شوف تشوف

ثقافة وفن

حوار مع الروائي التونسي الحبيب السالمي

النقد العربي يمر بمرحلة صعبة والعرب يولون الجوائز اهتماما أكثر مما تستحق

حاوره: محمود عبد الغني
الحبيب السالمي (31 يناير -1951) روائي تونسي مقيم في باريس منذ سنة 1985. أصدر العديد من الروايات التي استقبلت بنجاح وحفاوة من طرف النقاد والقراء والباحثين الجامعيين، منها: «روائح ماري كلير» و«نساء البساتين» و«الاشتياق إلى الجارة». هذه الأخيرة كانت ضمن القائمة النهائية للروايات الست المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية سنوات 2009، 2012 و2021. وحصل على «جائزة كتارا للرواية العربية» في 2021 عن رواية «الاشتياق إلى الجارة». ترجمت رواياته إلى عدة لغات أجنبية كالإنكليزية والفرنسية، والألمانية والإيطالية.

– الحبيب السالمي مرحبا بك في ملحق جريدة «الأخبار». أنت روائي تونسي تعيش في فرنسا وتكتب دوماً عن تونس، هل الجذور هي منجم الروائي؟
+ لا يستطيع الروائي برأيي أن يتخلص نهائيا من جذوره حتى لو أراد ذلك. الجذور هي الأصل. ولا يمكننا أن نؤسس أي شيء دون الاتكاء على الأصل. لكن الوفاء للجذور لا يعني إطلاقا أن يسجن الروائي نفسه داخلها. الحياة واسعة جدا. وما يتخللها من تجارب يثري ذات الروائي ويزوده بمادة غنية ومتنوعة لارتياد آفاق أخرى في عالم الكتابة اللانهائي. لقد انفتحت رواياتي شيئا فشيئا على عوالم جديدة وسعت من دائرة اهتماماتي ومن مخيلتي أيضا، وغيرت حساسيتي وجعلتني أقارب تيمات ما كنت لأقاربها لو ظللت متمسكا بالجذور.

– البيئة الشعبية، وأحياناً القروية (كما في روايتك «بكارة»)، طُعمٌ أساسي في أعمال الحبيب السالمي، ما السحر الكامن في مجتمعاتنا وشعوبنا العربية؟
+ في كل المجتمعات ولدى كل الشعوب وفي كل العصور أشياء متميزة يمكنها أن تشكل مادة غنية للاشتغال عليها. ثمة حكمة وعمق هما نتيجة تراكم تجارب الحياة. المهم هو كيف يلتقطها الروائي وكيف يوظفها فنيا. أحب كثيرا أن أراقب الناس وهم يتدبرون أمور عيشهم.
أحب أن أتحدث إلى الناس الذين نعتبرهم بسطاء لأسباب زائفة في أغلب الأحيان وما هم ببسطاء في الحقيقة. ولو أصغينا إليهم بانتباه لاكتشفنا فيهم جوانب رائعة ولاستفدنا مما يقولونه. في روايتي الأخيرة «الاشتياق إلى الجارة» تنشأ علاقة عميقة بين أستاذ جامعي ينتمي إلى وسط مشرفه اجتماعيا وامرأة تعمل خادمة في العمارة التي يقيم فيها. في البداية يعاملها بمزيج من التعالي والريبة والحذر، ولكنه يكتشف شيئا فشيئا أن هذه العلاقة مفيدة جدا بالنسبة إليه. بفضل أسئلة هذه المرأة وأفكارها يقوم بعملية مراجعة عميقة لذاته.

– ما أقرب الروايات إلى نفسك؟
+ كل رواياتي قريبة إلى نفسي، لكن ما يمكنني قوله أن كل رواية مرتبطة بفترة معينة من حياتي، وهي بالتالي تعبّر عن هذه الفترة أكثر من الروايات الأخرى.

– كاتب عربي يعيش في باريس، هل هذه المدينة العظيمة، الخالدة، الشاسعة والمختلفة عن كل عواصم العالم تمنحك الإلهام والخيال وسحر الحكي؟
+ نعم. باريس مدينة مدهشة. عندما أتجول في شوارعها أتذكر أسماء الروائيين والشعراء والرسامين والمخرجين السينمائيين والمسرحيين الكبار من كل أنحاء العالم الذين وطؤوا بأقدامهم أرضها. إن مدينة بمثل هذا الثراء والعمق والتميز لا بد أن تمنحك شيئا ما إن كنت بالطبع مهيأ لاستلامه والاستفادة منه والتفاعل معه. لكن كل الأمكنة التي تقيم فيها يمكنها أن تترك أثرا في كتابتك إن أحببتها. وهذا ما حدث لي مع عدد من المدن التونسية تحديدا بل حتى مع بعض القرى التي تعلقت بها في فترة ما في حياتي. لم تستطع باريس أن تنسيني قريتي العلا، مثلا، التي قضيت فيها سبعة عشر عاما من طفولتي. القرية التي استنشقت فيها أول هواء وشاهدت فيها أولى الألوان وسمعت فيها أولى الأصوات. في أغلب رواياتي هناك ما أسميه حركة ذهاب وإياب بين هذين المكانين اللذين يتقاسمان حياتي. لم ينجح أحدهما أبدا في إقصاء الآخر أو تهميشه. وباريس لها في رأيي وجهان. الوجه التنويري الثقافي البارز الذي نجده في كتابات الكثير من الكتاب العرب وفي روايتي «روائح ماري كلير» و«عواطف و زوارها» والوجه الذي أصفه بالرمادي والذي يجسده العرب المهاجرون بكل تلويناته وتنوعه، ويظهر خصوصا في روايتي «حفر دافئة» و«الاشتياق إلى الجارة».

– اختلطت الأصوات والنصوص في الرواية العربية في السنوات الأخيرة، خصوصاً عند الروائيين الشباب، ما ملاحظاتك عن هذه الروايات؟ هل من نصائح تسديها؟
ج: لا نصائح لدي للكتاب الشباب، لم أؤمن أبدا بالنصائح. وإن كان لا بد من نصائح، فعلى الكاتب أن يجدها بنفسه. الكتابة عملية معقدة وغامضة وخصوصا ذاتية جدا. وهي شديدة الصلة بالتركيبة النفسية للذات الكاتبة وللمزاج الشخصي. فما هو جيد ومفيد لي قد لا يكون مفيدا للآخر. ثم أنا لا أؤمن بكاتب شاب وكاتب غير شاب. هناك كاتب أو لا كاتب. هذا كل ما في الأمر. طبعا هناك ما يسمى التجربة. ولكن هذه التجربة ليست مرتبطة بالعمر إذا تعلق الأمر بالكتابة. لا قواعد في الكتابة، وحتى إن افترضنا أن هناك قواعد فهي متغيرة باستمرار وغير ثابتة وتختلف من كاتب إلى آخر. والدليل على ما أقول أن هناك كتابا كتبوا أعمق نصوصهم في مرحلة شبابهم. ألبير كامو، مثلا، كتب رائعته «الغريب» وهو شاب. في بعض الأحيان يتصل بي كتاب من تونس ومن غيرها من البلدان العربية ويطلبون مني نصائح، وعندما أقول لهم ما ذكرته الآن ينزعجون ويتصورون أني أرفض مساعدتهم، وهذا غير صحيح بالطبع. الكاتب الحقيقي لا يستمع إلا إلى صوته الداخلي. صوته الداخلي هو بوصلته. إنه يشق طريقه وحده تماما مثل النهر.

– هل أنت راضٍ عن مواكبة النقد العربي لأعمالك الروائية؟
+ حاليا النقد العربي يمر بمرحلة صعبة، بل يمكن القول إنه اختفى أو كاد. لا أعرف ما أسباب ذلك. ومن حسن حظي وحظ الروائيين الذين هم من جيلي أن الكثير من أعمالنا الروائية صدرت في فترة كان فيها النقد حاضرا. شخصيا يمكنني أن أقول إني راض، فقد كتب عني عدد لا بأس به من النقاد العرب الكبار، محمد برادة، فيصل دراج، توفيق بكار، يمنى العيد، صلاح فضل…

– غالبا ما ينتقل الروائيون من ناشر إلى آخر. للحبيب السالمي ناشر واحد هو دار الآداب، بعد المؤسسة العربية للدراسات والنشر في البدايات..
+ علاقي بناشري دار الآداب في بيروت علاقة تقوم على الاحترام المتبادل، وهي قديمة بدأت مع مؤسس الدار الأستاذ سهيل إدريس، وهي مستمرة مع مديرة الدار حاليا الأستاذة رنا إدريس. لا أرى أي داع لتغيير الناشر إذا كان كل شيء على ما يرام. حتى الترجمات الفرنسية لرواياتي، وهي سبع، صدرت كلها عن ناشر باريسي واحد، وهو دار «أكت سود» المعروفة. صدرت لي أيضا ثلاث روايات مترجمة للألمانية عن الدار نفسها، وهي «لينوس» التي صدرت عنها روايات عربية كثيرة لروائيين عرب معروفين، مثل الطيب صالح ومحمد البساطي وصنع الله إبراهيم.

– ماذا عن الجوائز العربية في جنس الرواية؟ خصوصا وأنك فزت بواحدة وكنت مرشحا قويا في أخرى.
+ أعتقد أن العرب يولون الجوائز اهتماما أكثر مما تستحق، وربما يعود هذا إلى أوضاعهم المادية التي هي في العموم ليست جيدة بسبب غياب القراء. الجوائز موجودة في كل بلدان العالم. شخصيا وصلت ثلاث مرات إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر («روائح ماري كلير» عام 2009 و«نساء البساتين» عام 2012 و«الاشتياق إلى الجارة» عام 2021) ولم أفز بها، لكن لم أشتك أبدا ولم أنتقد أعضاء لجنة التحكيم. لماذا؟ لأني أرى أن الكاتب حين يوافق على الترشح لجائزة فهذا يعني أنه يحترم هذه الجائزة، وبالتالي لا يجوز أخلاقيا أن يشكك في نزاهتها حتى وإن منحت لكاتب يرى أنه لا يستحقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى