بقلم: خالص جلبي
هذه قواعد استخلصتها في فترة أكثر من نصف قرن، من أيام صعبة، وليال ممضة، وصدمات هائلات، وخسارات فادحات، وتجارب مريرة، وخيبة أمل في الكثيرين، أو بالعكس أمل في مستقبل الإنسان. هذه القواعد في حدود 28 قاعدة، جاءتني مثل الوحي في لحظات فسطرتها على عجل؛ تماما كما حدث معي في تطوير الدعاء العصري، حتى فوجئت به في منابر مصرية منقولة منحولة، عن برلماني مغربي تحدث إليها ولم ينسبها لأصلها. ولا جديد في عالم العروبة الأصم الأعور الأبرص؛ بل إنني أكتشف من حين لآخر إما كتبا لي تباع ولا علم لي بها، أو نسخا جديدة مزورة منقولة منحولة عن كتبي، التي تعبت فيها 60 عاما. مع ذلك أقول فلتنتشر الأفكار ولو سرقة. وهذه القواعد مثلا نقلها القاسم المشهور في إذاعة الأعراب، ولا أتذكر هل نقلها مع مصدرها، أم لا . وكما أقول أنا فلتنتشر أفكاري ولو مسروقة، فهي دليل أنها دواء وشفاء لما في الصدور. قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
أذكر هذه القواعد اليوم وفي الحلق غصة عن مصير الفيلا التي بنيتها في الجولان السوري، حين بنيت حيث قرية زوجتي الشركسية السابقة ليلى سعيد من قرية بير عجم «دفناها في ثلوج مونتريال». قلت أتنقل بينها وبين كندا، حتى صرفت عليها 500 مليون سنتيم بعملة المغاربة (نصف مليون دولار أمريكي)، لتتحول في النهاية إلى فرع مخابرات لاعتقال الناس وتعذيبهم، وخلع أكتافهم، وتحطيم أسنانهم «كما فعلوا بي من قبل»، ولسع أعضائهم التناسلية بالكهرباء، أو حرقها بالكحول والبنزين. وأمضي في التصور كيف تغص فيلتي الآن بمئات المعتقلين المعذبين، بل باتت مسرحا لاغتصاب العذارى، وأقداح الويسكي مع ضباط الموساد القريبة منهم، حيث بنيت على سفح قريب من حدود بني صهيون. المهم أضع بين يدي القارئ اليوم هذه القواعد، عسى أن تكون موعظة وشفاء لما في الصدور.
(1) لا توجد مشكلة من دون حل، المشكلة عادة ليست فيها، بل في موقفنا منها.
2) ) كرس قاعدة الفيلسوف «إبكتيتوس»: ليس هناك شر مطلق في العالم. فتقتير الرزق، وضيق ذات اليد، والحبس، واضحة أنها محنة وابتلاء، ولكن هل يخطر في بال أحدنا أن الغنى والصحة والمركز الوظيفي، امتحان من لون خفي غير مباشر لا يتفطن إليه إلا الآحاد من الخليقة؟
3) ) لا تنطق بلا مسؤولية، فهناك من يُطلق الكلمات وهو يحسبها هواء قذفه الحلق؛ فجملة مفيدة، أو تجشؤا من المعدة لا يستويان، مثلا قل: الحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون.
(4) لا تستبد بك اللحظة. في الوقت العصيب واللحظات الصعبة تذكر: أنها ليست نهاية العالم .. فهناك دوما ما قبلها وما بعدها. والظروف الصعبة مثل السحب القاتمة، ولكنها تمر، فلا يدوم شيء سوى وجهه الكريم. وكل من عليها فان، وكل يوم هو في شان.
(5) اعتمد قاعدة مجتمع مضخة الماء، وتذكر قانون الدفع المتتابع في المعاملات الرسمية. فأنت تعيش في العالم العربي، في أشباح وأشباه مجتمعات. لذا اعتمد بناء العلاقات الشخصية والتلفون الخاص.
(6) اعرف دِين الإنسان من دَيْنه، وصموده في التعامل المالي وليس العكس. فعمق التقوى من النزاهة المالية، أكثر من طول اللحية. وعند منح الدين يجب اعتباره غير مردود، فإذا رجع بعد سنوات فهو غير طبيعي، لأن الطبيعي ألا يعود ويُؤكل. ويجب عدم نسيان قاعدة جحا في الدين، بين تقبيل اليد والرجل. فعندما طلب تلميذ جحا دينا من أستاذه، قال له: على شرط أن تُقبّل يدي؟ فتعجب التلميذ من الطلب، فقال له جحا: لأنني سأقبل قدمك كي أسترد ديني.
ومن هذه القاعدة تتفرع 17 قاعدة، سردتها في مقالة منفصلة يمكن مراجعتها.
(7) تذكر كل إنسان قابل للبيع والشراء إلا المتقين، وقليل ما هم. وحتى تعرف تسعيرة إنسان ما، فخل بينه وبين كمية من المال تزيد وتنقص من دون رقيب، إلا الضمير.
8) ) في مواجهة أي مشكلة تعود ألا تلوم أحدا. إذا كنت جادا في اللوم فتوجه به إلى نفسك فقط، لأنها مجال التغيير، ومنها يمكن تغيير العالم.
(9) لا تزهد في «الممكن» وتحلم بـ«المستحيل»، فهذا يجعلنا عمليا في إجازة مفتوحة لإلغاء الجهد المكافئ. في حين أن استخدام الممكن، يُقرب فجوة التباعد من المستحيل. كثير من الأحيان المستحيل ليس مستحيلا، بل نحن ما تصورناه.
(10) الكلمة ملكٌ لك قبل أن تنطقها، فإذا تكلمتها ملكتك هي.. إنها مثل طلقة البندقية. فاحرص على إطفاء الغضب والانفعال، لأنه هو الطوفان المفجر لسدود الكلمات، واعلم أن أعظم قوة يصل إليها الإنسان، هي ضبطه لنفسه. تعلم في لحظة الانفعال ألا تتصرف، بل اختف عن الأنظار، لأن أي تصرف لن يكون سليما.
11) ) لا تشترِ ما لست في حاجة إليه، لأنك ستبيع غدا ما أنت في حاجة إليه! ومما ينقل عن الكاتب العقاد أنه كان يبيع بضعا من كتبه المهمة، من أجل تغطية لقمة عيشه.
(12) لا تزهد ولا ترغب.. وابتغ بين ذلك سبيلا، وعِش في علاقاتك مع الأشياء والأحداث والأشخاص في حالة وسط بين الزهد والرغبة، فلا تذهب نفسك حسرات على فوات شيء، ولا تطير فرحا من تحصيل أي شيء. القاعدة في القرآن: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم.
(13) توقع كل الاحتمالات وتفاءل بالأفضل، ولكن تهيأ للأسوأ، حسب دايل كارنيجي في كتابه «دع القلق وابدأ الحياة»، قاعدة تخيل الأسوأ ويمكن أن تنام .
(14) خطط قبل وقوع الأحداث، كي لا تُفاجأ باستقبالها وأنت غير مستعد.
15) ) كن واعيا لمحيطك وتعامل معه كما هو، فلا ضمانة لأي إنسان أو شيء في أي زمان ومكان، والعالم العربي في حالة مرض قريبة من حال السرطان، لنقل جثة تتفسخ.
(16) حاول أن تكون متحضرا، واحذر من أصول التخلف العشرة: الأصل في الأشياء الحرمة، وفي الإنسان الإدانة، وفي العقل الجهل، وفي المكان عدم البيان، وفي الوقت الإضاعة، وفي الأصوات القباحة، وفي اللباس القذارة، وفي المرأة الدونية والإهانة، وفي المخاطبة عدم الاحترام، وفي المشي الزحام وخبط الآخرين، وفي قيادة السيارات عدم الذوق، وعدم وضع اعتبار للآخرين، وفي التعامل مع الآخرين آلية الإعدام والإلغاء المتبادل.
(17) لا تتطوع بنقل الأخبار السيئة والحزينة والمنفرة والمقبضة، ما لم يكن فيها إنقاذ نفس أو دفع خطر عظيم. في قصة «البؤساء» جاء موقف الراهبة التي لا تكذب، كيف كذبت لإنقاذ حياة العمدة مادلين. وأجب عن كل سؤال بجواب أصغر منه، خاصة عند رجال الأمن (المخابرات) المبنيين على الوسواس الخناس. وورد في الحديث: «أن الله كَرِهَ قيل وقال، وكثرة السؤال»، ولكن من يفهم؟ لأن كل جواب مطول عادة لسؤال أطول. إذاً، شَكلَ المنعكس الشرطي الإيجابي، حيث يكون ظهورك، فاجعله مقترنا بخبر سار، وفكرة جيدة، وريح طيبة، وخلق مميز.
18)) احرص على حمام يومي ولو لخمس دقائق، وريح طيبة ولو رخيصة، وثوب نظيف ولو كان قديما، فليس العيب أن تلبس قديما، بل العيب أن يكون قذرا.
(19) ليس العيب أن تكون جاهلا، ولكن العيب أن تحرص ألا تتعلم، فالله خلق الناس جميعا من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا. وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.
20) ) لا تتفاءل كثيرا عندما تشرح أفكارك بأنها أصبحت واضحة، وكما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: «التشاؤم علامة انحطاط والتفاؤل سطحية، احرص على التفاؤل من رحم المعاناة»، لأن العقل يعمل على آلية عجيبة، فالعقل يكرس المفاهيم التي عنده، أكثر من إضافة مفاهيم جديدة تعدل ما عنده، ومنه كرر القرآن أنه من تأتيه الآيات والنذر لا تُغني عنه شيئا، وأن الناس كلما حدثهم أحد بشيء جديد مفيد قالوا: «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون».
21) ) وطن نفسك بالتدريب الشاق على بناء الذات حتى تلين النفس، فالنفس رهيبة، وعندها قدرة تملص عجيبة من الواجب والمر، وتعمل هاربة من الواجب، بحيث لا يفطن إليها صاحبها نفسه إلا بجهاد كبير، ولا يقوم أو يصل إلى تطويع النفس إلا من كان ذا حظ عظيم من الصبر والوعي والمران.
22) ) في مواجهة أي مشكلة درب نفسك على أسوأ الاحتمالات، بما فيها الموت، فكل ما عدا ذلك سيكون دون هذا التوقع، وفي العالم العربي يلعب المزاج الهوائي والوساطة وعفونتها، والمفاجآت السلبية، الدور الكبير في مصير الأحداث.
(23) لا تربط نفسك بمن حولك: فالمسؤولية يوم القيامة فردية، وكسب الإنسان مما عملت يداه، وفي العالم العربي لا قيمة للوقت والإنسان والفكر، لذا تعود على حمل المعرفة معك في صورة كتاب أو بحث أو شريط صوتي، حيثما ذهبت وراجعت، لأن القاعدة أنك ستضيع الكثير من الوقت حيثما توجهت، فلا تربط مصيرك بمن حولك، ممن هم خارج التاريخ والجغرافية وإحداثيات الزمان والمكان.
24)) تذكر أن الكون يقوم على قاعدة التغير وعدم الدوام: فهذه هي الحقيقة الأولى في الفلسفة البوذية، وكل شيء في هذا الوجود ماض في صيرورته التي لا تتوقف، والحياة وحدها هي الشيء المستمر، وهي دائما تسعى إلى الإفصاح عن نفسها في صور جديدة، والحياة جسر والجسر هو للعبور وليس لبناء بيت فوقه.
(25) لا تقل عنبا حتى يصبح في السلة: وتفسير هذا الكلام أن الإنسان عليه ألا يعلل نفسه بالأماني والترهات، ويظن أن ما يكتبه ويحرره أو يتمناه أو يُوعَد بهِ قد تحقق، فلا يثِق بشيء حتى يتحقق، والفرق كبير بين الواقع والأماني. اختصر القرآن المسألة في ثلاث كلمات: «أَمْ للإنسان ما تمنى».
(26) لا تسلم أعصابك لشيء لم يحدث: فعندما يسمع الإنسان خبرا لم يتأكد منه، فلا يعد نفسه أنه تأكد حتى يتأكد، ولا يعش على أعصابه كل الفترة دون مبرر. فعندما جاء خبر مقتل جساس للزير كان يشرب الخمر، فقال: اليوم خمر وغدا أمر. ومنه جاءت الآية تحذر من فاسق ينقل خبرا.
(27) إياك وترك مهنتك إلى المجهول: بل انتقل من مهنة إلى مهنة، ومن وظيفة لأخرى، من دون ترك ثغرات في حركة الانتقال، أو البقاء معلقا في الهواء دون اتزان، فهذه حكمة والأخرى تهور يورث الندامة، مع ذلك فالمغامرة جيدة – أحيانا – وليس في كل حين.
(28) بإمكاننا أن نعطي أبناءنا الحب، ولكننا لن نستطيع أن نعلمهم كيف يفكروا، هكذا قال جبران خليل جبران. وكل أم حريصة على ابنها، والحرص لا يعني الصواب، وهناك بعض الأمهات يخرجن قتلة، من حجم الأسد السوري والحلوف الكوري.
نافذة:
وطن نفسك بالتدريب الشاق على بناء الذات حتى تلين النفس فالنفس رهيبة وعندها قدرة تملص عجيبة من الواجب والمر