شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تونس والدرس الكويتي

للخبر قيمته الثمينة، موجزه أن المحكمة الدستورية في الكويت قضت، في 19 مارس الحالي، ببطلان انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) في شتنبر الماضي، واعتبارها «كأنها لم تكن»، وبعودة المجلس السابق عليه، المنتخَب في 2020 وجرى حله، وذلك لأن الخطوات التي اتخذت في حله «غير متسقة مع نصوص الدستور». وبعيدا عما انشغل به معلقون بشأن ما إذا كانت الكويت ستعبُر، بعد هذا الحكم، الاستثنائي عربيا، إلى أزمة جديدة، أم ستعبر إلى فرصة لتحقيق استقرار في إدارة الخلافات بين الحكومة وكتل برلمانية، فإن الأهم أن احتكاما إلى مؤسسة قضائية ودستورية جرى في البلد الخليجي الذي يعرف الحياة البرلمانية منذ 1962، والذي كان، في أطوار مضت، وربما راهنة أيضا، مختبرا خاصا للأفكار الليبرالية والتطلعات الديمقراطية والتوجهات الإسلامية في منطقة الخليج، واتصفت الحياة السياسية فيه، على الرغم من توترات وأزمات عارضة (ورتيبة أحيانا)، بالتسامح والحيوية. ويحسب لنخبته، ولقيادته أيضا، أنه حوفظ على مؤسسة البرلمان التي أتيحت فيها نقاشات جريئة وشجاعة، وعلى أصول وتوافقات وتفاهمات من أجل صيانة المسار البرلماني، بل ومن أجل حماية توجهات مجتمعية، تبرز وتخفت أحيانا، إلى ديمقراطية أعمق وأصلب عودا، متمكنة ثقافة وممارسة، سيما وأن نزوعات محافظة، سلفية وإخوانية ومتشددة، تتمدد في الحياة العامة، وصار لها نفوذها في تصعيد منتخَبين إلى قاعة البرلمان.

أما في تونس، فقد استأنس الرئيس قيس سعيّد، الذي ينشط بهمة ومثابرة، وبنجاح يغبط عليه، في هدم كل مؤسسات البناء التمثيلي والديمقراطي، بل وأيضا مؤسسات الرقابة والعدالة والإدارة والتسيير والتخطيط، استأنس هذا الرئيس، بِشِعْرٍ لأبي العتاهية، في خطاب كُتب بالريشة بخط مغربي، في رفضه مشروع قانون لإنشاء المحكمة الدستورية في البلاد في أبريل 2021. وكانت فعلته تلك من أولى ضرباته التي باشرها في العبث الذي جرف فيه الحياة السياسية في بلد كان يعِد العرب بتمرين ديمقراطي، اشتهوا أن يصيبوا منه وفيه نجاحا في اختبار قدرتهم على إنجاز مبنى ديمقراطيٍ عربي ناهض، حتى جاء هذا الرجل الذي يُزعَم أنه أستاذٌ للقانون الدستوري، وأطاح هذا الحلم الخفيض السقوف. بدأ تخريبَه المتواصل، والذي انكشف عن نزوعٍ بوليسي ظاهر، برفض إقامة محكمة دستورية، كما التي في كل بلد (تقريبا)، ويختَصم إليها في شؤون غير قليلة، كما التي مضى فيها الرئيس المذكور عندما أجهز على البرلمان المنتخب، وصاغ دستورا من عندياته، لتتوالى صنائعه الكاريكاتورية إياها، من قبيل ذلك الاستفتاء الإلكتروني مثلا، ثم «انتخاب» برلمان بديل وعجيب، بنسبة تصويت 11 في المائة ممن يحق لهم الاقتراع، إلى غير ذلك من متواليات في مراسم وأوامر (تصاغ أحيانا بقلة أدب ونقصان تهذيب)، منها أخيرا حل المجالس البلدية (دستوره نفسه المعلن في 2022 لا يمنح رئيس الجمهورية صلاحية حل المجالس البلدية المنتخبة!).

منازعات بعض النواب واستعراضياتهم في غير برلمان في الكويت، وخصومات مفتعلة (وأخرى محقة طبعا) مع وزراء، وكذلك ما تبين من بطلان إجراءات تنظيمية وإدارية في غير اقتراع انتخابي، كانت من أسباب الأخذ بحل عشرة برلمانات (من بين 16 منتخبة) في الكويت بمراسيم أميرية منذ المجلس التأسيسي في 1962، وعلى ما أحدثه هذا كله من نفور في المجتمع من السياسة وأهلها في البلاد، إلا أن صاحب القرار لم يبتدع قوانين وأوهاما يبني عليها مراسيم وأوامر تجيز له تخييط دستور من بنات أفكاره، ولا إلغاء برلمان لطبخ برلمان أبكم بناء على تفصيل قانون انتخابات على مزاج فردي، ثم يُؤتى بالنواب المنتخبين إلى المجلس، وكأنهم مأمورون وتحت وصاية بوليس يراقبهم، وحرمان الإعلام (ربما أفضل؟) من معرفة ما يصنعون، وكأنهم في طوطم عجيب. ولما شوهد هذا كله (ثمة غيره لم يُشاهَد) في تونس، وشوهد احتكام الجميع في الكويت لأمر بات من المحكمة الدستورية، إلغاء برلمان منتخب لأنه بديل عن آخر منتخب لم تكن أسباب حله موجبة، صار جائزا، بل ومطلوبا على الأصح، أن يتعلم التونسيون من هذا الدرس الكويتي.

ركيكٌ كل الكلام إن بؤس أداء البرلمانيين والسياسيين في تونس هو ما «سوغ» قبولا لإجراءات قيس سعيّد منذ 25 يوليوز 2021 (الأصح منذ ما قبلها)، فأمر كهذا لا يجيز أن يساق بلد إلى الخرابيْن، الاقتصادي والسياسي، الماثليْن، وإلى تحكم شخص جاءت به الأقدار رئيسا، كلامه رجع صدى لقولة معمر القذافي إبان الجماهيرية العظمى: «ليس من دولة ديمقراطية في الكوكب بأسره إلا ليبيا».

معن البياري 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى