شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

حتى لو عاد «ريشتر» للحياة

 

 

يونس جنوحي

لا بد من متابعة الحالة النفسية للأطفال الذين نجوا من الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة تارودانت والحوز قبل شهر. إذ إن الأطفال الناجين الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وأحيلوا على مدارس المناطق التي لم تسجل بها أضرار جسيمة، يُتابعون اليوم دراستهم وهم في حالة نفسية لا يعلم بها إلا الله.

بدأ وهج الهواتف النقالة التي حجت إلى الإقليم يخبو شيئا فشيئا، وتُركت العائلات لقدرها وسط الخيام والملاجئ، في انتظار أن يتم إيواؤهم وتعود حياتهم إلى سابق عهدها. وفي هذه الظروف، بدأ الاهتمام بحالة الأطفال الذين فقدوا أسرهم، يفقد وهجه.

ولحسن حظ هؤلاء اليتامى أن المبادرة الملكية شملتهم ومنحتهم صفة «مكفولي الأمة»، وإلا لعرف مصيرهم مسارا أسوأ.

تصوروا كيف ستكون نفسية طفل كان يدرس في قسم صغير في منطقة جبلية عدد سكانها لا يتعدى 300 نسمة، وفي قرى أخرى لم يكن عدد السكان يتجاوز المئة فرد. وفي رمشة عين انقلبت حياة هذا الطفل وفقدَ كل أفراد أسرته وأغلبَ سكان قريته الصغيرة، ولم يعد للقسم الصغير، الذي اعتاد أن يدرس فيه لسنوات، أي وجود، وأحيل على مدرسة داخلية في مدينة بحجم مراكش، وأصبح واجبا عليه أن يتعامل مع قسم داخلي عدد الأطفال به يتجاوز خمسة آلاف نزيل، ويدرس في أقسام تشهد اكتظاظا متزايدا كل عام. إلى أين سيذهب هذا الطفل عندما تحل العطلة البينية، وما أكثر العُطل في هذا البلد، ومن سيستقبله في نهاية الأسبوع؟

إن مشكلة المبادرات الإنسانية التي تُوثق بالصوت والصورة، خصوصا منها التي تهاطلت على المنطقة في أول أسبوع على الزلزال، أنها قصيرة الأمد.

الناس في منطقة الزلزال لا يحتاجون إلى أطنان من المواد الغذائية دُفعة واحدة. وقد رأينا كيف أن تلك المساعدات بقي أغلبها على قارعة الطريق، إذ إننا في المغرب لسنا مُتشبعين بثقافة الأزمة والملاجئ. الدول التي عاشت أجواء الحرب العالمية لدى شعوبها حس الهروب إلى الملاجئ وتوفير الطعام والعيش على الماء وقطعة سكر وانتظار الأسوأ. بينما نحن، الذين من علينا الله لقرون بنعمة الأمان، لسنا متآلفين مع الإجراءات الاحترازية وحالات الطوارئ.

والدليل أنه لا توجد لدينا أي برامج تدريب للخروج المنظم من الأماكن العمومية في حال نشوب الحرائق.

ها قد مر شهر على زلزال الحوز وتارودانت، هل سنرى برامج تحسيسية في المدارس تُدرب الأطفال والموظفين على طرق إخلاء البنايات في حال وقوع زلزال مشابه، لا قدّر الله؟

المصاحبة النفسية للأطفال ضحايا الزلزال يجب أن تصير أولى الأولويات، قبل حلول العطل الدراسية، إذ إن هؤلاء الأطفال، الذين أحيطوا بالعناية الإعلامية وجاءتهم الهدايا من كل نواحي المغرب ومعها رسائل رقيقة للتعاطف خطها أطفال آخرون من أجلهم، أصبحوا اليوم لوحدهم، لا مؤنس لهم في الأقسام الداخلية ولا يزورهم أحد. عليهم الآن أن يستيقظوا باكرا لوحدهم وأن يقفوا في الطابور لتناول وجبة الإفطار في الأقسام الداخلية، ويتوجهوا، مثل غيرهم ممن لديهم آباء وأمهات، إلى الأقسام للتحصيل العلمي.

عودة البرودة إلى أطراف هؤلاء الأطفال بعد ثلاثة أسابيع من العناية والأضواء، أسوأ بكثير من هزات الزلزال. وإذا كان هذا الأخير ضرب بقوة 7 درجات، فإن التخلي عن هؤلاء الأيتام من مكفولي الأمة وعدم تأهيلهم نفسيا، يسبب زلزالا داخليا لا يُقاس، حتى لو عاد «ريشتر» نفسه إلى الحياة حاملا سُلمه معه!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى