شوف تشوف

الرأي

جمهورية تكساس

 

 

أحمد مصطفى

 

 

هناك مقولة أمريكية قديمة بمعنى «كل شيء في تكساس كبير»، وغالبا ما كانت تستخدم للتندر الساخر على الولاية الكبيرة في جنوب الولايات المتحدة. لكن فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب أثبتت أن للتعبير الساخر معنى أعمق، إذ احتلت ولاية تكساس مكانة بارزة في تلك الفترة لأسباب عدة، من بناء السور لمنع المهاجرين من أمريكا الجنوبية، إلى محاولة ترسيخ نفوذ المحافظين الجمهوريين فيها.

كما أنه من تكساس وعبرها يأتي القدر الأكبر من إنتاج الطاقة الأمريكية من نفط وغاز، وأيضا مصادرها الجديدة نسبيا مثل الغاز والنفط الصخري.

وفي الفترات التي شهدت مظاهرات واحتجاجات اتسمت بالعنصرية الواضحة في وقت رئاسة ترامب، كانت ولاية تكساس الأقوى في موقفها اليميني المتشدد. إذ يطغى على الولاية الكبيرة حجما وتمثيلا في الكونغرس، طابع «الغرب البري المتوحش»، كما تشاهده في أفلام هوليوود، رغم أنها ولاية جنوبية وليست غربية.

ويزيد من ذلك أنها نقطة دخول المهاجرين غير الشرعيين وللاجئين المحتملين من المكسيك القادمين من مختلف دول أمريكا الوسطى والجنوبية الفقيرة، بينما تضم الولاية بعض أغنى العائلات الأمريكية التقليدية.

وكما المثل القديم، كان رد فعل تكساس على فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة في انتخابات 2020 الأكبر، إذ هدد بعض مسؤوليها بانفصال الولاية عن «الاتحاد»، الذي يشكل الولايات المتحدة. ومن تكساس جاء زعماء هجمات 6 يناير 2021 على الكونغرس.

كما كانت تكساس الولاية الأكبر في مقاومة إجراءات الحد من انتشار وباء كورونا في الولايات المتحدة. فهي الولاية الأكثر معارضة لارتداء أقنعة الوجه، بل ومنها تأتي القوة الأكبر المعارضة لتلقي لقاحات كورونا. ليس هذا فحسب، بل إنها الولاية الأقوى معارضة لقوانين فيدرالية كثيرة من واشنطن، من قانون الإجهاض إلى قوانين شراء وحمل السلاح.

ولأن النظام الفيدرالي للولايات المتحدة، منذ تأسيسها قبل بضعة قرون، يسمح للولايات باستقلالية نسبية في وضع سياساتها الاقتصادية والقانونية وغيرها، تجد ولاية تكساس مختلفة إلى حد كبير عن بقية الولايات الأمريكية الرئيسية.

كما أنها الأشد معارضة للقوانين الفيدرالية التي تصدر من واشنطن، ويسعى حاكم الولاية ومجلسها التشريعي الذي يسيطر الجمهوريون عليه تقليديا، إلى سن قوانين ولائية تتعارض مع القوانين الفيدرالية.

الآن، يتباهى المسؤولون الجمهوريون في تكساس بأن سياستهم المستقلة عن واشنطن جعلت اقتصاد الولاية رقم واحد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويدللون على ذلك بأن شركات كبرى بدأت تنقل مقراتها الرئيسية وأعمالها إلى تكساس من ولايات أخرى. على سبيل المثال، ومن «وادي السليكون» في ولاية كاليفورنيا تنتقل شركة «أوراكل» إلى تكساس. كما بدأ الملياردير إيلون ماسك نقل بعض أعماله إلى تكساس. ويتوقع المسؤولون في الولاية أن تحذو شركات كبرى أخرى حذو «أوراكل» و«تسلا».

صحيح أن تلك الشركات والأعمال تنتقل لأسباب اقتصادية ومالية بالأساس، هربا من الضرائب والرسوم العالية في كاليفورنيا إلى الضرائب القليلة والرسوم شبه المنعدمة في تكساس، لكن لا يمكن أيضا إغفال أن كاليفورنيا ولاية «ديموقراطية» في توجهها الانتخابي تقليديا، بينما تكساس ولاية «جمهورية» عتيقة.

لذا لم يكن مستغربا تبادل التراشق، الأسبوع الماضي، بين الرئيس جو بايدن، والملياردير الصناعي إيلون ماسك. ففي تعليق له على التحول نحو السيارات الكهربائية، ذكر الرئيس شركات مثل «جنرال موتورز» و«فورد»، وتجاهل ذكر شركة «تسلا»، أكبر شركة في العالم لإنتاج السيارات الكهربائية. ورد ماسك ساخرا عبر حسابه على موقع التواصل «تويتر»، متهما بايدن بأنه يعتبر الشعب الأمريكي «مغفلا»، وزاد من السخرية بأن تهجى اسم شركته للرئيس، ليعرف كيف ينطقه. ولن يكون مستغربا أن ينقل ماسك بقية أعماله إلى تكساس، ويحرم ولايات أخرى مثل كاليفورنيا من مليارات الدولارات من الضرائب والرسوم، التي تفرضها تلك الولايات بمعدلات أعلى من ولاية تكساس.

أما سبب تجاهل الرئيس بايدن لـ«تسلا»، فلأن الشركة لا تسمح لعمالها بتكوين نقابة عمالية أو اتحاد يعبر ويطالب بحقوقهم، على عكس شركات السيارات الكبرى التقليدية. وهذا النهج الديموقراطي، الذي يتشدد فيه الجناح اليساري في الحزب، يتعارض تماما مع سياسات ولاية تكساس، التي تعتمد نموذجا للأعمال أقرب إلى الرأسمالية التقليدية، التي ترى الريادة الاقتصادية في تراكم الثروة، وهو ما يحتاج إلى التقليل بشدة من القيود واللوائح البيروقراطية.

في النهاية، إذا يمكن النظر لذلك التبادل العلني بين بايدن وماسك على أنه في جوهره تراشق ديموقراطي جمهوري، بغض النظر عن أن ماسك لا يعد متحمسا سياسيا لأي من الفريقين، وهو متحمس فقط للمال والأعمال.

والواضح أن ذلك يصب في صالح ولاية تكساس على حساب الحكومة الفيدرالية وولايات صناعية تقليدية، مثل ديترويت وشيكاغو وبالطبع كاليفورنيا.

فهل يمكن أن يحدث ما هدد به البعض من قبل، من انفصال تكساس لتصبح «جمهورية تكساس» المستقلة؟ يبدو ذلك بعيد الاحتمال الآن، فإذا كان كل شيء في تكساس كبيرا، إلا أنه لم يكبر بعد ليصبح جمهورية مستقلة. لكن من يدري في المستقبل!

 

نافذة

يتباهى المسؤولون الجمهوريون في تكساس بأن سياستهم المستقلة عن واشنطن جعلت اقتصاد الولاية رقم واحد داخل الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى