تمرد إفريقي ضد ماكرون
يوما بعد الآخر تخسر فرنسا ما تبقى من نفوذها في القارة الإفريقية، حيث أصبحت تواجه مشاعر معادية ومواقف احتجاجية ضد منطقها الاستعماري المتعالي، فيما يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببشاعة إلى تغذية المواقف الرافضة لسياسة باريس بتصرفات استفزازية وقاموس استعماري متجاوز.
فمن المغرب الذي عبر عن رفضه الصريح والتام لميولات السياسة الماكرونية الرامية إلى جعله حديقة خلفية، مرورا بالغابون ومالي وبوركينا فاسو والكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى امتدت المشاعر المعادية لفرنسا، حيث عرضت الرئيس ماكرون لانتقادات شديدة بسبب قبضته الخانقة على سيادة الدول ووحدة أراضيها واستقرارها السياسي والاقتصادي، ولا شك أن الحرب الكلامية التي نشبت بين الرئيس الفرنسي وجمهورية الكونغو خلال الندوة الصحفية توضح بجلاء أن كأس الدول الإفريقية التي لم تعد تقبل الدروس من أحد قد فاض من سياسة المناورة التي تقوم بها باريس للحفاظ على ما تبقى من نفوذها.
والأكيد أن فرنسا ستواصل حصد الخسائر السياسية والدبلوماسية التي تشير إلى حالة فشل رئيسها في الحفاظ على شركائه وبات من الملح على صناع القرار في قصري الإليزيه والماتينيو القيام بمراجعة مستعجلة في سياساتهم وقراراتهم، وفي ضوء اتساع رقعة التمرد الإفريقي ضد فرنسا التي أعادها الرئيس ماكرون للعيش في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، حيث كانت فرنسا تتحكم في مصير الدول الإفريقية بعمليات التدخل العسكري وتغذية الانقلابات والمساعدات المالية.
فلا شيء اليوم يجعل من الدول الإفريقية تقبل استمرار هذا المنطق البالي في تدبير العلاقات بين الدول، وما لم يفهمه ماكرون، أن قرارات الدول الإفريقية بالخروج من القبضة الفرنسية ليس نابعاً من النخب السياسية فحسب، بل أيضاً من مطالب الشعوب الإفريقية وتوجهاتها التي عبرت عنها من خلال التظاهر ضد الوجود الفرنسي على أراضيها أو اتخذت قرارا بالتجميد العملي لعلاقاتها الدبلوماسية مع باريس.
إن قرارات الدول الإفريقية والمغرب، تجاه السياسة الفرنسية المتعالية والرمادية، تؤكد بأنها مصممة على تمسكها بسيادتها ووحدتها وقرارها السياسي في الدرجة الأولى بتنويع شركائها وهذا الأمر يرتبط بنظرة مستقلة وسيادية للدول في ظل مسرحٍ عالمي جديد تبحث فيه كل الدول لتكون أكثر فعالية من غيرها وأكثر حضورا في صناعة عالم الغد.