شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ثلج من السماء وعُزلة فوق الأرض

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

 

التساقطات الثلجية التي عرفتها نهاية الأسبوع تسببت في تجمد حركة الطرق بين زاكورة وتنغير، وإلى حدود كتابة هذه الأسطر ما زالت الثلوج تحاصر عددا من الدواوير نواحي زاكورة.

المُلاحظ أن أغلب السيارات التي تستعمل هذه الطريق في غمرة تساقط الثلوج، لا تصلح أصلا للقيادة في مثل هذه الظروف. وطبعا العجلات التي تسير بها حاليا هي نفسها العجلات التي تُستعمل في عز الصيف، حيث تتجاوز درجات الحرارة 45 درجة في الظل. وعلى حد ما هو معروف، لا توجد قوانين مُلزمة للسائقين، سواء المواطنين العاديين أو السائقين المهنيين، بتغيير العجلات عندما تتساقط الثلوج.

سيارات للنقل العمومي متوقفة لساعات وسط الثلوج على طول الطريق الوطنية، ليست مزودة بأي نظام تدفئة يقي الركاب من البرد، في انتظار إزاحة الثلوج المتراكمة أو تراجع حدة التساقطات، وبداخلها يوجد مواطنون لكل منهم قصته.

من جديد تعود قضية النساء المعزولات في الدواوير إلى الواجهة، خصوصا وأن عادة نقل الحوامل من القرى على متن النعش الذي يُنقل فوقه الموتى إلى مثواهم الأخير، لإيصالهن إلى حافة الطريق الوطنية نحو المستشفيات الجهوية في مراكش وورزازات وتارودانت، لا تزال مستمرة ومتداولة، متعارف عليها ولا بديل لتعويضها.

تدني درجات الحرارة، في هذه الأيام التي تشهد التساقطات الثلجية، يُعيد أزمة حطب التدفئة إلى الواجهة. هل يعلم المسؤولون في الرباط أن حراس الغابات يُجرمون الحطابين الذين يُلقى عليهم القبض متلبسين بالتزود بالحطب من الغابات لتدفئة أطراف أبنائهم الصغار؟ وأنه لا يوجد أي بديل آخر أمامهم لاتخاذه مصدرا للتدفئة؟

قرى ودواوير معزولة لا يوجد بها تيار كهربائي، وحتى إن وُجد يستحيل على سكانها اقتناء آلات التدفئة الكهربائية. وحتى إن عثروا على جهاز منها أو تبرع به المحسنون، فإن تكلفة الكهرباء تقض مضجعهم.

في عز البرد لا يتردد مراقبو استهلاك التيار الكهربائي في قطع التيار عن سكان القرى الذين لم يبادروا إلى تعبئة بطاقات الاستهلاك، إما بسبب انقطاع الطرق أو المرض.

توصلنا في «الأخبار» بعدد من الشكايات من هذا النوع في عدد من القرى التي تعرف حاليا تساقطات ثلجية نواحي ورزازات.. حتى أن واحدا من الذين يرغبون في أن يصل صوتهم إلى من يعنيهم الأمر، يُشدد على مرارة المعاناة التي يضطر إلى تجرّعها كلما نزل الثلج، لأن المسلك الذي يربط الدّوار بالطريق الوطنية في إقليم تنغير يتجمد، ويتجاوز علو الثلج في بعض المواسم مترا ونصف. وفي الأخير يُقطع التيار الكهربائي عنه وعن أولاده فقط لأنه لم «ينزل» إلى تنغير لتعبئة بطاقة الاستهلاك.

سكان المدن الكبرى، ممن لا أقارب لهم في المناطق النائية، لا يعرفون أن هناك مغاربة مثلهم يؤدون واجب تعبئة عداد الكهرباء. والتعبئة الوحيدة التي يعرفونها هي تعبئة شركات الاتصالات التي تُضاعف الرصيد ما يفوق 15 مرة. بينما تعبئة عداد الكهرباء تشبه في صرامتها القانونَ الجنائي. إذا انتهت التعبئة يُعلق التزويد بالتيار الكهربائي الذي يعتبر حقا من حقوق المواطنة وشرطا من شروط العيش الكريم. فكيف يُحرم منه مواطنون عالقون وسط الجبال في ظروف صقيعية تستمر لأشهر، يصابون خلالها بكل أنواع الأزمات النفسية بسبب العُزلة.

ليست هذه سوى بداية موسم الثلوج، وهناك تساقطات أخرى مرتقبة في الأشهر المقبلة إلى حدود نهاية فبراير من العام المقبل. وطوال هذه الفترة الممتدة، توجد فترات تعرف فيها التساقطات الثلجية استمرارا لساعات، ينتج عنها انقطاع للطرق، وعزل للقرى عن محيطها بجدار سميك من الثلج، يتجاوز علوه ثلاثة أمتار في بعض المناطق، وفوق كل هذا، قد يُقطع عنهم الكهرباء، وإذا فكروا في جلب الحطب من الغابات قبل هذا «البيات» الشتوي، فعليهم الاختباء عن أعين موظفي المياه والغابات، وإلا فإن مصيرهم سيكون المساءلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى