خوصصة الخيريات
حسن البصري
في الوقت بدل الضائع من زمن الحكومة، صدرت نصوص قانونية ترمي إلى فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، حسب قانون 15/65 في مادته السادسة، الذي يسمح لمؤسسات الرعاية الاجتماعية التي يحدثها الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون التكفل بالأشخاص المسنين أو بالأشخاص في وضعية إعاقة.
في انتظار صدور مرسوم يحدد ثمن الخدمات وتفاصيل انتقال المؤسسة الخيرية من العمومي إلى «البريفي»، لا بأس أن نتساءل عن سر فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في الخيريات، خاصة أن وزارة مصلي تحمست لهذا التفويت التاريخي، وقالت إن مجموعة من الشركات ترغب في الاستثمار في هذا المجال.
لقد دخلنا الخوصصة الاجتماعية في عهد حكومة إسلامية، والحال أن الليبراليين هم الأكثر عشقا للخوصصة، والأغرب في هذه النازلة أن تضع حكومة راحلة ترسانة قانونية لحكومة قادمة، تيمنا بالقول المأثور: «غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون».
الخوصصة تعني تأجير الدولة لأجزاء من الوطن فشلت في تدبيرها، لكن خوصصة دور الرعاية الاجتماعية يحتاج إلى وقفة تأمل، فالخير والعلاج والمكسب المالي لا يلتقي إلا في محل راق.
محاولة إشراك القطاع الخاص في الجانب الاجتماعي تبدو عصية التنزيل، في مجتمع يعتبر الخيرية دارا للتربية أحدثها المخزن ويعتبر اليتامى المتحصنين بها أبناء الدولة، لذا غابت هذه الخوصصة عن برامج الحزب السياسي الذي دافع عنها والأحزاب التي صوتت لصالح القانون في البرلمان، ولم يظهر لها أثر في منشورات الاقتراع. إذ تبين أن كل مسؤول يتولى هذا القطاع يقسم بأنه سوف يسهر على راحة النزلاء، دون أن يحدد اسم الفندق الذي سيسهر فيه.
لقد هزمتنا سياسات الخوصصة حين عالجنا بها السكتة القلبية للاقتصاد الوطني، قبل ظهور الغزو الصيني للاقتصاد العالمي، ونحاول اليوم أن نعالج بها أعطاب منظومة الرعاية الاجتماعية، بعد التوطئة التي تمثلت في مسح خيرية عين الشق من خريطة الدار البيضاء، ما شجع فئة واسعة من أبنائها على الهجرة السرية.
يبدو أن الحكومة عبرت نحو ضربات الترجيح، وسددت ركلاتها لقطاع كان يعيش على الكفاف والعفاف، حين قررت خوصصته في استنساخ هجين لنماذج من وراء البحار، رغم أنه لا مقارنة مع وجود الفارق في المستوى المعيشي وفي أنظمة الحماية الاجتماعية.
لنفرض جدلا، أن الدولة سمحت باقتحام رؤوس الأموال لفضاء الخير والإحسان، حينها لن نغضب إذا جنى المستثمرون أرباحا من اليتامى والمسنين وأطفال الشوارع، وهل ستسمح للمتسولين المحترفين بانتزاع الصدقات مقابل نسبة مئوية من مداخيلهم اليوم، بعد تكوينهم طبعا في تقنيات الاستجداء وحسن اختيار نقط التسول؟
ألا تبيح الخوصصة لمسيري دور الرعاية حق الاستفادة من عائدات الخير، فيحشرون أنفسهم في خانة «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها»؟ ثم ما الجدوى من المحسنين في خيريات دخلها «الدوماليون»؟ وهل سيصبح المحسن مساهما في رأس مال الخير، يمنحه حق المساهمة في القرار؟، لكن ألا يتعارض هذا التحول مع سرية الصدقات؟
قد نصطدم في زمن خوصصة الخيريات بإعلان عن سمسرة عمومية لتفويت أيتام بمواصفات جديدة للراغبين في كفالة واللاهثين عن طفل يدفئ البيت، هنا يصبح تفويت الأطفال كبيع جهاز للتدفئة ينهي صقيع بيت بلا أطفال، وستتحول حملة «اكفل يتيما» إلى «اكفل مسؤولا» قبل أن يمتد الأجر لكافلة خيرية.
حسب الوزيرة مصلي فإن عملية الخوصصة ستبدأ من دور المسنين، مع مخاوفنا من قطع «الحبل السري» وتشجيع الأسر على «تسجيل» الوالدين والأجداد في دور العجزة الخصوصية وأداء رسوم الإيواء ببطاقة بنكية فورية الدفع. وقد يتحول المغرب إلى وجهة للمتقاعدين الأجانب، نظرا لفارق التكلفة في الخدمات التي ستقدم لهم بين المغرب والبلدان الأوروبية.
إذا كانت فكرة «الخوصصة» وموضة بيع الأملاك العامة في الوطن، قد بدأت مع الليبراليين، إلا أن فن العيطة تصدى لها من زمان، حين تغنت بمحمد الخامس «باني المدارس» وأثنت على مجانية الخدمات «لقراية والدوا فابور ولا عطيني باسبور».