حقيقة نهاية حقبة العرب
مروان قبلان
تعج وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الغربية هذه الأيام بمقالات ودراسات تناقش ما اتفق أصحابها على تسميتها نهاية «الحقبة العربية» بمنطقة الشرق الأوسط، مقابل صعود أدوار القوى غير العربية (إيران، تركيا، إسرائيل). ويذهب بعضهم، كما الأمريكي من أصل إيراني، والي نصر، إلى القول إن الصراع الرئيس لم يعد كما كان سابقا بين مشروعين، عربي وإسرائيلي (غربي)، بل غدا بين ثلاثة مشاريع: تركي وإيراني وإسرائيلي، تتنافس السيادة على المنطقة الممتدة من وسط آسيا إلى قلب إفريقيا العربية. أما العالم العربي فقد أصبح، في غياب مشروع خاص به ودولة مركزية تقوده، ضعيفا، ومنقسما في تفضيلاته وتحالفاته بين هذه القوى. لا جديد في هذا الكلام، ولا يثير أي اهتمام لولا ترديده ونشره، بطريقة احتفالية، وكأنه إضافة فكرية عظيمة.
لا بد من التذكير أنه قبل عقود فقط، لم يكن ممكنا تخيل منطقة الشرق الأوسط أو الحديث عنها بدون إعطاء العرب الذين احتلوا مكانة القلب فيها، ما يستحقون من اهتمام، فيما كانت القوى الأخرى (إيران وتركيا وإسرائيل) ملحقة بالمشاريع الغربية، وتلعب أدوارا هامشية. وحدهم العرب تصدوا للسياسات الغربية بالمنطقة، خلال الحرب الباردة، ووقع على عاتقهم مواجهتها، بوزنهم الديموغرافي الكبير ورقعتهم الجغرافية الممتدة، وموقعهم المركزي بمنظومة العالم الثالث، وامتلاكهم مصادر الطاقة بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي. بل تمكن العرب، في منعطفين تاريخيين، من فرض إرادتهم على الغرب (1956 و1973). ولم يقل دور مصر وأهميتها في الخمسينات والستينات عن دور الصين وأهمية الهند، وكانت بالتأكيد أعظم أثرا من أي قوة متوسطة الحجم في العالم. ظل الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، يخطب ود جمال عبد الناصر، حتى آخر يوم من ولايته. وظل وزير خارجيته، جون فوستر دالاس، يردد أنه لا يمكن هزيمة الاتحاد السوفياتي بدون مساندة العرب، الذين يحملون الإسلام باعتباره نقيض الشيوعية ويملكون النفط. وبالفعل هزم الاتحاد السوفياتي بالإسلام في أفغانستان، وبالنفط الذي دفعت السعودية أسعاره إلى الانهيار بمنتصف الثمانينات.
صارت تلك الأيام من الماضي، فلا يفتقد العرب اليوم إلى مشروعهم الخاص فحسب، بل صارت حواضرهم ساحة صراع لمشاريع الآخرين، فانتهت أدوار الحواضر العربية الكبرى، من بغداد إلى دمشق والقاهرة، وبينهما بيروت بألقها الفكري والثقافي. ليست منطقة الخليج العربية أفضل حالا، فاللحظة الخليجية التي احتفى بعض المثقفين الخليجيين ببلوغها، مع انتقال مركز الثقل في السياسة العربية إلى منطقة الخليج، بعد سقوط العراق وسوريا وانكفاء مصر، جاءت أقصر كثيرا مما تخيل أصحابها، فالخليج، كما تدل التطورات الجارية على ساحته اليوم، عاجز عن التصدي بمفرده للتحديات التي تواجهه، ويدفع فاتورة غياب دول المشرق العربي عن موازين القوى الإقليمية، واستفراد إيران به.
عدم تقدير نخب الحكم العربية أهمية التضامن العربي، وغياب إرادة الفعل لديها خارج إطار الحفاظ على كرسي الحكم، وعدم إدراكها أهمية الاستقواء بشعوبها، وبالطاقات التي تملكها، هي العوامل الرئيسة في تهميش أدوارها، فالعرب لا يفتقرون إلى مقومات قوة حقيقية، بل إلى الإيمان بها وبأنفسهم، فاقتصادات دول الخليج وحدها مثلا تبلغ نحو 1,65 تريليون دولار، أي أنها أكبر من اقتصادات تركيا (761 مليار دولار) وإيران (445 مليارا) وإسرائيل (394 مليارا) مجتمعة. وتنفق على التسلح ضعفي ما تنفقه الدول الثلاث، وهي قادرة، إذا اختارت مصر الاضطلاع بدورها التاريخي في المشرق العربي، على إعادة بناء النظام الإقليمي العربي، ومساعدة سوريا والعراق على النهوض من جديد. إذا حصل هذا تصبح أطروحة «نهاية العرب» مثل أطروحة «نهاية التاريخ»، بائسة، مصيرها سلة المهملات.