جرائم هامشية
جهاد بريكي
نعيش هذه الأيام على وقع مأساة ينقلها شريط مصور في مدينة تعرف بطابعها المحافظ، المتشبثة بأعراف وتقاليد الحياء والاحتشام أكثر من مدن أخرى غيرها. طنجة. شريط مصور لأحد الشباب يعتدي على فتاة رافعا ثوبها وبيده لامسا أجزاء من جسدها. كم كان المنظر مؤلما، مستنزفا وبشعا، خاصة عند النساء.
اختراق الخصوصية والاعتداء بهذا الشكل المهين لا يمكن أن ينسى ولو مرت سنوات العمر كلها، هذا الجرح لا يعرف التقادم، يبقى حيا إلى الأبد. لكل امرأة جرح غائر عن اعتداء أو تحرش جنسي تستعيده ذاكرتها كل حين فتنشب في روحها نار حامية لا تختلف عن تلك التي نشبت ساعة الاعتداء. وأكاد أجزم أن كل أنثى مغربية تحمل معها قصة قصيرة أو طويلة عاشتها مع متحرش ما، من الأقرباء أو الغرباء.
إننا كمجتمع نخجل من الوقوف مع أنفسنا والنظر بصدق إلى حقيقة المصائب التي نعاني منها، الكبت والهوس الجنسي لا يكف عن التزايد بين صفوف الشباب الجاهل، المنتشر بين الأزقة وداخل المقاهي، يتصفح المواقع الإباحية ويتقاسم قصصا وبطولات وهمية، ويفتقر للتربية وللتعليم وضوابط السلوك ومعرفة الحدود. ولا يعرف عن الأنثى سوى أنها وسيلة لتفريغ غريزته وآلة تفريخ يحق له تأديبها متى ما قرر ذلك. يفتح عينيه على أب لا يحترم أمه، يرفسها كما تُرفس البهيمة. وأم لا تحترم ابنتها فتفضل الذكر دائما وتجبرها على خدمته. ليتشبع البطل باحتقار الأنثى ابتداء بأمه وأخته وانتهاء بالنساء في الشوارع. ثم لا يرى حرجا في
مضايقتهن جميعا، بضرب أخته وممارسة وصايته عليها وهو لم يبلغ الحلم بعد، ثم أمه ثم ينتقل لكل امرأة لم ترق له، أو راقت له. تزدحم بداخله شهواته عند البلوغ وجهله الذي لم يجد من يطرده من داخل جمجمته واحتقاره للكائن الآخر، الأنثى التي إذا تكلمت تحرشت به، وإذا ارتدت جلبابا تحرشت به، وإذا ارتدت تنورة تحرشت به وإذا خرجت إلى الشارع تحرشت به. فيندفع غير مهتم عارية كانت أم مغطاة، ما يهمه هو التعبير عن كل خيالاته وعقده عل ذلك يمنحه شعورا بالمتعة والارتياح.
ما نواجهه ليس فستانا يكشف عن ساقين، أو قميصا يظهر فتحة الجيب، وأحمق من يعتقد أن ذلك هو سبب التحرش، وإلا لما تعرضت المحجبات والمنقبات والفتيات الصغيرات والحوامل والعجائز للتحرش والاغتصاب. ولا رأينا فتيات يجبن شطآن البحار في دول غربية بملابس البحر ولا يتجرأ هذا الشاب المهاجر، الذي يتحرش في بلده بكل مارة، أن يطيل النظر خوفا من إزعاجهن. لأن القانون لن يرحمه ولن تأتي أمه تبكي على محطات غربية ويتكالب المتواطئون على الضحية لإشعارها بالذنب وتحميلها مسؤولية ضياع مستقبله وحزن أمه. هناك سيسجن أو سيرحل في أول طائرة.
ما نواجه هو غياب التربية وتساهل القوانين، ما نعانيه هو تعامل المؤسسات المسؤولة بتراخ وتماطل مع هذه القضايا وتتفيهها وتصويرها كسلوك مزعج لا يجب الالتفات له فقط، بينما هي جريمة شرعت لأجلها أحكام حبسية وغرامات. مأساتنا خوف الضحايا واختيارهم صف المجتمع المتسامح مع المتحرشين تجنبا لسخطه. مأساتنا تبرير الجرائم مادامت بعيدة عنا وعمن نحب.
ستنتفض مواقع التواصل بسبب هذه الحوادث، وسنشجب ونندد، لكن مادام التعامل الأمني متراخيا والقوانين متساهلة والمجتمع مطبعا، فقد نبقى هنا في هذا الوحل لسنوات طويلة جدا، أطول من أعمارنا والأجيال القادمة بعدنا.
التحرش ضرب من الإرهاب، فاقتحام الخصوصية والتعدي على حميمية الأنثى وجسدها هو ترهيب وتعذيب لا يختلف عن الشعور المريع باللا أمن والذي تعاني منه نسوة أوطان ترزح تحت وطأة العنف والإرهاب. علينا أن نستوعب أن الأمر خطير ومستعجل، ولن نكتفي عن الحديث حوله مادام الخروج من البيت هو مغامرة خطرة يمكن أن تنتهي بكارثة.