سليمان جودة
عشنا نعرف أن الحرب خُدعة، ولم نكن نعرف أنها تحولت إلى فُرجة، وقد كان هذا ما جلسنا نتابعه على الشاشات في ليلة عبثية! الحرب خدعة لأن الذي يريد أن يحارب لا يقول إنه سيحارب، ولكنه يخفي ذلك عن كل الناس بلا استثناء، بل إنه ينشر حوله ما يفيد بأنه لن يحارب، وأنه لا يقدر على حرب، وأنه لا طاقة له على حرب، ولا على قتال، ولا على أي نزال مع الخصم.
ولكن عكس هذا كله فعلته حكومة المرشد علي خامئني في طهران، فأشاعت من حولها أنها بصدد القيام بحرب على إسرائيل، وأن قوات الحرس الثوري التابعة للمرشد تتهيأ لذلك، وأنها ستفعل كذا وكذا، وأنها ستنتقم لتدمير قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، التي دمرتها تل أبيب عن آخرها، وقتلت وأصابت كل الذين كانوا فيها.
وبدون مقدمات راح العالم يتسامع أن مائة طائرة مُسيرة في طريقها من إيران إلى الدولة العبرية، وأن عددا من الصواريخ سوف يأتي من بعد الطائرات المُسيرة، وأن الطائرات والصواريخ ليست سوى بداية لها ما بعدها!.. وكانت هذه هي أعجب عملية عسكرية سمعنا بها في أي وقت، لا لشيء، إلا لأن الكشف عن إطلاق الطائرات المُسيرة في لحظة إطلاقها، وقبل وصولها إلى أهدافها المفترضة في إسرائيل بست ساعات، معناه المباشر أن تأخذ إسرائيل حذرها تماما، وأن تستعد لاعتراض الطائرات القادمة إليها وإسقاطها، وأن تحمي نفسها ومواطنيها بكل وسيلة ممكنة.. وهذا بالضبط ما جرى!
أي عبث إيراني هذا؟ وأي استخفاف بعقول الناس؟ وأي ضحك على الذقون؟ وأي ضحك على النفس؟ وأي ضحك على الإيرانيين أنفسهم؟ إن إسرائيل عندما حولت مبنى القنصلية إلى تراب، وعندما أتت على كل الذين كانوا بداخلها، وعندما قتلت ضابط الحرس الثوري الكبير، محمد رضا زاهدي، وعندما قتلت معه مساعده، وعندما أضافت إليهما عددا آخر من الضباط، لم تهلل مسبقا، ولم تعلن مُقدمًا، ولم تملأ الأجواء صخبا، ولكن الدنيا نامت ثم استيقظت على مبنى القنصلية وقد تمت تسويته بالأرض!
أما حكومة المرشد فلأن الدعاية أداة أساسية من أدواتها في المنطقة من حولها، فإنها قادت عملية دعائية من الدرجة الأولى، وأوهمت كل الذين تابعوا عمليتها بأنها ذاهبة إلى ضرب إسرائيل انتقاما لتدمير القنصلية، فلما بلغت العملية منتهاها تبين لكل متابع أنه كان أمام عمل دعائي في المقام الأول، لا عمل عسكري حقيقي بأي مقياس!
إيران مستعدة للقتال حتى آخر جندي من جنود وكلائها في المنطقة.. فهؤلاء هُم حطبها الذي تحرقه.. ولكنها ليست مستعدة للقتال بنفسها، ولا بجنودها، ولا بأبنائها، وإذا شئت فراجع وقائع عمليتها «الفشنك» بالمعنى العسكري.