شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ثنائي الكهنوت والطاغوت

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

(الكهنوت) هم وعاظ السلاطين ورجال الدين، حيث لا رجال دين في الدين. ومفتي الجمهورية لا يختلف عن كهنة آمون في شيء سوى الاسم. أما (الجبت) فهم مثقفو السلطة المتأهبون لطلي مساحيق التجميل لوحش قاضم قارض، وتقديمه للجماهير أنه ملكة جمال العالم.

أما (الطاغوت) فهم رجال المخابرات والجندرما والحرس الجمهوري المسلحون حتى الأظفار والأنياب، الجاهزون للقتل تحت إمرة فرعون. وكلا من (الكهنوت) والكاهن، والجبت والمثقف، والطاغوت والمخابرات متفاهمون متعاونون. وفي التاريخ كان فرعون وسيد الكهنة يخرجان على جمهور مخدر؛ فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، أن فرعون من نسل الإله فتخر له الجباه ساجدين.

وفي البيان الذي أصدره الشيوعيون في مطلع القرن الفائت، تم التعبير بشكل فاضح عن حقائق مغيبة، على شكل طبقات، تمنيت أن أرسل رسمه للاطلاع، فكل له وظيفته في سيمفونية التعذيب:

ـ السلطة تحكم بالسيف والسلسال والساطور. وهي في قمة الهرم.. على شكل ملائكي بملابس ملكية جدا وعطور مخملية.

ـ وعاظ السلاطين يحللون الظلم بنصوص نزلت ضد الظلم، بلحى وقلانس وطرابيش وعمامات مختلفا ألوانها جدد بيض وحمر، مختلف ألوانها وغرابيب سود.

ـ ومثقفو السلطة يخدرون الوعي، مقابل ثمن يقبضونه ومراكز يمنحونها. فمنهم وزير للسخافة والإفساد القومي، ومنهم للتضليل الاشتراكي، وآخر من شكله أزواج لا مرحبا بهم. إنهم صالوا النار.

ـ وعساكر وضباط وجندرما ومخابرات، مسلحون بالطبنجة والغدارة والخنجر والعصا، مدربون على القتل والاغتيال، والتعذيب لدرجة القتل، من ملة الحجاج، يقتلون محافظة على النوم العام. في فروع تسعة عشر  جهنمية، من مخابرات جوية وبحرية وتحت أرضية وفضائية. لاشيء يعمل في البلد غير جهازهم، يسبقون بحذقهم دقة «ناسا» وإحصائيات «الترند»، يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تأخذهم سنة ولا نوم.

ـ وفي أسفل الطبقات عمال وفلاحون يطعمون كل الطبقات الملكية على ظهورهم طبقا عن طبق.

(واعظ السلطان) يصدر الفتوى على المقياس، حسبما أصدرها رجال الحزب والزعيم الملهم. وعلى المواطن دخول عصر المعلومات من ثقب أمني يتسع لدماغ قملة ودبيب نملة. ومن يكتب يجب أن يقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا. ومن عاش في ظل النظام العربي؛ فيجب أن يفتح كتاب النبات فيحفظ (وظائف النبات) جيدا فهذا أسلم للعاقبة؛ فالنبات يتنفس ويتكاثر، ويمكن للمواطن العربي أن يتنفس وينجب أولادا للعبودية. وفي عصر السلطان العثماني عبد الحميد، كان من حرك العوام ضد جمال الدين الأفغاني (أبو الهدى الصيادي)، مفتي الديار العثمانية. وفي عهد نابليون الثالث فتح سجن في غوايانا الفرنسية أخذ اسم جزيرة الشيطان، وبقي السجن يعمل بكامل الطاقة، بعد أن مات نابليون الثالث بدهر، فهذه هي مهزلة التاريخ، أن من يفتح ملفات الشياطين لا تغلقه دعوات الصالحين. وإذا دخلت الديكتاتورية بلدا فمات الديكتاتور، فابنه جاهز وحفيده من بعده أجهز، ليس عند العرب، بل انتقلت العدوى العربية إلى الصين؛ فأصبح البلد في قبضة حزب واحد أحد، والحزب بدوره في قبضة رجل أوحد واحد اسمه شن وجن وكيم ويونغ.

وأما (مثقف السلطة) فهو يؤكد أن الاعتقالات مؤشر صحة للأمة كما صرح بذلك الرفيق، لأنه دليل المقاومة؛ فلولا العافية في الأمة والاعتراض لما كان هناك سجون واعتقالات. وهذا يفيد بأن كندا عقيمة سياسيا، لأنه لا يوجد فيها سجون ومعتقلو رأي. وهذا المثل يذكر بنكتة المجنون الذي سئل عن الجسر: لماذا صنع؟ فأجاب: من أجل أن يمر النهر من تحته. ومناقشة مثقفي السلطة عقيمة، وتذكر بالحوار الذي جرى بين المجرم الصربي (رادوفان كاراديتش) ومراسل مجلة (دير شبيغل) الألمانية، فعندما سألوه عن اغتصاب خمسين ألف امرأة على يد الصرب قال: من فعلها هم المسلمون. قالوا: فما بال القبور الجماعية؟ قال: هي جثث الصرب؟ وهو يعرف أن الجثث لا تتكلم والقبور والجماجم لا تنطق.

وفي معركة صفين ارتج معسكر معاوية بخبر مقتل عمار، لوجود حديث يفيد بأن عمار تقتله الفئة الباغية؛ فأنهى معاوية الجدل بسرعة، وقال: من قتله هو من أخرجه للقتل. ورياض الترك الذي خرج من مدفنه بعد دفن طاغية الشام، يرى أن النظام الشمولي الذي أشرف على بنائه مجرمون محترفون؛ «نظام غير قابل للإصلاح»! وأن ما يحكم النظام الشمولي «توازن الضعف»، فالحكومة ضعيفة عاجزة، والمعارضة مفككة. وكل تغيير وزاري هو (تقليع) موظف انتفخت جيوبه بالرشوة، إلى موظف جديد فارغ الجيب. وأن النظام الشمولي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فهو يلعن أمريكا جهرا بقدر ما يتعاون معها سرا. والشعب ينتظر الخلاص بالدعاء واللعنات، مثل من يريد إطفاء حريق بانتظار سحابة صيف عابرة. وحين بلغ الاحتقان أشده فانفجرت الأوضاع وقارب النظام على الاختناق سلم البراميلي، ابن الطاغية، مفاتيح دمشق إلى القوزاق والفرس. والمهم أن تبقى العصابة في الحكم بأي ثمن ولأطول فترة. خرج جحا يوما على الناس بالسواد، قالوا له: خيرا من مات؟ قال: البارحة مات والد ابني، تقبل الله عزاءكم.

نافذة:

رياض الترك الذي خرج من مدفنه بعد دفن طاغية الشام يرى أن النظام الشمولي الذي أشرف على بنائه مجرمون محترفون «نظام غير قابل للإصلاح»

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى