حل معضلة الهجرة
اجتمع عدد من قادة العالم ومندوبي 150 دولة، على مدى اليومين الماضيين، بمدينة مراكش في مؤتمر حكومي دولي نظمته الأمم المتحدة من أجل اعتماد اتفاق شامل ومفصل يهدف إلى جعل الهجرة الدولية أكثر أمنا وكرامة للجميع، عبر ميثاق غير ملزم بعنوان «الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية».
أن يختار المجتمع الدولي مراكش قبلة للتوقيع على ميثاق أممي تاريخي رغم بعض «البوليميك» الشعبوي الذي رافق عقد الاجتماع، فإن الأمر لا يخلو من دلالة تجعل من بلدنا رقما أساسيا في إيجاد الحل للمعضلة الأولى على الأجندة العالمية، والتي تهم 250 مليون مهاجر بسبب الحروب والنزاعات والفقر والحاجة والتهميش.
لقد كانت رسالة الملك محمد السادس، خلال افتتاح المؤتمر، واضحة وصريحة وتختزل في طياتها الكثير من النقد اللاذع للمقاربات الشعبوية والإقصائية التي دفعت عشر دول إلى الانسحاب من الاتفاق، في انتظار ست أخرى تعرف صعودا قويا للتيارات المتطرفة لسبب محبط، فالناخبون في الدول المستقبلة يعارضون الهجرة بشكل متزايد، ولا يعتقدون أن الأحزاب التقليدية تستطيع الحد منها وحولوا انتخاباتهم إلى استفتاء تجاه الهجرة كسبت فيها الأيديولوجية الشعبوية اليمينية رقعا كبيرة.
لذلك، دق الملك، الذي تعاني مملكته من ويلات الهجرة عبورا واستقرارا، ناقوس الخطر من محاولات الكثير من التوجهات اليمينية المتطرفة التي وصلت للسلطة، إفراغ الهجرة من طابعها التضامني والتعددي الذي يتطلب مسؤولية جماعية من أجل وقف نزيفها، وملئها بالمواقف السياسية المتطرفة، وجعلها فزاعة أمنية يتم اللجوء إليها عند الضرورة لإثارة الرعب داخل المجتمعات المستقبلة للمهاجرين ولو بالطرق المشروعة. مثل هاته الخيارات، وفق القناعة الملكية، لن يكون لها أي تأثير رادع، بل سـتودي إلى نتيجة عكسية، حيث ستغير مسارات حركات الهجرة، ولكنها لن توقفها.
الحل كما يقترحه الملك ليس هو ترك الحركات اليمينية الشعبوية تتلاعب بمهارة بمخاوف الناخبين من تدفق الهجرة، مرة تحت ذريعة حماية القيم الوطنية أو المسيحية أو الرفاه الاجتماعي، وإجبار دول العبور على إنشاء ملاجئ ومراكز الإيواء، كما يطالبنا بذلك الاتحاد الأوربي، بل إن التحدي يكمن في تغليب منطق الوحدة على الشعبوية، والانفتاح على الانغلاق والمسؤولية المشتركة ضد اللامبالاة والسياسة التضامنية في مواجهة القومية الإقصائية، وقبل ذلك كله هو تقديم الدول الغنية لحلول تنفذ في المنبع تقف دون التفكير في الهجرة التي تبقى في نهاية الأمر قدرا لا بد منه وليس خيارا.