شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

تيتانيك عين السبع

 

 

حسن البصري

يتابع في غرفة الجنايات باستئنافية البيضاء 13 شابا بتهمة سرقة تجهيزات ومحتويات باخرة جانحة، بناء على محاضر حولت نزوة شباب إلى جحيم، واستبدلت جلسة ليلية حضرت فيها نوايا المغامرة إلى ليلة في سجن عكاشة.

لنترك العدالة تأخذ مجراها ونتوقف عند جنوح البواخر، وكيف يتعامل معها سكان السواحل الأصليون كهبة مستباحة تارة، وكضيوف الله رمت بهم الأقدار في أرض الله الواسعة تارة أخرى.

كل من قادته قدماه إلى سواحل الحوزية غير بعيد عن مدينة الجديدة، سيتوقف لأخذ صور للذكرى قبالة باخرة جانحة، يصر زميلنا عبد الله غيتومي أن يسميها «تيتانيك الجديدة». قصة الجنوح تعود إلى سنة 1987، حين أرسلت سفينة فلبينية نداء استغاثة إلى سلطات الجديدة، فهرع طاقم البحرية الملكية والدرك البحري والوقاية المدنية إلى عين المكان، لإنقاذ طاقم سفينة كانت في رحلة تجارية من كوت ديفوار صوب هولندا، قبل أن تصاب بعطب في عرض المحيط قبالة دكالة.

قيل إن مسعفي الوقاية المدنية والصحة العمومية قد أنقذوا قبطان السفينة الجانحة، وهو يهم بالانتحار، إيمانا منه بمسؤوليته عن النكبة. كانت السفينة محملة بأشجار ضخمة يستخرج منها خشب «أكاجو»، إلا أن ثقل الحمولة والتيارات البحرية القوية حالا دون استمرار الرحلة، ناهيك بتقادم السفينة التي قضت في عرض البحر سنوات وسنوات.

ارتطمت السفينة بصخور الولي الصالح سيدي الضاوي، وتخلصت قبل وصولها إلى سواحل المدينة من حمولتها، تفاديا للغرق. كانت قيمة حمولة السفينة من الأخشاب تتجاوز، يومها، مليارين، وبدأت مياه البحر تلفظ، يوميا، خشب «أكاجو»، فيتم شحنها من طرف سلطات الإقليم بتعليمات من العامل، فريد الوراق، بتنسيق مع مكتب استغلال الموانئ الذي وضع مخازنه رهن إشارة السلطة.

في رواية لعبد الله غيتومي، فإن الأخشاب ظلت لمدة في مخازن الميناء، وتم ربط الاتصال بالشركة مالكة السفينة المنكوبة، قصد تأدية ما بذمتها من نفقات الحراسة، لكنها، وبحكم أنها مبالغ طائلة، تخلفت عن الأداء في الآجال الممنوحة لها، فصادرتها الدولة المغربية وباعتها في مزاد علني، دون أن تعرف الطريقة التي آلت بها عائدات الخشب لفائدة الدفاع الحسني الجديدي متعدد الرياضات، الذي أنشأه العامل الوراق في سنة 1989، وترأسه المرحوم إدريس شاكيري.

جاد البحر على الدفاع الحسني الجديدي، وتم بيع الأخشاب بطريقة لا يعلمها إلا محيط العامل، واستفاد كبار المدينة وأعيانها من «أكاجو» كوت ديفوار، ولأن رب ضارة للفلبينيين نافعة للدكاليين، فقد انتفخ رصيد الفريق وبنى مقرا خاصا به، سرعان ما حوله إلى خمارة، وأصبح العامل رئيسا فعليا للفريق و«أكاجو» راعيا رسميا للنادي، وحين نضب معين المورد البحري، تحولت سفينة «تيتانيك» إلى مزار للوافدين على المدينة يلتقطون بالقرب منها صورا تذكارية و«سيلفيات» أمام ما تبقى من هيكلها الحديدي.

حصل هذا قبل أن يولد المجلس الأعلى للحسابات، وقبل أن تفتح السجون أبوابها لهاتكي أعراض الهبات والميزانيات، وراح العامل والباشا وعلية القوم الذين استفادوا من الخشب الفلبيني دون حساب.

لم تستفد خيريات الجديدة من عائدات الهبة الفلبينية، ولم ينعم التعاون الوطني بجود البحر، بل إن عمال الإنعاش الوطني الذين سحبوا الأخشاب من جنبات البحر إلى اليابسة كان نصيبهم شكر وثناء.

في بداية السبعينيات خرجت سفينة سوفياتية عن النص عند مدخل القنيطرة، نزل طاقمها وشرعوا في مداعبة الكرة في ميناء «بور ليوطي» عند مدخل وادي سبو، في انتظار إفراغ الشحنات، تبين أن الطاقم يمارس لعبة كرة القدم المصغرة، وحين شاركهم فيها مستخدمو الميناء، قرروا إنشاء أول فريق لكرة الصالات، وأصبحت القنيطرة عاصمة ل «الميني فوت».

صحيح أن ظاهرة السطو على محتويات ضحايا حوادث السير تثير التقزز، حيث يسارع الناس إلى السطو على البضاعة قبل التفكير في إسعاف أصحابها، فما بالك بسفينة جانحة، فهذا كنز لفظه البحر.

إذا خرج دلفين أو حوت ضخم من البحر وعلق في اليابسة، يسعى الأوروبي إلى إعادته للبحر، بينما يشرع كثير من حضروا جنوحه إلى تقطيعه وتوزيعه بين الحاضرين، مع دعوة بشهية طيبة.

في مثل وقائع خروج السفن والبواخر ومراكب الصيد عن السطر، تصبح الشحنة أكثر قيمة من البشر، وغالبا ما يتداخل جنوح البشر مع جنوح السفن في لحظة من لحظات غضب البحر وتلاطم الأمواج.

يستثنى من هذه الهبات البحرية سكان المدن الداخلية، إلا التي يعبرها نهر مهدد بالجفاف ونفوق الأسماك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى