حد ولاد جلول الأسود
في اللحظة التي كان فيها الجميع يترقب تخليد الذكرى الحادية عشرة لحركة 20 فبراير التي تزامنت مع دعوات جهات مجهولة المصدر للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، غطت عمليات السرقة والمشاحنات بالسوق الأسبوعي حد ولاد جلول على كل الأحداث فارضة نفسها على غيرها من الأحداث السياسية والاجتماعية. وفي الحقيقة فإن ما حدث بأحد أسواق الغرب يستحق وقفة سياسية وأمنية واجتماعية ولربما نفسية، لأن الحادث المأساوي يعد بمثابة مختبر حقيقي يختزل بدون ماكياج أو مواد حافظة صورة مصغرة عن مجتمعنا ووسطائه وسلطاته وطرق التدبير فيه.
ودون الخوض في المبررات التي لن تعفي الضحية من صفته الجرمية، فإن الناظر للحادث يقف على عدد من المشاهد المعبرة، ولعل أولها حالة أسواقنا الأسبوعية الرثة، وكيف ظلت على وضعيتها منذ عهد الاستعمار، فجماعة أولاد جلول وباقي الجماعات القروية لم تفكر في تطوير البنية التحتية لتلك الأسواق رغم المداخيل الكبيرة التي تحصل عليها، ورغم رئاسة الجماعة من طرف وزير سابق وقيادتها من حزب يقود الحكومة السابقة، فلا مراقبة في الأبواب ولا بنية تحتية ولا مرافق صحية ولا حضور للسلطات ولا تأطير أو تنظيم للتجار.
كما أن المشاهد المقززة لمغاربة يمارسون أسلوب الغنيمة تؤكد أننا في حاجة ماسة لإرساء دعائم مجتمع يؤمن بالقانون ويقطع مع قانون شرع اليد، فما الذي كان يمنع المواطنين من الاحتجاج أمام الجماعة أو القيادة ضد ارتفاع الأسعار أو المضاربة بدل نهب بضاعة فلاح بسيط جاء للسوق لربح بعض الدراهم قبل أن يجد نفسه عرضة للسرقة والسلب.
والغريب أن شرع اليد جرى لساعات في غياب أي مظهر من مظاهر حضور رجال إنفاذ القانون.
والأكيد أن الحادث يظهر جليا غياب أي شيء اسمه الوسطاء الاجتماعيون لتأطير المواطن، فالأحزاب السياسية والنقابات المهنية وجمعيات المجتمع لا تطأ أقدامها الأسواق إلا بسبب انتخابات يريدون الفوز بها أو منفعة ذاتية يبتغون تحقيقها، أما ممارسة وظائف الوساطة والتأطير والتنشئة الاجتماعية فتلك آخر همومهم في مقراتهم فبالأحرى في الأسواق القروية.
خلاصة الأمر أن ما وقع بسوق حد ولاد جلول غير مبرر ويستدعي تطبيق القانون بصرامة، لكنه إنذار مبكر وناقوس خطر يضعنا أمام المرآة في سياق تراكم الانعكاسات المدمرة لثالوث كورونا والجفاف والغلاء.