لمن لم يفهم بعد، وضع الرئيس التونسي قيس سعيّد النقاط على الحروف في خطابه الذي ألقاه في ولاية المنستير، بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس بورقيبة. كان واضحا جدا، كلماته غير قابلة للتأويل. أجاب عن مجموعة من الأسئلة المعلقة في البلاد حاليا، والتي تشغل الرأي العام.
نفى الرئيس ما يُقال داخل تونس وخارجها بأن الدولة مهددة بالسقوط. وهي فرضية لم تعد مطروحة فقط من المعارضة، بل أصبحت متداولة على الصعيد الدولي، وداخل اجتماعات كبار المسؤولين المهتمين بالشأن التونسي، مثل الاتحاد الأوروبي.
هو يعتقد أن المؤسسات والوزارات ما دامت تعمل بشكل عادي فإن الدولة بخير، كل ما في الأمر أن هناك «لوبيات وعصابات مافيوزية ما زالت متنفذة داخل الدولة تعمل على إسقاطها». وبالتالي، يكفي القضاء على هذه اللوبيات حتى تنتفي العوائق المعطلة للدولة والتنمية…
يتعلق السؤال الثاني بالحريات وحقوق الإنسان، وهو ملف أصبح ملازما لكل حديث عن تونس، ويشغل المنظمات الحقوقية والسياسية بالداخل والخارج. ينفي الرئيس وجود مشكلة من هذا القبيل، ويراها ملفا وهميا، وجزءا من المؤامرة على البلاد، وتحديدا عليه شخصيا، لأن هؤلاء المساجين السياسيين هم في الحقيقة مجرمون «أياديهم ملطخة بالدماء، وليسوا معتقلين سياسيين».
يعني ذلك أن تونس خالية من سجناء رأي. أكد ذلك الرئيس، رغم أن القضاء لم يثبت بعد وجود أي دليل مادي يثبت تورط هذه الشخصيات السياسية في عملية عنف منسوبة إليها، كما أن تقارير دولية تُجمع على وجود سجناء رأي بتونس.
يتعلق السؤال الثالث الذي أجاب عنه الرئيس بمبادرة الاتحاد التونسي العام للشغل، بمعية منظمات للمجتمع المدني، وتتعلق بالحوار الوطني الذي ترى فيه هذه الأطراف قارب النجاة لتونس. قال سعيّد بكل بساطة: «إذا كانت هناك مبادرة للحوار الوطني، فلماذا يوجد برلمان؟». وأغلق القوس بالتأكيد على أن الحوار «يتم في البرلمان، وهي مهمة المشرع المتمثلة في المصادقة على مشاريع القوانين». وبذلك يكون قد أسدل الستار على مبادرة الاتحاد التي راهن عليها كثيرون.
ونسي في هذه العملية الحسابية أن الرئيس صنع برلمانه الخاص به، وهو هيئة منسجمة مع سياسته، ومن له رأي أو مقترح فما عليه إلا أن يتوجه إلى البرلمان الحالي يعرض عليه ما يريد وينتظر أن يدرسه الأعضاء، ويحولونه إلى مشروع قانون، ثم التصويت عليه، قبل إحالته إلى رئيس الدولة للتوقيع عليه إن رآه صالحا!
المسألة الأخرى، وهي الأخطر، تتعلق بالأزمة المالية والاقتصادية التي تهدد مستقبل البلاد والعباد. لم يتغير جواب الرئيس، رغم التهديدات التي تواجهها البلاد: «الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي لمزيد التفقير مرفوضة»، واعتبر أن البديل هو أن يعول التونسيون على أنفسهم، و«أن السلم الأهلي ليس أمرا هينا». وهو جواب جميل، يستعمله في الغالب الثوريون والمتمردون على النظام الدولي.. لكنه لا يفيد في تقديم حلول واقعية وممكنة.
يطلب الرئيس من التونسيين الصبر والتحمل والتنازل عن المطالبة بحقوقهم، بحجة أن إمكانات الدولة لا تسمح بنفقات إضافية. لكن التعامل مع صندوق النقد الدولي أمر لا مفر منه، وهو ما يحاول جميع المتدخلين أن يقنعوا به الرئيس سعيّد دون جدوى.
الأزمة مرشحة لمزيد من التفاقم، والمستقبل يبقى غامضا. لن يكون هناك انفراج سياسي. العلاقة بين السلطة ومنظمات اتحاد الشغل ستبقى بين مد وجزر. تونس في انتظار حلول.. سحرية!
صلاح الدين الجورشي