شوف تشوف

الرأي

خطبة أمام كراس فارغة

جنوحي

 

 

 

أمام كراس بلاستيكية فارغة، خطب رئيس الحكومة من جهة سوس، في أنصاره، وقال إن هناك من يريد أن يضع العصا في عجلة الحكومة.

خطاب سياسي ضعيف ويعتمد على إثارة العواطف، أمام مجموعة صغيرة من الأنصار الذين هاجموه قبل أشهر ووصفوه ببن عرفة، في واحدة من أغبى الإشارات السياسية التي اعتُمدت سياسيا على الإطلاق.

بطبيعة الحال، فإن رئيس الحكومة يعلم جيدا أنه وقف أمام ساكنة واحدة من أكثر جهات المغرب معاناة من ناحية البنيات التحتية. وتعرض فيها حزبه، داخل أكبر إقليم في المغرب، لموجة استقالات من عضوية المجلس الجماعي وتدخلت التمثيلية الحزبية الجهوية للملمة الوضع ومحاولة إقناع المستشارين بالعودة إلى مجلس لم يقدم للسكان إلا الكلام، في وقت يحتاجون فيه إلى الخدمات الصحية والطرق المعبدة وشبكة المياه العادمة، وقنطرة تصلهم بالعالم عندما يرتفع منسوب المياه في وادي سوس.

خطاب مثل الذي ألقاه رئيس الحكومة، يعد انتحارا سياسيا في دول أخرى يعي سكانها جيدا ما هو الأداء السياسي وما هي عواقبه. ولعل من محاسن الصدف، أن رئيس الحكومة نفسه ينحدر من سوس، وأن هناك من يتذكر من أبناء منطقته، لون سيارة والده العتيقة التي كان يزور بها الفقهاء وحملة القرآن ليتذاكر معهم في التراث والأشعار وقصص كرامات الأولياء والصالحين المدفونين بين جبال منطقة سوس. لكنه في المقابل، يبقى بعيدا جدا عن عمق المشاكل الحقيقية التي تجعل الحياة عصيبة في واحدة من أغنى الجهات المغربية من حيث الموارد.

في نفس الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يلقي كلمته، ويحاول مصورو الحزب ألا يلتقطوا صورا يظهر فيها الجزء الكبير من الكراسي الفارغة، كان عشرات التجار في سوق إنزكان يحاولون ابتلاع المصيبة التي ألمت بهم، والتي أدت إلى إحراق ملايين الدراهم من السلع المعروضة للبيع في ذلك السوق.

تجار خسروا في رمشة عين رؤوس أموالهم وملايين السنتيمات من الأوراق المالية التي احترقت بين السلع وآلاف الشيكات التي تصل قيمتها إلى الملايير، ولم يجدوا أي عون من الحكومة. كان سوق إنزكان وراء جعل المجلس واحدا من أغنى المجالس في المغرب، نظرا للموارد التي يعود بها سوق إنزكان على الميزانية، لكن في المقابل ظلت المنطقة تتخبط في مشاكل التسيير ويتبادل مرشحوها الاتهامات باختلاس الأموال العمومية وعقد الصفقات المشبوهة والتلاعب في الصفقات ورخص توزيع المحلات التجارية، لسنوات طويلة.

أكبر سوق للجملة في المغرب، يوزع أطنان من الخضر والفواكه، تصل إلى عمق إفريقيا، ولا تزال أرضيته غارقة في الوحل خلال فصل الشتاء.

على رئيس الحكومة أن يخجل من النظر في أعين الذين خسروا أموالهم في الحريق الذي نشب مؤخرا هناك. وفي الوقت الذي كان أنصاره يجمعون كراسي المؤتمر الذي اختار له الحزب أن يُعقد في الجنوب، فقد كانت المصالح العمومية تكافح لإخماد حريق نشب في الطريق السيار، واضطرت فيه المصالح الأمنية إلى اللجوء لخبرةADNللتعرف على هوية الجثث التي قضت في الحادث وسط السيارة. وطبعا فإن رئيس الحكومة لا يتوفر على أية معلومات بهذا الخصوص، ولا علم له بالتدخلات الأمنية. كل ما يعرفه المحسوبون على حزبه من الذين يوجدون على رأس المسؤولية، سواء جهويا أو جماعيا، هو معرفة التفاصيل الدقيقة لما يقع داخل الحزب فقط، ومحاولة لملمتها قبل أن تصل إلى الرأي العام. أما ما يعصف بمستقبل ملايين المغاربة ويجعل حياتهم صعبة، فيبقى أمرا ثانويا، لأنه لا يدخل في اهتمامات الحزب ببساطة. لكن لا تقلقوا، فالرسالة وصلت. وما دام رئيس الحكومة لا ينجح الآن حتى في ملء صفوف من الكراسي البلاستيكية البيضاء وجعل المواطنين يسمعون لدغدغة المشاعر، فلا شك أن ضربة الصناديق ستكون مدوية، وليست الاستقالات إلا البداية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى