حقيقة امتلاك زوجة جنرال لأقوى شركة إعلانات في الجزائر
يونس جنوحي
الاستثمار في الجزائر كان موضوعا محرما. يقول هشام عبود: «عندما يريد مواطن أن يستثمر في الجزائر، في قطاع السياحة مثلا، حتى لو كان لديه أفضل ملف في العالم وأقوى الضمانات للنجاح، فإنه يتعين عليه أولا المرور بآلة بيروقراطية الإدارة».
تحضير الوثائق والمرور عبر دوامة من الإجراءات وطلبات الشواهد والرخص والتصاريح إلى أن يفقد المستثمر الأمل، جزائريا كان أم أجنبيا، ويغادر. لم يكن الجنرالات يحبون المنافسة.
بالإضافة إلى جثامين الحقوقيين والإسلاميين واليساريين، كانت هناك أيضا جثامين رجال الأعمال. أريقت دماؤهم على يد العسكريين لكي يكونوا عبرة للذين أرادوا إما محاسبة الجنرالات أو منافستهم.
غابة..
عبارة واحدة تليق بالسوق الجزائري في عهد هؤلاء الجنرالات الأقوياء. لا وجود لأي قانون تجاري أو إداري أو معايير للمنافسة. كان الأمر يتعلق بـ«غابة» متوحشة. ولشرح هذه النقطة أكثر، يسرد هشام عبود، هنا، قصة المجموعة الإعلامية الضخمة «سيتراكوم»، قائلا: «المجموعة الإعلامية «سيتراكوم»، مثلا، مسجلة في اسم سيدة اسمها عائشة بايا كديدي. من تكون هذه السيدة الشجاعة التي تسير شركة توزيع، ومجموعة إعلامية تمتلك عنوانين بارزين في الصحافة ومساهمة في عناوين أخرى؟ إنها غير معروفة نهائيا في عالم الأعمال والإعلام. بل إن الرجل البنكي المكلف بأموالها لم يقابلها قط. إنها ببساطة زوجة الجنرال بتشين».
هذه الحقيقة الصادمة توضح كيف أن الجنرال بتشين، باعتباره أحد أقوى هؤلاء الجنرالات وأكثرهم نفوذا، مرر مشاريع باسم زوجته. كيف يعقل أن يمتلك جنرال في الجيش، يشرف على أعقد العمليات الأمنية والمخابراتية في فترة حرجة، على أقوى المنابر الإعلامية في البلاد، بل ويسرق سوق الإشهار من المستثمرين.
بل إن هذا الجنرال بتشين يمتلك أحد أهم معامل «السيراميك» في الجزائر، والتي تعتبر أقوى متحكم في سوق استخراج هذه المادة وتسويقها، وقام بتسجيل أسهم الشركة ووثائقها باسم زوجته وأبنائه.
لم يكن سهلا الحصول على مثل هذه المعلومة من أي إدارة أو وزارة في الجزائر. إذ إن الجنرالات كانوا حريصين على الخصوصية. والدليل ألا أحد كان يعلم أن ملكية إحدى كبريات شركات الإشهار والإعلام في الجزائر كانت باسم زوجة الجنرال بتشين. كيف حصل هشام عبود إذن على هذه المعلومات؟ يجب ألا ننسى أنه كان يعمل في ديوان الجنرال بتشين. هناك، كان عبود يرى وثائق خاصة بالجنرال ويشرف على مكتبه حيث الأسرار الأمنية والعسكرية وحتى العائلية، كلها تمر من فوق نفس الطاولة.
إقطاعيون
الجنرالات في الجزائر لم يُخلقوا لخوض الحروب، وإنما للسيطرة على أموال الجزائريين في الداخل والخارج. كل ما كان يجمع الجنرالات بالسلاح في الجزائر، أمواله فقط. إذ إن أنشطة تمويل البوليساريو والتهريب وبيع السلاح للجماعات الإرهابية داخل الجزائر خلال العُشرية السوداء، كانت الأنشطة الأبرز للجنرالات لكي يراكموا الأموال. أما تقوية صفوف وزارة الدفاع الجزائرية، فلم تكن نهائيا من أولوياتهم.
إذ كيف سيتفرغ أحد الجنرالات الأقوياء لمنصبه وهو منشغل بتسيير مشاريع ضخمة في قطاعات حساسة مثل العقار والسياحة والإعلام والاستثمار الخارجي؟
يقول هشام عبود إن الجنرال بتشين لم يكن الوحيد الذي مارس تلك الأعمال، وإنما كان واحدا فقط من الجنرالات الذين تفوقوا في هذا المجال. إذ إن الجنرالات، حسب عبود دائما، دخلوا مجالات عدة بشركات وهمية وأسماء غير حقيقية ولم يكونوا يحتاجون إلى وثائق إدارية أو إثبات للتمويل أو الضرائب، فقد كان نفوذهم يسري على جميع إدارات البلاد. والنتيجة كانت وجود شركات كثيرة في الجزائر مسجلة بأسماء غير حقيقية أو أسماء موجودة فعلا، لكن على الورق فقط.