ثورة ورد
«الورود إذا ثارت نثرت أوراقها وريحها الطيب وجعلت المكان حولها جنانا من الجمال والبهاء.. كذلك الأنثى إذا انتفضت في وجه الجهل والقمع والتخلف والسطحية، أنتجت رياضا من الفن والعلم والأدب والرقي.
الأنثى التي تفهم أن لعقلها عليها حقا ولفكرها عليها حقا تماما كما لجسمها وجمالها، هي وحدها من تستطيع أن تتميز وتصل لما ينمو في أحلامها من طموح كبير. المرأة لم تخلق لتكون زينة نضعها على أغلفة المجلات وواجهات المحلات وإشهارات العطور والبخور.. هي قبل ذلك عقل يحتاج الغذاء.. يحتاج المعرفة.. يحتاج الحياة!
الواقع الذي يحاول إيهامنا أن أكبر هموم الأنثى رسمة كحل داكن فوق عين تضع عدسة لاصقة لامعة، وأنها لا تجد نفسها سوى في الأسواق وعند بائع الشوكولاته، هو واقع كاذب مخادع يُسوِّق لصورة غبية عن شخصية يحاول أن يفرضها بشدة لتظل إناث هذا الكوكب تحت سيطرة النوع المُراد وجوده.. شخصية سطحية لا يتجاوز فهمها سعر حقيبة ولون تنورة.
الحياة التي يوهمون المرأة بروعتها وهي بين أحضان المولات والتخفيضات وصيحات المكياج التي لا تنتهي، وهوس الجمال المقدس وإدمان التسوق والخوف من التقدم بالعمر والجنون الذي يسوقون له، من خلال تقزيم الأنثى في منحنيات وتضاريس، واختزالها في دمية يتسابق البعض لنيلها.. لا لشيء فقط لأنها تغريهم شكلا، ثم ما يلبثوا أن ينقضوا على أخرى إذا أصابهم ملل التخمة من الشكل السابق.. وهكذا.. هي حياة تسقط على رأس كل من تحياها إذا ما تقدم بها العمر وظهرت على وجهها تجعيدة صغيرة، ليلقى بها بعيدا وكأنها خردة شاخت ثم يُؤتى بغيرها.. أصغر وأجمل!
كل جمال ينتهي للاضمحلال مهما كانت درجة روعته.. إلا جمال العقل! هو وحده الذي ينجيك من السطحية ويحفظك من أن تكوني مجرد سلعة ترمى إذا ما فسدت، هو وحده الذي يضمن لك آدميتك داخل مجتمع لن تخترقيه بعقل فارغ.. هو وحده سيسمح لك بأن تستمري في طريقك إلى مالا نهاية.. هو وحده من يجعلك مستقلة واثقة.
تغذية العقل واجب كوني على كل أنثى تأديته.. هو فرض عليها تلبيته لتلبي بذلك هدف وجودها.. العقل الذي تمنحيه حقه في المعرفة هو الذي سيمنحك بدوره حقك في أن تكوني مخلوقا جديرا بحمل عقل وحمل رسالة والدفاع عن قضية.. وتحقيق هدف!
الجمال الظاهري يغدو بشاعة إذا كان حظه عقل فارغ، والعقل المتعطش للمعرفة، المتنور بالعلوم يجعل من الظاهر جمالا لا يقارنه جمال آخر.
عقولنا أمانة نرعاها، ملامون نحن إن جعلناها علبا فارغة مظلمة كل ما فيها هموم بشرية صغيرة.. الوردة التي تسقى بماء السماء فتتفتح وتزهر هي وحدها من تلهب القلوب وتسلب العقول.. والأنثى التي تسقي عقلها بعلوم الأرض فيتنور ويتقد، هي من تنشر الجمال والرقي والوعي في كل مكان.
اهتمي بشكلك ومظهرك وتفنني في ذلك، لكن تذكري أن ذلك وحده لا يكفي.. أبدا.. ففي جمجمتك عضو يحتاج منك كل الاهتمام، طالعي، وادرسي، وتعلمي، وتفتحي كوردة انتشت بعبق الربيع».