تعميم الاختصاص القضائي على ثلاث محاكم جديدة وإحداث فرق جهوية للشرطة القضائية
محمد اليوبي
بعد تسجيل ارتفاع كبير في عدد الجرائم المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، خلال السنوات الأخيرة، أكد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أول أمس الأربعاء بالرباط، أن التحقيقات المالية الموازية معيار مهم يحدد مدى التزام الدولة بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال الداكي، خلال ندوة وطنية حول «التحقيق المالي الموازي في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء مستجدات القانون رقم 12- 18»، إن التحقيق المالي الموازي ومدى نجاحه في مصادرة متحصلات الجريمة يعتبر معيارا مهما يتحدد على أساسه مدى التزام الدولة بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا لمعايير مجموعة العمل المالي، موضحا أنه يعد أيضا عاملا حاسما في تقييم البلدان على المستوى الدولي، ومن ثم رفعها من قائمة الدول عالية المخاطر.
وأشار الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، خلال هذه الندوة المنظمة من قبل الهيئة الوطنية للمعلومات المالية، إلى أن رئاسة النيابة العامة تولي لهذه التحقيقات أهمية بالغة، حيث عملت على حث النيابات العامة على تكليف الشرطة القضائية بإجراء الأبحاث المالية الموازية، وذلك عبر جرد ممتلكات المتهمين العقارية والمنقولة وحساباتهم البنكية وعلاقة تلك الممتلكات بالجريمة، علاوة على الاستعانة بمخرجات التقييم الوطني للمخاطر، لتوجيه الأبحاث نحو الجرائم الأصلية ذات المخاطر المرتفعة.
وشدد الداكي في هذا الصدد على ضرورة طلب النيابات العامة لمساعدة الهيأة الوطنية للمعلومات المالية، بشأن جميع الأدلة والمعلومات التي قد تفيد في البحث، فضلا عن تفعيل إجراءات الحجز والتجميد بمناسبة قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية، مع جعلها قاصرة على الأموال ذات الصلة بالجريمة واحترام حقوق الغير.
كما توقف الداكي عند التعديلات التشريعية التي جاء بها القانون 12- 18، المتعلق بمكافحة غسل الأموال، سيما تعميم الاختصاص القضائي في جرائم غسل الأموال على محاكم الدار البيضاء وفاس ومراكش، إلى جانب محاكم الرباط، ما سيساهم في تخفيف الضغط على هذه الأخيرة التي كان لها اختصاص وطني، والذي من شأنه تحسين وتيرة البحث وتجويده وتحقيق النجاعة القضائية في معالجة مختلف القضايا المرتبطة بغسل الأموال، إضافة إلى مسايرة جهود تقوية آليات البحث والتحري في هذا النوع من الجرائم، خاصة بعد إحداث فرق جهوية للشرطة القضائية متخصصة في الجرائم المالية والاقتصادية، بمدن الرباط، الدار البيضاء، فاس ومراكش.
وأكد رئيس النيابة العامة في هذا الصدد، على أن التعديلات التشريعية والآليات المؤسساتية وإن كانت ضرورية، ليست كافية لوحدها للحد من المخاطر المستجدة لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والكشف عن مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة، مشددا على ضرورة بذل مجهودات ملموسة على مستوى تأهيل وتطوير كفاءات ومهارات مختلف الفاعلين في هذا المجال، سيما أجهزة إنفاذ القانون المكلفة بإنجاز الأبحاث والتحقيقات بخصوصها.
من جهة أخرى، اعتبر الداكي أن تكوين وتأهيل الموارد البشرية المكلفة بمحاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب يكتسي أهمية بالغة في مسار تطويق هذه الظواهر الإجرامية، خاصة على مستوى تنمية قدرات الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق في هذه الجرائم، سيما في ما يتعلق بموضوع التحقيقات المالية الموازية، الذي كان ضمن التوصيات الأساسية التي أقرتها مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، في تقرير التقييم المتبادل الخاص بالمغرب.
وأوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن «نجاح هذه الأجهزة خلال البحث والتحقيق في إحدى الجرائم الأصلية، من خلال فتح بحث مالي مواز للبحث الجنائي التقليدي، للكشف عن المتحصلات المالية للجريمة وتعقبها، وتوجيه انتدابات بشأنها إلى الهيئات والمؤسسات المختصة، للكشف عن حساباتهم البنكية وممتلكاتهم العقارية والمنقولة، ومن ثم تقديم الأدلة لربط تلك المتحصلات المالية بالجريمة الأصلية، سيساهم لا محالة في تجويد المعالجة القضائية لقضايا غسل الأموال وتعقب الأموال والمتحصلات وحرمان المجرمين من الانتفاع منها».
وخلص الداكي إلى أن «الإجرام المالي يتميز عموما بالتعقيد وصعوبة الإثبات، ويتطلب كشفه الجمع بين وسائل البحث الكلاسيكية والبحث المالي الموازي وتقنيات البحث الخاصة»، مشددا على أن نجاح البحث المالي الموازي في دعم البحث الجنائي يتوقف بشكل كبير على تضافر الجهود، والتنسيق بين مختلف أجهزة الإشراف والمراقبة والأشخاص الخاضعين والهيئة الوطنية للمعلومات المالية والنيابة العامة والشرطة القضائية، في إطار تكامل الأدوار وتبادل المعلومات.
هذا، وأفاد التقرير السنوي لوحدة معالجة المعلومات المالية بأن الوحدة تلقت خلال السنة الماضية ما مجموعــه 1737 تصريحــا بالاشــتباه، تتعلــق بحــالات مرتبطــــة بجريمتي غســل الأمــوال وتمويــل الإرهــاب، وأحالت الوحدة 29 ملفا على أنظار النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف والمحكمة الابتدائية بالرباط. وأكد التقرير ذاته أن عـدد التصريحـات بالاشتباه في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ارتفع سـنة 2019 بنسـبة 60 في المائة مقارنـة مـع سـنة 2018، وأشار التقرير إلى أن الوحدة تلقت خلال سـنة 2019 مـا مجموعـه 1674 تصريحـا مرتبطـا بغسـل الأمـوال، و63 تصريحـا يتعلــق بـــتمويل الإرهــاب، ممــا يرفــع إجمالــي عــدد التصريحــات المســتلمة منــذ عــام 2009 تاريــخ إحـداث الوحـدة إلـى 5004 تصاريـح مرتبـطة بغسـل الأمـوال، و165 تصريحـا متعلقـا بتمويـل الإرهـاب.