اندلاع أزمة الترجمة إلى الأمازيغية والعربية والعلمي يكشف أسباب تعثر تنزيل مشروع الترجمة الفورية
محمد اليوبي
منذ التنصيص على اعتماد الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في الوثيقة الدستورية، تتكرر مطالب النواب البرلمانيين، خلال كل ولاية تشريعية، بتوفير الترجمة الفورية داخل قاعة الجلسات وعبر القنوات التلفزية لتمكين البرلمانيين من طرح الأسئلة الشفوية بإحدى اللغتين الرسميتين، وكذلك لتمكين المواطنين الناطقين بالأمازيغية من فهم الأسئلة التي تطرح باللغة العربية، وتمكين الناطقين بالعربية وبعض الوزراء من فهم الأسئلة التي تطرح باللغة الأمازيغية.
وخلال هذه الولاية، تمت إثارة مطلب توفير الترجمة الفورية أكثر من مرة، كما عمد بعض النواب البرلمانيين إلى طرح أسئلة باللغة الأمازيغية لإحراج الوزراء ومكتب مجلس النواب، من أجل الإسراع بتنزيل مشروع الترجمة الفورية داخل قاعة الجلسات، خاصة أن هناك إجماعا بين كل الفرق البرلمانية على ضرورة اعتماد اللغتين الرسميتين داخل البرلمان سواء أثناء طرح الأسئلة الشفوية أو أثناء المناقشة في اجتماعات اللجان البرلمانية.
واتصلت «الأخبار» برئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، لمعرفة أسباب تعثر تنزيل مشروع الترجمة الفورية أثناء انعقاد جلسات مساءلة الحكومة، وأرجع الطالبي العلمي أسباب تعثر هذا المشروع إلى وجود صعوبات تقنية، وكذلك غياب الإمكانيات المالية والبشرية حاليا، وأوضح أن مكتب المجلس يعكف على دراسة هذا الموضوع بكل جدية، ووعد بتوفير الاعتمادات المالية في ميزانية سنة 2023، ستخصص لاقتناء المعدات اللوجيستيكية والتقنية لتوفير الترجمة الفورية داخل قاعة الجلسات، لأن الترجمة الفورية تتطلب توفير آلات ومعدات سمعية بصرية، وأوضح أن ميزانية السنة المقبلة لا تتضمن هذه الاعتمادات، مشيرا إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الأمازيغية يتضمن مهلة خمس سنوات ستنتهي في سنة 2024، كما تحدث الطالبي عن صعوبات أخرى تتمثل في توفير موارد بشرية متخصصة في الترجمة من وإلى اللهجات الأمازيغية الثلاث، فضلا عن الترجمة أثناء نقل الجلسات عبر القنوات التلفزية.
ومنذ سنة 2012، يطالب البرلمانيون بشراء آلة للترجمة الفورية من اللغة الأمازيغية إلى اللغة العربية خلال جلسات الأسئلة الشفوية، وجاء هذا الطلب بعد إقدام البرلمانية السابقة، فاطمة شاهو، المعروفة بالفنانة «تابعمرانت»، على طرح أول سؤال بالأمازيغية في تاريخ البرلمان المغربي، وكان مكتب مجلس النواب تدارس هذا الموضوع في أحد اجتماعاته. واقترح ممثلو بعض الفرق البرلمانية داخل مكتب المجلس إمكانية شراء الوسائل اللوجستيكية لتوفير الترجمة الفورية، والتي ستكلف، حسب تقديرات أولية، مبلغ 300 مليون سنتيم، وهناك إجماع بين الفرق البرلمانية على أن توفير الترجمة الفورية يدخل في إطار تنزيل مقتضيات الدستور الجديد القاضية بترسيم الأمازيغية داخل المؤسسات الحكومية والدستورية.
وفي إطار تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، سبق للبرلمان أن صادق على قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. ويهدف القانون إلى تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية في مختلف المجالات العامة ذات الأولوية، باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء، ودعم قيم التماسك والتضامن الوطني، وذلك من خلال المحافظة على هذه اللغة وحماية الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي، والعمل على النهوض به وترصيد المكتسبات الوطنية المحققة في هذا المجال وتطويرها، ويعتمد هذا القانون على مبدأ التدرج في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
ويتضمن القانون مقتضيات تهم المبادئ العامة المؤطرة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم والتشريع والعمل البرلماني والإعلام والاتصال ومختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني وفي الإدارة والمرافق والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والفضاءات والخدمات العمومية والتقاضي، كما يشمل المشروع مقتضيات تهم مراحل وآليات تتبع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وينص القانون على بث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذاعات العمومية، مصحوبة بترجمتها الشفوية أو الكتابية إلى اللغة الأمازيغية، كما ستبث أيضا البلاغات والبيانات الموجهة لعموم المواطنين باللغة ذاتها، فضلا عن أنه ستكتب البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية باللغة الأمازيغية، منها بطاقة التعريف الوطنية وجوزات السفر ورخص السياقة بمختلف أنواعها، وبطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين بالمغرب، ومختلف البطائق الشخصية والشواهد المسلمة من قبل الإدارة.
ووفق ما جاء في القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية، ستلتزم الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات الاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، كما ستوفر خدمة مراكز الاتصال التابعة لها باللغة الأمازيغية. ويلزم المشروع إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتأهيل موظفيها المعنيين بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين المتحدثين بها، بالإضافة إلى أنها ستدخل إلى جانب اللغة العربية في اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل مقرات الإدارات والمرافق العمومية والمجالس الجهوية والهيئات الدستورية، وداخل مقرات السفارات والقنصليات المغربية بالخارج، إضافة إلى علامات التشوير في الطرق والمطارات والموانئ والفضاءات العمومية، والطائرات والسفن المسجلة بالمغرب والقطارات.