محمد اليوبي
تزامنا مع وجود لجنة من المفتشية العامة للمالية لإجراء افتحاص وتدقيق للحسابات بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حصلت «الأخبار» على معطيات تخص تقريرا أنجزته لجنة مركزية داخلية للافتحاص، وهو التقرير الذي رصد اختلالات وتلاعبات شابت صفقات وسندات الطلب.
وحسب نتائج الافتحاص الواردة في التقرير المنجز من طرف اللجنة التي شكلها المندوب السامي، مصطفى الكثيري، فإن العدد الإجمالي لسندات الطلب المتعلقة بتجهيز فضاءات الذاكرة، موضوع شبهات التلاعب والاختلاس، محددة في 13 سندا للطلب، موزعة على سبعة سندات طلب برسم سنة 2021، وثلاثة سندات طلب برسم سنة 2022، والعدد نفسه برسم سنة 2023، وتناوب على إنجازها ثلاثة مزودين كانوا يتناوبون على تقديم عروض أثمان أقل تكلفة، حيث استفادت شركة «L.C.O» من سبعة سندات، فيما استفادت شركتان هما «U.L» و«A.B» من ثلاثة سندات لكل واحدة منهما، والمثير أن اثنتين من الشركات الثلاث هما لشخصين من العائلة نفسها.
ووقفت لجنة الافتحاص على معطيات صادمة، منها أن رئيس القسم المسؤول قام بالتأشير على التسوية المالية لبعض سندات الطلب قبل تسلم جميع التوريدات كاملة المرتبطة بها، وهو ما اعتبرته اللجنة في تقريرها خطأ جسيما وغير مبرر ويعد إخلالا بالمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل.
ومن جملة الاختلالات الجسيمة التي وقفت عليها اللجنة ذاتها، في تقريرها، تسلم التوريدات على شكل دفعات وعلى مراحل متباعدة، ما خلف ارتباكا كبيرا في عملية ضبط الموجودات وتدبير عملية التوزيع على الفضاءات المعنية بها حسب اللجنة ذاتها، إذ هناك من استمر الأمر أكثر من ثلاث سنوات ولم يتم تسلمه إلا بعد تفجر الملف، معللا سبب التسوية المالية لسندي الطلب قبل تسلم الإطارات والصور بحرص الإدارة على تفادي ضياع الاعتمادات المالية الخاصة لهذه الغاية.
حجم التلاعبات في السندات لم يقف عند هذا الحد، إذ في خرق سافر لكل المساطر والمقتضيات الإدارية، تولى رئيس القسم، الذي لا علاقة ولا اختصاص له بملف التجهيزات والصفقات، إعداد رسائل الاستشارة واستصدار عروض الأثمان بنفسه، في مخالفة صريحة للضوابط المعمول بها. وحسب مصادر من داخل المؤسسة، فقد استمد هذا المسؤول تلك القوة من خلال قربه وعلاقته الخاصة بالمندوب السامي، وهو ما يجعل المسؤولين الآخرين يتقون شره، رغم ما شاب هذه الصفقات من إخلال بقواعد الحكامة والشفافية في اختيار العروض، بل إنه، بعد تفجر القضية، اكتفت اللجنة، بتوجيه من المندوب السامي، بدعوة رئيس القسم للكف عن القيام بذلك، والاكتفاء بتوجيه طلب التعبير عن الحاجيات المطلوبة لتوجيهها للقسم المختص وهو قسم الشؤون الإدارية المخول لها قانونا الشروع في الترتيبات المتعلقة بالطلبية العمومية.
ووقفت اللجنة، أيضا، على غياب لصور وملصقات رغم أن الوصولات والوثائق تفيد بتسلمها من قبل رئيس القسم، وهي الخاصة بسند الطلب رقم 18 المبرم برسم السنة المالية 2021 والمخصص للطابق الثالث للفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، والغريب في الأمر أن اللجنة اعتبرت ذلك مجرد مخالفة للضوابط القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، وأوصت باتخاذ الترتيبات الضرورية الآنية لمعالجة الموضوع.
لكن وجه الغرابة في تقرير اللجنة، حسب مصادر من المندوبية، هو أنها رفضت البحث في سبب تفاوت الأثمان والارتفاع غير المبرر للطلبيات التي أشرف عليها المسؤول المذكور وكيف أن هناك تضخما يقتضي فتح تحقيق آخر للوقوف على أجوبة لذلك، فاللجنة اكتفت في تقريرها بعبارة «أنها لم تقم بالدراسة والتدقيق في الملفات المحاسباتية لسندات، وخاصة رسائل طلب عروض الأثمان وعروض الأثمان وسندات الطلب والاستلام والفواتير وأرقام وتواريخ هذه الوثائق»، كما اقتصرت اللجنة، في عملية الافتحاص، على سنوات 2021 ،2022 و2023، دون الرجوع إلى السنوات السابقة التي كان فيها رئيس القسم المعني نفسه هو رئيس المصلحة المكلفة بشكل مباشر بتدبير وتسيير الفضاءات والمتاحف.
وفي تبريراته لما وقفت عليه اللجنة من خروقات واختلالات جسيمة، برر المسؤول ذلك بالظروف التي فرضتها جائحة كوفيد19، والتي جعلت، بحسبه، مادة الخشب غير متوفرة بالسوق، وكذلك لطلبات المندوب السامي منه لضرورة التحقق من محتوى التعاليق التي تحتويها الصور قبل عرضها، ما أخر الطلبيات والأشغال، وهذا، بحسب مصادر، غير صحيح، فالطلبيات ما كانت لتصل من الأساس، والدليل أن رئيس القسم المذكور انتظر سنتين أو ثلاث سنوات حتى تفجر الملف، ليسارع للاتصال بالمقاول، وذلك لمحاولة تدارك الأمر وقبل افتضاح الملف، واعترف، خلال الاستماع له من طرف اللجنة، بأن الإطارات تم إنجازها منذ مدة، لكنه تفادى إحضارها للمؤسسة حسب قوله «في غياب نسخ الصور مخافة تعرضها للكسر والإتلاف وفضل إبقاءها لدى المزود إلى حين إضافة الصور إليها»، وحسب رده، كما جاء في تقرير لجنة الاستماع، أنه بعدما دعت الضرورة لإحضارها تعهد بأنه سيقوم بالمتعين في أقرب الآجال الممكنة، كون الخدمة منجزة سلفا.
وتفجرت فضيحة أخرى بالمندوبية، تستدعي فتح تحقيق، ويتعلق الأمر باستغلال حقوق الصور وعرضها بشكل غير قانوني في فضاءات الذاكرة التاريخية، ومعظمها مأخوذ من مواقع الأنترنت، خاصة من موقع عالمي مختص في الصور، ولذلك فمعظم الصور التاريخية المعلقة في فضاءات ومتاحف المؤسسة الموزعة في مختلف مناطق المغرب تجد عليها العلامة الزيتية لهذا الموقع، يتم استغلالها من قبل المندوبية بطريقة غير قانونية.
وأكدت المصادر أن جهات سيادية سبق أن نبهت لهذه المسألة، لكن دون جدوى، حيث إنه خلال أحد العروض الخارجية للصور والمعروضات التاريخية للمقاومة، أثار الأمر نقاشا حول مدى قانونية استغلال المندوبية السامية لصور تابعة لمؤسسات أجنبية حول تاريخ المقاومة بالمغرب، وما مدى أخلاقية وشرعية ذلك، لكن رغم هذا التنبيه استمرت المؤسسة في طباعة وعرض هذه الصور وتوقيع صفقات وسندات الطلب لطبعها، وهو ما يعتبر اعتداء على حقوق طبع ونشر مؤسسات أخرى، وهي الممارسات التي يجرمها القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.