توفي، أول أمس، المدرب التاريخي للمنتخب الجزائري، محيي الدين خالف، بعد صراع طويل مع المرض. كل المؤشرات تؤكد أن خالف مات ألما يوم مات رفيق دربه رشيد مخلوفي الذي تقاسم معه شرف تدريب المنتخب الجزائري، وتربطهما علاقات متينة مع رموز الكرة المغربية.
بعث الرئيس الجزائري رسالة تعزية إلى عائلة محيي الدين خالف، تحدث فيها عن مناقب المدرب السابق للمنتخب الجزائري، وعن تجاربه كلاعب ومدرب، دون الإشارة إلى أصوله المغربية.
أما رسالة العزاء التي بعثها الاتحاد الجزائري لكرة القدم، فتحاشت الحديث عن جذور الراحل المغربية، مكتفية بمساره كمدرب في الجزائر لا خارجه.
قصة هذا المدرب الذي أنهى مساره الكروي محللا رياضيا بالفضائيات الخليجية والوطنية، تستحق أن تروى لأنه مارس الكرة في دروب بلقصيري المتربة وانتهى مدربا في أكبر التظاهرات الكونية.
عانت أسرة خالف في منطقة القبائل الجزائرية من جبروت المستعمر الفرنسي، فقرر الوالد حسين خالف اجتياز الحدود صوب المغرب ابتداء من سنة 1931، وعمره لا يتجاوز 27 ربيعا. استقر في بلدة صغيرة اسمها بلقصيري المتمددة فوق سهول الغرب، غير بعيد عن القنيطرة.
بالرغم من سنوات القحط تمكن المهاجر الجزائري من اقتناء مزرعة كبيرة، وعشق «الهيت» الغرباوي، قبل أن يعود إلى الجزائر حيث جلب زوجته ودعاها للاستقرار في بلقصيري بعيدا عن غارات المستعمر.
في سنة 1944 رزق بابنه محيي الدين الذي سيكون له شأن في عالم بعيد عن مجال اشتغال الوالد. وفي حوار مع صحيفة جزائرية برر الوالد سبب تسمية ابنه بـ«محيي الدين» بتعلقه بسيرة الأمير عبد القادر رمز المقاومة الجزائرية الذي كان له ابن يسمى محيي الدين.
درس محيي الدين في مدرسة مركزية ببلقصيري، وظهرت مواهبه الكروية وهو صغير السن، وحين انتقل إلى المرحلة الثانوية اضطر لمتابعة دراسته في مدرسة داخلية بالقنيطرة، هناك انضم لشبان النادي القنيطري، وحين سطع نجمه انتقل إلى فرق مجاورة على غرار الاتحاد الزموري للخميسات والنادي المكناسي. وبعد خمس سنوات على حصول الجزائر على استقلالها قرر مجلس عائلة خالف العودة إلى «بلد المليون عنيد»، وسط حالة حزن شديد لدى أهالي بلقصيري.
في سنة 1967 عاد الأب حسين وأسرته إلى الجزائر بعد أربعين سنة قضاها في الغرب. رافقه ابن عمه عبد الله خالف، الملقب بـ«قاصدي مرباح»، والذي تولى رئاسة الوزراء ورئاسة الاستخبارات الجزائرية، قبل اغتياله سنة 1993.
لكن أفرادا من أسرة خالف اختاروا الاستقرار في المغرب، بينما أصبح محيي الدين مقيما بين الدار البيضاء وتيزي وزو، حريصا على ملاقاة أصدقائه في وجدة والقنيطرة، والخميسات والمحمدية، ومراكش ومكناس، لاستحضار ذكريات عبرت أفق خياله حين كان يشرف على تدريب فرق هذه المدن الساكنة في وجدانه.
تلقت عائلة الفقيد المقيمة في المغرب نبأ وفاة محيي الدين، فقررت السفر إلى الجزائر لحضور مراسم الدفن والعزاء، لكنها اصطدمت بقرار إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطائرات المغربية، فاختارت على مضض تكبد عناء السفر إلى باريس ومنها إلى العاصمة الجزائرية فتضاعفت المحنة وارتفع مؤشر الغضب من نظام يمارس السادية ضد مواطنيه من حيث لا يدري.
في كل رسائل النعي الرسمية، تصر الجزائر على عدم ذكر مكان ولادة مدرب المنتخب الجزائري، حتى لا يكون للمغرب فضل على جاره.
مصالح الحالة المدنية في الجزائر توصلت بمذكرة وزارية تمنع الإشارة إلى المغرب حين يتعلق الأمر بجزائري ولد في مدينة مغربية، مع الاكتفاء بعبارة: «ولد في بلدية خارج الجزائر».
حسنا فعل محيي الدين حين مات عازبا بعد أن تزوج الكرة وظل وفيا لها.