حق المرأة المطلقة في نصيبها من الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية
قراءة في ضوء العمل القضائي
أنس سعدون
يؤكد الواقع المعاش أن المرأة المغربية على غرار باقي نساء العالم تساهم في تكوين ممتلكات الأسرة المكتسبة بعد الزواج، سواء من خلال دخلها نظير عملها بخارج البيت، أو بداخل بيتها، من خلال الإشراف على شؤون المنزل وتربية الأبناء والسهر على راحة الزوج.
لكن في حالات كثيرة تسقط المرأة ضحية الثقة العمياء التي تضعها في زوجها، الذي قد يتملك كل تلك الموارد، وفي حالة وجود نزاع ووصول العلاقة الزوجية إلى الطلاق أو التطليق، تخرج خالية الوفاض، ولا تستفيد مما تعبت وكدت وشقت في تكوينه وتنميته خلال سنوات عديدة من عمرها، وهو ما يتنافى مع أبسط مبادئ العدل والإنصاف.
إشكالية الأموال المشتركة أثناء قيام العلاقة الزوجية بين مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة
لم تتضمن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أي مقتضيات تتعلق بتنظيم الأموال المكتسبة بين الزوجين، أثناء قيام العلاقة الزوجية، ومصيرها في حالة انتهاء هذه العلاقة، باستثناء ما نص عليه الفصل 39 منها الذي أكد على أنه: «إذا اختلف الزوجان في متاع البيت ولا بينة لهما، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء وإن كان من البضائع التجارية فهو لمن يتعاطى التجارة منهما ببينة، أما في المعتاد للرجال والنساء فيحلف كل منهما ويقتسمانه».
وكما هو واضح، فإن هذا النص يقتصر على تنظيم النزاعات البسيطة التي تثار بين الزوجين حول الشوار ومتاع البيت، ولا يرقى إلى تنظيم المشاكل المتعلقة بالأموال المكتسبة، والتي تتميز بكونها معقدة وتحتاج إلى كثير من التنظيم والتدقيق، خاصة وأن ما تساهم به الزوجة في تكوين ثروة الأسرة قد يتجاوز ما تحمله معها إلى بيت الزوجية من هدايا وأمتعة، وإنما يشمل أيضا أموالا وعقارات تحتاج إلى تنظيم قانوني، يكفل الحفاظ على نصيب كل واحد من الزوجين بقدر مساهمته في تنمية هذا المال.
وحاولت مدونة الأسرة تجاوز هذا النقص من خلال المادة 49 منها، التي أقرت مبدأ عاما مفاده أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة، وبذلك فالمرأة المتزوجة كاملة الأهلية في التصرف في أموالها بجميع أنواع التصرفات بعوض أو بدون عوض.
لكن المادة 49 نفسها أجازت للزوجين الاتفاق على تدبير الأموال التي سيكتسبانها أثناء قيام العلاقة الزوجية، وأوجبت أن يضمن هذا الاتفاق في عقد مستقل عن عقد الزواج.
أما في حالة غياب هذا الاتفاق فيلجأ إلى القواعد العامة للإثبات، حيث تراعي المحكمة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.
الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية في ضوء العمل القضائي
جاء في قرار لمحكمة النقض يحمل عدد 68 في الملف الشرعي عدد 723 /2/1/2012، صادر بتاريخ 28 يناير 2014: «المقرر قانونا أن الاشتراك نوعان: الشياع أو شبه الشركة، والشركة العقدية، والشياع ينشأ اختيارا أو اضطرارا حسب الفصل 959 من قانون الالتزامات والعقود وما يليه، والاشتراك المدعى من الزوجة لم ينشأ عن أي من ذاك وإنما نشأ حسب الادعاء في إطار الزواج وبمناسبته، باعتبار أن الأصل هو أن لكل واحد من الزوجين ذمة مستقلة عن الآخر، وبالتالي فإن أي مطالبة بمال مشترك بمناسبة الزواج تقع تحت طائلة المادة 49 من مدونة الأسرة، بخلاف ما ذهب إليه القرار المطعون فيه».
وجاء في قرار آخر يحمل عدد 566، في ملف شرعي عدد 28/2/2007، صادر بتاريخ 3 دجنبر 2008: «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه، ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 49 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة. والثابت من أوراق الملف أن الطاعن أدلى بنسخة من عقد شراء شقة في اسم المطلوبة المؤرخ في 9 شتنبر 1987، ورد في الفصل التاسع منه اتفاق الطاعن والمطلوبة على أدائه باقي ثمن شراء هذه الشقة البالغ 185.000 درهم بواسطة قرض اقترضه الطاعن شخصيا من «مصرف المغرب»، بعدما قدمت المطلوبة مقابل هذا الشراء تسبيقا قدره 65.000 درهم، كما أدلى بالوثيقة المؤرخة في 06 يناير 1988 الصادرة عن «مصرف المغرب»، والتي تثبت موافقته على منح القرض المذكور للعارض وبمجموعة من الكشوفات الحسابية، تثبت الاقتطاعات الشهرية من حسابه المفتوح لدى البنك المغربي للتجارة والصناعة والبالغة 8101.39 درهما شهريا والمتعلقة بتسديد باقي ثمن شراء الأرض العارية ذات الرسم العقاري عدد 3184/33 البالغ 145.750 درهما، بعدما أدت المطلوبة تسبيقا ماليا لشراء هذه الأرض منحصرا في مبلغ 31.000 درهم. كما أن المطلوبة نفسها أقرت في مذكرتها المؤرخة في 15 فبراير 2006 المدلى بها في جلسة 20 فبراير 2006 بأن القروض البنكية التي يتمسك بها الطاعن، والتي يزعم بأنه ساهم بها في اقتناء العقارين المذكورين كانت تؤديها من مالها الخاص، وأن دور الطاعن ساهم بها في اقتناء العقارين المذكورين كانت تؤديها من مالها الخاص، وأن دور الطاعن كان ينحصر في استعمال حسابه البنكي لا غير، والمحكمة لما عللت قرارها بأن ما تمسك به الطاعن من أداء ديون في شكل أقساط لاقتناء قطعة أرضية وشقة بواسطة حساب بنكي في اسمه لا ينهض حجة كافية للقول إن هناك اتفاقا لتدبير الأموال بينهما أو إنه قدم مجهودات أو تحمل عبئا لتنمية أموال الأسرة، دون أن تقوم بإجراء بحث أو إجراء خبرة للتحقيق مما إذا كانت المبالغ المالية التي كانت تقتطع من حساب الطاعن من قبل المطلوبة، وإذ هي لم تفعل تكون قد خرقت مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة وعرضت بذلك قرارها للنقض».
وجاء في حكم للمحكمة الابتدائية بفاس يحمل عدد 346 صادر بتاريخ 19 يناير2009 في الملف 1684/2/8: «بالنسبة للطلب المتعلق باستحقاق جزء من الثروة المكتسبة أثناء فترة الزواج:
حيث إنه طبقا للمادة 49 من مدونة الأسرة فإن لكل واحد…
وحيث إنه في نازلة الحال فإن العلاقة الزوجية بين الطرفين نشأت دون وجود اتفاق على تدبير الأموال، التي ستكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، لذلك فإن مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 49 من مدونة الأسرة هي الواجبة الإعمال.
وحيث إن العقار موضوع الرسم العقاري عدد.. اكتسبه المدعي الفرعي عن طريق الهبة دون أن يبذل فيه أي واحد من الزوجين أي مجهود أو كد أو عمل، لذلك فإن هذا العقار بحكم وجه مدخله إلى الذمة المالية لا يخضع للقسمة والمطالبة بالنصيب، مقابل الكد والسعاية التي تخضع لها الأموال التي نماها الزوجان بفضل جهدهما وكدهما وشقايتهما، وحيث إن المدعي الفرعي بعدما تملك العقار موضوع الدعوى عن طريق الهبة أقدم على بيعه إلى زوجته مقابل ثمن قدره 200 ألف درهم، حسب الثابت من صورة عقد البيع المنجز لدى الموثق.. مما يكون معه المدعي الفرعي قد حصل على مجموع قيمة ذلك العقار نقدا وأبرأ ذمة المدعى عليها فرعيا؛
وحيث إن مطالبة المدعي الفرعي بنصيب من العقار الذي تملكته منه المدعى عليها فرعيا عن طريق الشراء، بعدما أخذ مقابله ثمنا، يبقى طلبا غير مؤسس باعتبار أن وجه مدخل ذلك العقار إلى ذمة الزوجة هو الشراء من الزوج نفسه الذي حاز جميع ثمن ذلك العقار، ولا يمكن التسليم له بحقه في أخذ ثمن العقار ثم العودة للمطالبة بنصيب منه، بناء على ما قدمه من مجهودات لتنفيذ ذلك المال، لأن ذلك العقار لم تتملكه المدعى عليها فرعيا بجهد المدعي الفرعي وكده وشقائه، وإنما دفعت مقابله ثمنا من مالها الخاص، وهو الثمن الذي حازه المدعي الفرعي، حسب الثابت من وثائق الملف، وصورة عقد البيع المدلى بها، ويبقى ما أثاره المدعي الفرعي بخصوص صورية الثمن غير منتج في الدعوى، طالما أن العقد الرسمي المنجز لدى الموثق يشهد بوقوع الأداء والإبراء من الثمن بإقرار المدعي الفرعي بنفسه، الأمر الذي يتعين معه ترتيبا على ذلك رفض دعوى المدعي الفرعي».
ونورد، أخيرا، حيثيات حكم صادر عن ابتدائية الجديدة، قضى بتمكين الزوجة من نصيب من الأموال المكتسبة أثناء فترة العلاقة الزوجية، طبقا للمادة 49 من مدونة الأسرة، معللا ذلك بأن المدعى عليه لم يكن يملك أي عقار قبل الزواج، وإنما اكتسب ذلك خلال فترة الزوجية، بفضل جهد المدعية ومساهمتها وتحملها أعباء البيت وتربية الأبناء والعناية بهم إلى أن أصبح البعض منهم قادرا على الكسب، الشيء الذي وفر الوقت والجهد للزوج لجمع الأموال واستثمارها خلال مدة 32 سنة من الزواج، ناهيك عن مساهمتها المادية في تنمية أموال الأسرة، من خلال ممارسة التجارة ودفع مبالغ مالية تمثلت في فواتير تحمل اسمها من قبل شراء لوازم البناء.
وإن قواعد العدل والإنصاف تقتضي ترميم ما لحق بالمدعية من أضرار، خاصة بعد مبادرة المدعى عليه إلى طلاقها، والحكم بأحقيتها في الحصول على نصيب من أموال الأسرة المكتسبة خلال فترة الزوجية. (حكم صادر عن ابتدائية الجديدة في ملف عدد 154/05 بتاريخ 6 يونيو2007، تم تأييده استئنافيا بموجب قرار 245 ملف 495/07 الصادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة).