شوف تشوف

الرأي

حمامات إيفانكا وجاريد

أرنست خوري

مَن تقتصر مشكلته مع دونالد ترامب وصحبه على الجانب السياسي الصرف، يكون فهمه للدنيا وما فيها منقوصا. فمن لم يقشعر بدنه طيلة السنوات الماضية من كل ما هو «شخصي» في الرجل، من قلة أخلاقه، ومن طريقة كلامه وعجرفته وغروره وخبثه الذي لا يجهد في إخفائه، وتباهيه بجهله، يكون قد فاته الأهم عن «ظاهرة» هذه العائلة. الفهم القاصر يطاول أيضا من لم ير في الصهر، جاريد كوشنير، صورة الولد الذي دُلع حتى فسد. شاب قال له أهله الأثرياء ذات يوم إنه عبقري زمانه، فصدق وهندس حياته على هذا الأساس. أما الابنة إيفانكا، فصارت معروفة المعلومات حول عظمة هواياتها الفكرية، بين حقائب اليد والأزياء والفساتين والأحذية. الشخصي هنا يستحيل فصله عن السياسي. فللأخلاق، بمعناها الإنساني، حيز واسع في الممارسة العامة. هذا أكيد ولا تفعل قصة الحمامات الستة لمنزل إيفانكا وزوجها جاريد سوى الإيغال في تأكيده. القصة كشفتها صحيفة «واشنطن بوست»، قبل أيام. هي لا تعني هواة القضايا الكبرى، إذ لا سياسة فيها. هي عن قلة تربية وتهذيب واحترام، واحتقار للناس الأدنى رتبة في التصنيف الاجتماعي. مساحة القصة الصحافية ألفا كلمة تقريبا. ساحتها منطقة كالوراما، أرقى أحياء العاصمة واشنطن. هناك يقطن الثنائي منذ 2017 في منزل مساحته 500 متر مربع تقريبا، إلى جوار مئات «النجوم» من رؤساء ووزراء سابقين ومقار أبرز السفارات الأجنبية وكبار أثرياء أمريكا والعالم، منهم جيف بيزوس، مالك الصحيفة التي نشرت التحقيق الاستقصائي.
في منزل الثنائي كوشنير ستة حمامات، استخدامها محظور على المرافقين الأمنيين الكثر للشاب وزوجته وأولادهما الثلاثة، ممن يحرسونهم على مدار الساعة.. ظل الحراس يستخدمون أحد حمامات منزل باراك أوباما القريب جدا من بيت كوشنير، وحماما في منزل نائب الرئيس مايك بنس (البعيد حوالي 1.6 كيلومتر)، وأحيانا يلجؤون إلى أحد المطاعم المجاورة، حتى أنه تم جلب حمام متنقل لهم لم يطل وجوده، لأن سكان الحي المخملي أزعجهم منظره وسط جنتهم. ظلت الإهانة اليومية على هذا الحال، إلى أن استأجرت الحكومة شقة صغيرة للحراس قريبة من منزل آل كوشنير، مقابل 3 آلاف دولار شهريا، فقط لكي يتمكنوا من الاستحمام وقضاء حاجتهم. ومنذ شتنبر 2017 حتى شتنبر المقبل، موعد انتهاء عقد الإيجار، سيكون المكلفون بالضرائب في أمريكا قد دفعوا 144 ألف دولار، فقط كي لا يتعكر خاطر السيدة والسيد وأحد حماماتهما الستة. والحكومة الأمريكية معتادة على تكاليف من هذا النوع، فقد دفعت للفنادق التي يملكها أبناء ترامب بالإنابة عن والدهم (إيفانكا وإريك ودونالد جونيور)، 238 ألف دولار على الأقل بدل إقامة حراسهم في فنادق تابعة لـ«شركة ترامب»، خلال زيارات قاموا بها لوالدهم خارج البيت الأبيض، بحسب ما كشفته «واشنطن بوست» أيضا في أكتوبر الماضي. انتهت حكاية دورة المياه، وقصة إقامة الثنائي في واشنطن مرشحة للانتهاء قريبا، وقد اشتريا قطعة أرض بقيمة 30 مليون دولار بإحدى جزر فلوريدا، التي ستكون مقر إقامة ترامب الأب والعشيرة على ما يبدو.
القصة لا تنتمي إلى قاموس النميمة الصحافية. هي سياسية جدا في إتاحة فهم (متأخر) للتركيبة النفسية الأخلاقية لرجل مثل كوشنير، كلف نفسه وكلف بأخطر قضايا العالم وأكثرها تعقيدا وحاجة إلى مؤهلات إنسانية وأخلاقية. فهم نفسي سياسي متأخر لسيدة ظنت أن وظيفة مستشارة لرئيس أقوى بلد في العالم، هي حفلة علاقات عامة تسرق فيها إعجاب أصحاب قرار، فينال والدها – رئيسها العقود والتوقيعات. نافذة:
منذ شتنبر 2017 حتى شتنبر المقبل، موعد انتهاء عقد الإيجار، سيكون المكلفون بالضرائب في أمريكا قد دفعوا 144 ألف دولار، فقط كي لا يتعكر خاطر السيدة والسيد وأحد حماماتهما الستة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى