سيفسح المجال لتنظيم آخر يقوم بدور آخر مختلف في الإخراج، متطابق معه في الأهداف التي تتعلق بما يجري في المنطقة العربية. وربما سيكون في مكان آخر غير سوريا والعراق وأغلب الظن في سيناء، أو في ليبيا. فمتى سينتهي ليل الإرهاب الطويل؟