شوف تشوف

الرأي

جحيم أم درمان

حسن البصري
لا أظن أن مواطنا سودانيا أو عربيا راض عما قامت به حكومة الثورة في هذا البلد. فقد أظهرت مباراة الهلال السوداني والأهلي المصري عجز بلاد الطيب صالح والفيتوري عن العيش دون التخلص من وباء الاحتجاج.
انتظرنا أن تخلص الثورة بلاد السودان من المفسدين الذين يعبثون باسمها ومحاسبة المفسدين، لكن في ملعب أم درمان تبين أن الحراك أسيء فهمه، وأن عددا كبيرا من المفسدين يسرحون ويمرحون يشتمون ويلعنون اعتقادا منهم أن طبخة الثورة لا تستقيم إلا بهذه البهارات القديمة.
عاش طاقم التحكيم المغربي بقيادة رضوان جيد ساعتين في الجحيم وهو يحاول قيادة مباراة جمعت الهلال السوداني بالأهلي المصري، واضطر إلى توقيف المواجهة مرات حتى يسود الأمن وتتوقف المقذوفات، ويعرف جمهور الهلال أن ملعب الكرة ليس ساحة حراك يستباح فيها الشتم الموزون والقذف المطروز.
تعرض الحكم جيد ومن معه للتهديد بالقتل وإراقة الدماء، وكأنهم أعضاء من حكومة البشير، وتم إلقاء القبض على مدون عرض الأسلحة التي كان يعتزم استعمالها في غارة على الحكم المغربي، فقط لأن إدارة فريقه كانت سباقة لرفض تعيينه لقيادة مباراة الأهلي.
تحول ملعب الجوهرة الزرقاء إلى ثكنة عسكرية، وشرعت سفارة المغرب في الخرطوم في إعداد تقارير الاعتداء الغاشم على حكم أعزل لا يملك إلا صفارة وبطاقتين، وقرأ أفراد أسرة حكامنا اللطيف على طاقم تحت رحمة الغاضبين، ولم يغمض لهم جفن إلا بعد أن تأكدوا من مغادرتهم الملعب تحت حماية المدرعات وكأنهم خارجون من مفاوضات عسكرية.
لكن في جنبات كل نقمة مكان للسخرية، فحين كان طاقم التحكيم المغربي يعيش هواجس مباراة أم درمان، توصلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم برسائل من رؤساء العصب الجهوية تحمل ملتمسا بتقليص «شرط طول الحكام» إلى ما تحت المتر والسبعين، والسماح لقصار القامة الراغبين في ممارسة هذه المهنة بدخولها دون شرط قياس الطول، الذي أبعد الكثير منهم عن حلم سكنهم واكتفوا بقيادة مباريات الأحياء واللقاءات الودية التي لا دخل فيها للقامة.
سأتقاسم معكم سطورا من رسالة بعثها أبو القاسم، رئيس عصبة سوس لكرة القدم، إلى رئيس الجامعة يطالب فيها بإسقاط شرط طول القامة لممارسة التحكيم، والتي اختار لها كعنوان «طلب إعادة النظر في طول الحكام». يقول رئيس العصبة وهو يعلل المطلب: «إننا نعتبر في عصبة سوس هذا الشرط غير قانوني ويتنافى وحقوق أهل سوس الذين يتصفون بقصر القامات». بدا رئيس العصبة الطويل القامة المربوع القد، وهو يرافع باسم قصار القامة حتى تخاله عضوا في هيئة اجتماعية، وعلى السياق نفسه عزفت عصبة الدار البيضاء التي راسلت الجامعة تطالب بإنهاء التعامل مع شرط «الطول والعرض» لحمل الصفارة، وهو القرار الذي ظل ساريا منذ 2010 دون أن يحرك أحد ساكنا. أطول حكم مغربي في تاريخ الكرة المغربية هو عبد الرحيم العرجون، وقبله محمد لاراش وبعده سعيد بلقولة، وغيرهم من الحكام الأشداء الذين تكفي قاماتهم لابتلاع لسان الغاضبين، هؤلاء كانوا يمارسون التحكيم من علو مرتفع يسهل عليهم مراقبة اللاعبين، لكن أخطاء طوال القامة فضائح بجلاجل.
على مكتب رئيس الجامعة طلبات مماثلة من عصب أخرى تناضل من أجل إسقاط قرار المتر وسبعين، ولا ترى مانعا في وجود حكم قصير القامة، فكثير من القضاة تميزوا بكفاءتهم وعدلهم بين المتقاضين رغم قصر قاماتهم. فليس «الطول هيبة والقصر خيبة» كما يقول المصريون وليس «من قرب إلى الأرض كثر شره» كما يعتقد المغاربة، والعبرة ليست بالطول، العرض والوزن بل برصيد التعبئة من النزاهة والأخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى