شوف تشوف

الرأي

«تويتر» وإيلون ماسك

علي سفر

مقالات ذات صلة

ستحتاج أي مقالة تُكتب عن المرحلة الجديدة في عمر عملاق
التواصل الاجتماعي، «تويتر»، بعد أن ابتاعه الملياردير
إيلون ماسك، إلى تحديثات شبه يومية، إلى أن تُنشر، وبعد أن
يحدُث ذلك، سيحتاج القارئ إلى متابعة الأخبار بشكل شبه
يومي، ومعرفة ما يجري، ليس لتزجية الوقت والتسلية، بل
لرصد (وتتبع) آليات التحول السلطوي لدى الفرد في عالمنا
المعاصر. وسيكون من المهم أيضا أن يُبنى على حالة الرجل
استنتاج مثير، يقول إن صناعة الوحشية السلطوية ليست
حكرا على دول العالم الثالث، الغارقة في أزماتها، بل إنها
خصيصة كامنة، يمكن أن تتفجر لدى الإنسان في كل زمان
ومكان.
التفصيل الذي أخر إتمام صفقة الشراء كان يتعلق بوجود
ملايين الحسابات الوهمية، بين المشتركين في التطبيق.
ورغم أن انطباعا ساد وقتا غير قصير بأن ماسك صرف
النظر عن الأمر، إلا أن الحقيقة التي بزغت فجأة عن
استحواذه عليه، أوجدت مسارا جديدا في الحديث عن حياة
الرجل الطموح وشركاته وصفقاته، ستكون السياسة وفعاليته
فيها أبرز ملامحه. وهنا سنكتشف أنه يميل إلى جهة

الجمهوريين في السياسة الأمريكية، وهو بالإضافة إلى تفعيله
الحساب المغلق للرئيس السابق، دونالد ترامب، وجه
الجمهور للتصويت ضد الديمقراطيين في الانتخابات
النصفية.
قبل هذا وذاك، يجب التوقف عند تماهيه الفاقع، من خلال
موقعه مالكا لـ«تويتر» مع شخصية الزعيم السياسي، أو
الإمبراطور، صاحب السلطة والقدرة على التحكم في مصائر
الآخرين!
فعليا، ومنذ تحول الكوكب إلى المرحلة الرقمية في التواصل،
وفي الأعمال وإدارتها، كان من الطبيعي أن يبرز على
السطح أصحاب المشاريع المتضمنة في هذا المسار، ومقابل
شرائح النخب التقليدية، كرجال الأعمال، والساسة، والقادة،
ظهرت فئة المديرين التنفيذيين الذين صنعوا التطبيقات الأكثر
استحواذا على الاشتراكات، وتحولوا بعد طرح أسهمها في
البورصات إلى مالكين، يتشاركون أموال المساهمين،
ويتسابقون في جمع الأرباح، وتكديس الثروات.
مع مساهمات ماسك الفاقعة في المشهد السياسي، وتحذيرات
الآخرين من مؤديات تدخلاته، ربما سيكون علينا توقع قيام
أفراد آخرين من نجوم وادي السيليكون بأفعال مشابهة في
سياقات أخرى!
مشكلة ماسك في أفعاله اللافتة، كتسريح نصف عدد العاملين
في المؤسسة، وفرضه رسما بقيمة ثمانية دولارات مقابل

العلامة الزرقاء للشخصيات المميزة، ليست في إجرائيتها،
فهي حق للمالك، صاحب القرار، وسبيل للربح بعد دفع مبلغ
خرافي ثمنا لـ«تويتر»، بل إنها ترتسم في تمثل تصرفات
الديكتاتور، في السياق الواقعي الذي نعرفه من خلال مآسي
البشر، وفي السياق الخيالي الذي صنعته روايات الديستوبيا،
فهو المراقب أو الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل
الشهيرة «1984»، الذي يقرر من الشخص الجيد وسط
الجموع، وهو يصعد من تفاصيل هذه الصورة، عبر إضافة
خاصة تقوم على تصور وجود حياتين على مواقع التواصل،
حياة مدفوعة الأجر، يمكن المشترك فيها كمثال الحصول
على كل ما يرغب به، ومن ذلك معرفة من يزور صفحته،
ويطلع على تفاصيل حيوات الزائرين بشكل أحادي الجانب!
وحياة مجانية لا يتمكن صاحبها من فعل شيء سوى أقل
القليل!
في جانب مرضي من تكوين الشخصيات السلطوية، يشعر
المصاب بهذه الآفة بأنه أقرب إلى الإله، فهو يقرر مصائر
الآخرين، فإما أن يموتوا بقرار منه وإما أن يعيشوا، وإذا
حصلوا على هذه المنحة، عليهم الانصياع الكامل لما يقرره
وينويه!
إنه يرى أن أفعاله تؤثر حتى في السياق التقني، لقد قال إنه
يستخدم تطبيق «كلاب هاوس» للحوارات الصوتية، فتبعه
إليه مئات الملايين من البشر، وارتفعت قيمته. وحين ننظر
إلى ما يحدُث في «تويتر» من هذه الزاوية سنجد مفارقة

كبيرة لجهة أن التقنيات والتطبيقات التي منحت حياتنا
المعاصرة بعضا من ملامح الديمقراطية، عبر تداول الآراء
والجدالات المفتوحة من دون قيد أو شرط، ستتحول شيئا
فشيئا إلى صورة أخرى عن المجتمعات المنغلقة المقيدة،
بسبب انفلات أصحابها في فضاءات الديكتاتورية والقمع.
كان ماسك منذ سنوات يروج الاستثمار في كوكب المريخ،
وقد اختطت شركته «سبيس إكس» مسارا مختلفا عبر إعادة
تدوير الصواريخ حاملة الشحنات صوب الفضاء، ما قلل من
كلفة الاستثمار فيه، وبينما تفجرت فضائح عن بيع عملاق
التواصل الاجتماعي الآخر «فيسبوك» معلومات المشتركين
إلى الشركات التجارية، سيذهب ماسك إلى جذر القصة،
فلماذا يُنهك نفسه بالتنقيب عن المعادن في الكوكب الأحمر،
ما دام الناس يأتون راضين إلى تطبيقات كهذه، ليكونوا مادة
مجزية للاستثمار، رغم التحذيرات المعروفة عن احتمال
انتهاك الخصوصية؟ ولماذا تستدعي حقوقهم من أصحابها
كل هذا الجهد لاحترامها؟ إنهم يرغبون في أن يكونوا رعايا
في هذه الإمبراطوريات!
لقد اشتراهم بعد أن طرد أصحاب الحسابات الذين يتخذون
أسماء وهمية، وبات لديه مؤيدوه في كل ما يفعل! وكما كان
لترامب نصف عدد المصوتين في الانتخابات الأمريكية
السابقة، سيتنامى عدد أصحاب مذهبه في السيطرة!
نافذة:

مع مساهمات ماسك الفاقعة في المشهد السياسي وتحذيرات
الآخرين من مؤديات تدخلاته ربما سيكون علينا توقع قيام
أفراد آخرين من نجوم وادي السيليكون بأفعال مشابهة في
سياقات أخرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى