خيبة الأمل من ميزانية السجون
أعلن محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، الأربعاء، عن شعوره العلني بالخيبة إزاء الميزانية التي أقرها مشروع قانون المالية لفائدة إدارته، مسجلا استقرارا في اعتمادات الأداء على مستوى ميزانية الاستثمار بتخصيص 160 مليونا و700 ألف درهم على غرار العام الماضي، في حين ارتفع عدد المناصب المالية المحدثة إلى 1000 منصب.
من حق المسؤول الأول عن سجون المملكة أن يصاب بخيبة الأمل، بل بالصدمة حيال شعارات وردية بتحويل سجوننا إلى مدارس للتربية والتهذيب، لكن، في المقابل، ليس هناك ما يجسد هذه الشعارات على مستوى الميزانية أو الترسانة القانونية التي ما زالت تفضل رمي متهمين في قضايا بسيطة في السجن قبل إصدار أحكام نهائية في حقهم على أن تتابعهم في حالة سراح، حيث تشتهر سجوننا بوجود عدد كبير من الموقوفين في إطار الحراسة النظرية بفعل بطء عمل قضاة التحقيق. وفي كثير من الحالات، ولدى بلوغ مرحلة الحكم، يكتشف أن الموقوف قضى في مركز الاعتقال الاحتياطي فترة تتجاوز الحكم الصادر بحقه.
وبعيداً عن الآلة الحاسبة التي أشهرتها الحكومة في وجه ميزانية السجون، فإن الجلسة البرلمانية التي خصصت لميزانية مندوبية التامك تفتح ملف إصلاح السجون مرة أخرى، بعدما بدأ هذا الملف يتراجع عن قائمة الأولويات الحكومية، وهو ما سيحول السجون في بلادنا إلى أشبه بالقنابل الموقوتة التي تكاد تنفجر في مجتمعنا في حال لم يوضع برنامج واضح وقوانين جنائية واقعية وميزانية معقولة وكافية لحل أزمة الاكتظاظ وإيجاد حلول سريعة، إذ إن الهدف الأساسي من عقوبة المنع من الحرية والاحتجاز في مؤسسة سجنية هو حماية المجتمع والأشخاص والأملاك من الجانحين، فإذا فشلت السجون في تحقيق هذه الحماية المنشودة بسبب ضعف البنية التحتية وهشاشة الموارد المالية، فإن المجرم سيكرر الجريمة للمرة الثانية والثالثة والرابعة.
والواقع أنه بدون ميزانية كافية لتدبير حاجيات المجتمع السجين لن نستطيع توسيع وتطوير السجون الحالية في مختلف المناطق لتتوافق مع المعايير العالمية. والأكيد أننا لن نتمكن من بناء سجون جديدة مستوفية لشروط الأمان والصحة التي أقرتها جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، وبدون مدونة جنائية حديثة وناجعة تأخذ بالعقوبات البديلة وتقطع مع الاعتقال الاحتياطي الذي يحول السجون إلى مقرات إقامة، لن تنتهي من حكاية الاكتظاظ.
إن ملف السجون لا ينبغي أن يكون نقطة ثانوية في جدول عمل الحكومة، لأنه ملف مرتبط بأمن المجتمع والدولة، والاستخفاف بهذا الملف الحساس يعني فتح الباب على مصراعيه أمام الجانحين والمجرمين لكي يعيثوا إجراما.