جماعات الأمل
تعيش أكثر من 1500 جماعة ترابية حركة غير عادية تستبق يوم انتخاب رؤسائها ونوابهم ورؤساء اللجان الدائمة، كل الأنظار تتجه إلى ما سيقرره الناخبون الكبار، بعدما قال المواطن كلمته خلال الاستحقاق الترابي للثامن من شتنبر. ولئن كان الناخب عبر من داخل صناديق الاقتراع على ضرورة التغيير وإعطاء الفرصة للنخب الجديدة، فإنه ينتظر أن يمتد هذا التوجه ليعكس تشكيل المجالس المقبلة وأن لا يتم الالتفاف على الإرادة الشعبية بمبررات واهية.
فحينما توجه أكثر من 50 في المائة نحو صناديق الاقتراع للتعبير عن إرادتهم واختيار ممثليهم المحليين، فإنهم كانوا يفعلون ذلك لقطع الطريق أمام العدمية وخصوم الوطن لكن كانوا يفعلون ذلك أيضا لسد النوافذ أمام الأميين وسماسرة الانتخابات والوجوه القديمة المستهلكة المتابعة في قضايا المال العام، وستكون الصورة صادمة عندما نجد أن وزارة الداخلية تعلن أن نصف المنتخبين لم يلجوا قط حجرة للدرس وأن النصف الآخر لا يتجاوز مستواه شهادة الابتدائي، والأكثر صدمة أن يجد المواطن على رأس جماعته أو إقليمه أو جهته وجوها مثقلة بالمتابعات القضائية بسبب تدبيرها الترابي السابق.
ولكي نكون أمام مجالس ترابية تستحق الاحترام وتعكس نوعا ما توجهات الإرادة الشعبية ويتوفر فيها بعض مظاهر الكفاءة، لا بد أولا من القطع مع المظاهر المشينة التي تسيء للعمل السياسي وتفقد الإرادة الشعبية معناها، عبر تهريب وكلاء اللوائح لمستشارين إلى فنادق وفيلات بعيدا عن عيون المنافسين، وإجبار من يحترفون الانتخابات المنتخبين على التوقيع على شيكات لحجز أصواتهم.
فلا يمكن تحقيق أهداف النموذج التنموي الذي يعول عليه لبناء مغرب الغد، بمثل هاته الممارسات البالية والشاذة، ويبقى المدخل الأولي لأي انطلاقة محلية رهينا بصعود نخبة محلية بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات ذات جدة وجودة وكفاءة، أما عودة الوجوه القديمة التي تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع فيعني الوصول إلى نفس نتائج الفشل وتكرار نفس الكوارث، فلا يمكن للمرء السوي أن ينطلق من مقدمات خاطئة ويتوقع أنه سيبلغ نتائج صحيحة.
إن تحقيق أهداف النموذج التنموي التي وضعها الدستور ورسم أولوياتها التقرير المرفوع لجلالة الملك وتضمنتها القوانين، لا يرتبط فقط بحجم الصلاحيات الممنوحة للهيئات المنتخبة أو بمراجعة الهندسة المؤسساتية على المستوى الترابي، بما يمكن من تحقيق الانسجام والتناسق بين السياسات القطاعية الحكومية، والمخططات والبرامج المحلية، بل يرتبط أولا وأخيرا بطبيعة النخبة المحلية التي ستقود الجماعات الترابية خلال الست سنوات المقبلة، وحدها هاته النخبة من سيعلن ولادة أمل في مغرب ترابي جديد أو قتل ما تبقى من الأمل إلى الأبد وهنا بالضبط يقطن الشيطان.