شوف تشوف

الرأيالرئيسية

حرب التحريض بين العرب

قبل أيام، أضرمت جموع غاضبة النيران في مبنى في ليفربول البريطانية، بعد إشاعة تقول إن أبناء المهاجرين الذين أسكنتهم الحكومة فيه قاموا بالتحرش بفتاة من الحي. وقد لا تكون القصة سوى محض خيال، وقد تكون صحيحة، ولا يصح أن تعاقب جماعة بجريرة فرد فيها.

هذا التأليب صار حالة عادية وظاهرة عالمية، يتم نشر ما يثير البغضاء ويحرض ضد الآخرين. بعضهم يفعلها ضمن أجندة سياسية أو فكرية، ومعظمُها مجرد بطولات وشعبوية، مع أن كثيرا من المشاركين نقرأ في المعرفات عن أنفسهم، أنهم محبون للغير، وإنسانيون، وغير ذلك من الهراء المستنسخ، الذي لا يعكس حقيقة ما يكتبونه ويقولونه.

هذا لا يعني أن الناس في الماضي كلهم كانوا ملائكة، أو بلا رأي في من حولهم، الأشخاص والأجناس والدول والعقائد، لكن إن كانت لنا آراء سلبية فهي محدودة التأثير.

لا ننكر أنه قد يوجد في دواخلنا شيء من عنصرية مندسة، يصاحبها بعض من كراهية موروثة ثقافيا، أو تعكس إحباطات التجارب الحياتية الفردية.

من بينها سخرية العرب المتبادلة من بعضهم بعضا، دائما موجودة، لكنها في الآونة الأخيرة انتشرت وصار بعضها تحريضا مؤذيا.

الآراء الساخرة في ذاتها لا تشكل خطرا، وموجودة بين الجيران، مثلها مثل رأي الفرنسيين والبريطانيين في بعضهم. البريطانيون يعتبرون جيرانهم الفرنسيين مادتهم المفضلة في السخرية.

فمن ناحية، يحبون طبخ الفرنسيين، وشرابهم، وذوقهم في هندامهم، ونساءهم، وعمارتهم التاريخية، لكنهم يسخرون من فوقيتهم وجلافتهم في تعاملاتهم الشخصية. والفرنسيون كذلك يبادلون البريطانيين الثناء والنميمة. معجبون بروح السخرية الإنجليزية الراقية، وتاريخهم العظيم، واختراعاتهم، وتفوقهم في المجالات الإبداعية من موسيقى ومسرح وأفلام، ولكنهم ينتقدون فوقيتهم الثقافية وغرورهم التاريخي وذوقهم الرديء في الطبخ والملبس. وهكذا هي الحياة الطبيعية، تتسع لشيء من السخرية والانتقادات التي لا تتحول إلى عنصرية بغيضة.

لكل مجتمعٍ رأيه في نفسه وجيرانه، والعرب، مثل غيرهم، في حالة تنافس مع بعضهم بعضا لا تتوقف، لكنها في السنوات القليلة تمادت واستشرت، وهبطت مع انحدار «الصراحة» في نقاشات الإعلام الاجتماعي. وصار يشارك فيها أناس، يفترض أنهم أكثر ثقافة، ودراية بالمسؤولية الاجتماعية.

تذكروا أن مثل هذا التفكير المنحدر نحو القاع، والمستعد لإيذاء الأبرياء ينقلب على أصحابه في الأخير، الكراهية ثقافة تترسخ وليست مجرد خصومة تذهب مع الريح، مع الوقت تعم ولا حدود لها. من دون رادع تتجرأ وتتجاوز إلى مجتمعك الكبير، ثم دوائر مجتمعك الصغير، من الأديان إلى الطوائف، ومن البلدان الأخرى إلى منطقتك وبلدتك، ومع الوقت والانتشار تتحول إلى هواية جماعية.

التحريض أخطر الأسلحة، فتاك، ودماره شامل، ووسائل الإعلام الاجتماعي التي تنقله مثل سكاكين المطبخ متوفرة وسهلة الاستعمال.

في السابق، كنا نظن أن المجتمعات الجاهلة هي التربة الخصبة لبذور الكراهية، لكن ها هي أمامنا، في حرم الجامعات المحترمة، ونسمعها من العوام والنخبة.

عبد الرحمن الراشد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى