حلف لم نسمع به
ثمة لغط يبعث على الحيرة والقلق في شأن العلاقات المصرية الإسرائيلية، التي تشير قرائن عدة إلى أنها باتت تحتاج إلى تحرير يوضح خطوطها الصفراء والحمراء. ولست أخفي أن تلك الحيرة انتابتني حين صوتت مصر لأول مرة في تاريخها لصالح ضم إسرائيل لعضوية إحدى لجان الأمم المتحدة في شهر أكتوبر من العام الماضي. ولم أقتنع بالتبريرات التي ذكرت آنذاك، والتي كان منها أن ما حدث كان نتيجة التباس وخطأ في تلقي التعليمات. وكنت قد سمعت ذلك من أحد المراجع ذات الصلة بدوائر القرار في مصر. تجددت عندي تلك الحيرة المشوبة بالقلق بعدما وقعت على مقال افتتاحي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم الخميس الماضى، كتبه صحفي إسرائيلي مهم هو أليكس فيشمان المحلل العسكري المعروف بصلاته الوثيقة بأركان السلطة وأجهزة الأمن. إذ ذكر الرجل في مقاله أن هناك تحالفا أمنيا اقتصاديا نسج في الخفاء على أساس «استراتيجي صلب» يضم كلا من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، وبشكل غير مباشر الأردن. وهو ما أطلق عليه وصف «حلف دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط»، (تركيا مستبعدة منه لأسباب مفهومة)، أشار الكاتب إلى أن رئيس وزراء اليونان أليكس سفراس وبعض وزرائه وصلوا إلى إسرائيل يوم الأربعاء (27 يناير) للمرة الثانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، للتباحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول التعاون الأمني بين البلدين في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى التعاون في مجال الطاقة الاقتصادية ــ ذكر فيشمان أيضا أن الأتراك «قلقون» من محور البحر المتوسط الجديد بسبب إمكانية عزلهم، «ليس فقط عسكريا بل واقتصاديا أيضا» مشيرا إلى أن إسرائيل متمسكة بعلاقتها مع اليونان على حساب الأتراك، ومشددا على أن مصر تنظر «بعين الاشتباه» إلى كل تقارب إسرائيلي مع تركيا التي وصفها بأنها «منبوذة»، وأكد في هذا الصدد أن مصر من وجهة النظر الإسرائيلية تعد «مرسى استراتيجيا ثانيا في الأهمية بعد الولايات المتحدة».
هذا الحلف الذي تحدث عنه المحرر العسكري الإسرائيلي لم نسمع به من قبل ولا أريد أن أصدق وقوعه، ولفت نظري أن الموضوع على أهميته قوبل بصمت من جانب القاهرة، فلا هو صوب أو كذب، على الأقل خلال الأيام الأربعة التي أعقبت النشر، وهو ما يفتح الباب للتأويل والبلبلة والذهاب بعيدا في إساءة الظن.
يسهم في البلبلة أن اليونان وقبرص تقومان بدور مشبوه لصالح إسرائيل في الساحة الأوروبية، وحسبما ذكرت التقارير الإسرائيلية فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعتمد عليهما في مساعيه لتخفيف العقوبات التي كان يفترض أن يقررها وزراء خارجية الاتحاد الأوربي بخصوص تمييز منتجات المستوطنات في الأسواق الأوروبية بسبب عدم اعتراف القانون الدولي بشرعيتها. وقد أدان المجلس المركزي الأرثوذوكسي في فلسطين هذا الأسبوع سياسة الحكومتين اليونانية والقبرصية المنحازة لإسرائيل. وأصدر المجلس يوم الجمعة الماضي بيانا ذكر البلدين بما تمارسه حكومة إسرائيل من تعسف وبطش ضد المسيحيين وعموم الشعب الفلسطيني. وانتقد البيان زيارات المسؤولين اليونانيين والقبارصة لإسرائيل مشيرا إلى أن المجلس الأرثوذوكسي «ينظر باستغراب شديد إلى هذا التحول في المواقف السياسية والاقتصادية من جانب الحكومتين الصديقتين، الذي سيؤثر بصورة سلبية على حقوقنا الوطنية والسياسية والاقتصادية».
أشار التقرير الذي نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية عن الموضوع يوم السبت 30 يناير إلى أن الأرثوذوكس يشكلون الغالبية العظمى من مسيحيي فلسطين ويتبعون الكنيسة اليونانية. كما أن الكنيسة الأرثوذوكسية تمتلك 15 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية. وتقع بعض أملاكها في مواقع حساسة مثل القدس القديمة التي تمتلك الكنيسة الجزء الأكبر منها.
ذكر التقرير أيضا أن دير مار يوحنا الذي يقع في قلب مدينة القدس والمجاور لكنيسة القيامة مغتصب من قبل المستوطنين الصهاينة ولم يبذل أي جهد لاسترداده. ونقل عن بيان المجلس المركزي الأرثوذوكسي أمله في أن تؤيد الحكومتان الصديقتان «نضالنا ضد تسريب وتهويد العقارات والأوقاف والإرث التاريخي الأرثوذوكسي.. الأمر الذي يسهم في هجرة أبنائنا العرب المسيحيين عموما والأرثوذوكس خصوصا، مما يسهم في إفراغ الوطن من مكون أساسي من مكوناته».
تطول قائمة الأسئلة الحائرة والقلقة، بحيث تتجاوز مسألة الحلف الذي تحدث عنه المحلل العسكري أليكس فيشمان، لتشمل طبيعة وآفاق التعاون القائم بين مصر من جانب واليونان وقبرص من جانب آخر. وأرجو ألا تطول حيرتنا بحيث نظل فريسة للبلبلة والشكوك.