شوف تشوف

شوف تشوف

حروب مخبرية

بعد وصول جائحة كورونا إلى مستويات جد حرجة أدت بالعديد من الدول إلى إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود ومنع التجمعات، أضحى إيجاد لقاح مضاد لهذا الفيروس أمرا حيويا للغاية لأجل إنقاذ العالم من أزمة إنسانية لم تحدث منذ أجيال. مختبرات عديدة أعلنت أنها تسير في الاتجاه الصحيح لإيجاد اللقاح. غير أن هذه الجهود ليست فقط مصدر شعور بالتفاؤل بل بالتشاؤم أيضا.
فـ»الحرب العالمية» على فيروس كورونا ليست صحية أو طبية وحسب بل وسياسية أيضا، بل والسياسة بمعناها «الخايب». فقد أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسميته لكورونا بـ»الفيروس الصيني»، وهو وصف كرره ترامب ثلاث مرات في ندوة صحفية وكتبه أيضا في تغريدة. وهو الأمر الذي رد عليه الصينيون فورا. وخلفية هذا التلاسن بين الدولتين العظيمتين، هو أن كلا منهما تتهم الأخرى بالوقوف وراء الفيروس وتصديره للعالم. فالصينيون مقتنعون بأن الفيروس صناعة أمريكية، تقف وراءها مخابرات العام سام، وقد تم إدخاله إلى منطقة «ووهان» بالتزامن مع مسابقة عالمية للرياضة العسكرية أجريت هناك. أما الأمريكيون فيرفضون ذلك، مقتنعين من جهتهم بأن مصدر الفيروس هو الصين.
وقد زاد التوتر بين أمريكا والصين بعدما قرر الصينيون يوم أمس طرد الصحافيين الأمريكيين الموجودين على أراضيهم، في خطوة تؤكد تدهور العلاقات بين القوتين أكثر فأكثر، خاصة أنها تأتي بعدما استدعت الخارجية الأمريكية السفير الصيني لديها للاحتجاج على اتهامات بلاده لواشنطن بأنها تقف خلف ظهور هذا الوباء.
الوجه الآخر لهذه الحرب انتقل إلى ساحة البحث العلمي، حيث بلغ عدد ما نشره العلماء الصينيون من مقالات علمية في المجلات المتخصصة والمُحكمة أزيد من 10 آلاف مقال، كلها حول كورونا، وهذا رقم قياسي. والأمريكيون من جهتهم فهموا جيدا أن حربهم السياسية مع الصين لها وجه علمي. إذ في الوقت الذي جرب الصينيون أول لقاح على جنود من الجيش الشعبي عندهم، بدأ الأمريكيون فعليا في تجريب لقاح إكلينيكي على أول متطوعة، ويتعلق الأمر بتجارب يجريها «معهد كايزر» الدائم للبحوث الصحية بواشنطن، بتمويل من المعهد الوطني للصحة، لكن التجارب لن تنتهي في غضون يوم أو يومين، أو حتى شهر، إذ يقول خبراء الصحة هناك إن أيّ لقاح محتمل لمواجهة الفيروس لن يتم اعتماده إلّا بعد عام أو حتى عام ونصف.
الوجه الآخر لهذه الحرب أيضا، هو بين أمريكا وألمانيا هذه المرة. ففي الوقت الذي ازدادت فيه المخاوف في دول العالم من اتساع دائرة تفشي كورونا، والجميع ينتظر بفارغ الصبر إعلان دواء أو لقاح يحمي من الوباء المستجد، فإن هذا الحلم المنتظر قد لا يتحقق بسبب محاولة ترامب الاستحواذ على اللقاح. بحيث ظهر جدل سياسي وإعلامي قبل يومين في كل أوروبا عقب محاولة ترامب شراء واحتكار شركة ألمانية طبية في مقاطعة «توبينجن» جنوبي ألمانيا، والتي يتم العمل فيها على التوصل للقاح ضد فيروس كورونا. حيث عرض ترامب «مبالغ خيالية» قدرت بمليار دولار لإغراء علماء الشركة بغية صنع علاج «للولايات المتحدة فقط».
هذه المعلومة لم تبق في التقارير الصحفية فقط، بل إن وزراء في الحكومة الألمانية أكدوا صحة هذه المعلومة. مؤكدين على أن اللقاح سيكون لكل العالم وليس لشعب دون آخر. ووزير الخارجية الألماني شكر رسميا المختبر لأنه رفض الإغراء الأمريكي. ومن جهته ترامب، وهو الذي يغرد على مدار الساعة عبر منصة «تويتر»، لم ينف التهمة. أما ما الذي سيدفع ترامب إلا الرغبة في احتكار اللقاح؟ فإن الجواب يوجد في ما قلناه سابقا من أن القوى العظمى تستغل الفوضى التي يوجد عليها العالم اليوم لإعادة ترتيبه.
من جهتها دخلت المفوضية الأوربية على الخط، بحيث أعلنت عزمها دعم الشركة الألمانية، بمبلغ 80 مليون يورو لتطوير أبحاثها الهادفة إلى تطوير لقاح لفيروس كورونا المتحور (كوفيد-19).
وبالعودة إلى الصراع الصيني الأمريكي، فإن الحرب انتقلت إلى مجال «الصورة»، ففي الوقت الذي يظهر فيه ترامب «شريرا»، وهو يسعى لاحتكار اللقاح، قصد ابتزاز دول العالم، تماما كما يفعل مع دول الخليج مثلا في ملفات اليمن وحقوق الإنسان وإيران.. إلخ، نجد في المقابل الصين تحرص، من باب السياسة طبعا، على عكس الصورة الأمريكية، بحيث تحرص على الظهور بمظهر «الإنساني». ففي عز أزمة انتشار الكورونا في الصين، أرسلت عشرات الخبراء رفقة معداتهم الكاملة إلى إيطاليا، بعدما أدار الأوربيون ظهورهم لها. وقد أضحت صور نزول الخبراء الصينيين في مطارات ميلانو حديث العالم. والأمر نفسه فعلته الصين مع إيران. حيث أعلنت السلطات الإيرانية يوم أمس عن وصول شحنة طبية من الصين، تضم 23 مليون كمامة، ومليوني بذلة وقائية تستخدم من قبل الأطباء والممرضين، و10 آلاف جهاز لقياس درجة الحرارة.
محاولة الصين توظيف عنجهية ترامب، لم تتوقف عند تكسير الحصار الأمريكي على إيران، بل امتدت أيضا إلى دول أوروبا الشرقية، إذ بعد قرار الاتحاد الأوروبي عدم إرسال معدات طبية إلى الدول غير الأعضاء، أكد الرئيس الصربي أنه طلب من الصين جميع أنواع المساعدات، بما في ذلك إرسال خبراء، وانتقد بشدة تخلي الأوروبيين عن بلاده وهم سابقا كانوا يطالبون صربيا بعدم شراء البضائع الصينية.
وبالرغم من أن العالم بأسره يضع في سلم أولوياته إيجاد لقاح ضد الوباء المستجد والذي طال أكثر من 120 منطقة وبلد عبر العالم، وأدى إلى وفاة الآلاف، ظهر منذ بداية انتشار الفيروس صراع آخر بين أوروبا وروسيا، بحيث يتهم الأوروبيون موسكو بالترويج لتأثيرات كبيرة للفيروس على الغرب. ويوم الأربعاء نفى الكرملين هذه المزاعم التي أوردها الاتحاد الأوروبي في وثيقة. وتشير هذه الوثيقة إلى أن الكرملين يقود حملة إعلامية روسية مضللة تهدف إلى تضخيم تأثير الفيروس في الغرب.
هذه الصراعات المتعددة الاتجاهات وضعت كبريات المختبرات الطبية في القوى العظمى في سباق محموم حول من سيكتشف اللقاح الأول، ويظهر بمظهر «منقذ البشرية». فإلى جانب الصين وأمريكا، أعلنت روسيا هي أيضا تجريب لقاح على الحيوانات. أما فرنسا فقط اختصرت المسافة، فخطورة الوضع على أراضيها جعلت مختبرا طبيا يطلب من الحكومة تجريبه على المرضى مباشرة. بحيث أعلنت مجموعة «سانوفي» الدوائية الفرنسية أنّها مستعدة لأن تقدّم للسلطات الفرنسية ملايين الجرعات من «بلاكنيل»، الدواء المضادّ للملاريا الذي تنتجه والذي برهن عن نتائج «واعدة» في معالجة مرضى بفيروس كورونا المستجدّ، مشيرة إلى أنّ هذه الكميّة كافية لمعالجة 300 ألف مريض محتمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى