هناك اتجاه جديد وسط رجال الأعمال البريطانيين وأثرياء الفن، يخططون للتقاعد المريح في المغرب، بدل «الموضة» القديمة التي كانت تقود أغلبهم إلى الاستقرار في سن التقاعد بالجنوب الإسباني.
ما الذي يجعل هؤلاء الأثرياء والفنانين والكُتاب والدبلوماسيين القدامى، يختارون المغرب بدل جنوب إسبانيا حيث الأحياء الراقية وتجمعات رجال الأعمال من مختلف الجنسيات؟
بعض المقالات التحليلية، التي تطرقت للموضوع، أشارت إلى أن أحداث سنة 2020 وطريقة تعامل الحكومة الإسبانية مع المُسنين الذين ماتوا بالآلاف، خلال بداية انتشار وباء كورونا، جعلت هؤلاء السياح يفقدون الثقة في المنظومة الصحية الإسبانية والإيطالية أيضا.
سُجل هذا في وقت كانت السفارة البريطانية في الرباط قد خصصت رحلات استثنائية لإجلاء مواطنيها من أكادير وفاس والدار البيضاء، ورغم أن الرحلات كانت مجانية إلا أن بعض المواطنين البريطانيين رفضوا العودة إلى بلدانهم وقرروا البقاء في المغرب.
جل هؤلاء البريطانيين يقومون باقتناء منازل مغربية على الطراز القديم، ويرممونها ويجعلون منها دور ضيافة، ويفتحونها في وجه السياح الأجانب ويعيشون في أحياء شعبية في مدن مثل فاس ومراكش وطنجة، حيث يصرفون معاشات تقاعدهم التي تصرفها لهم حكومة بلادهم، بل هناك من حوّل كل مدخراته المالية إلى المغرب.
والحقيقة هي أن هذه «الموضة»، التي تحدثت عنها صحف المجال السياحي في بريطانيا مؤخرا، ليست كذلك، بل هي تقليد قديم لدى عدد كبير من العائلات من المملكة المتحدة منذ بداية القرن الماضي، إذ إن عائلات بريطانية لا تزال فعلا تملك عقارات في المغرب رغم وفاة مُقتني تلك العقارات وعودة أبنائهم إلى بريطانيا قبل قرن أو أكثر.
والمثال من المدينة القديمة في فاس، حيث لا تزال بعض المنازل الآيلة الآن للسقوط شاهدة على الهندسة التي خطط لها البريطانيون الذين كانوا يسكنون في فاس قبل أن تدخل فرنسا إلى المغرب.
والأمر نفسه ينطبق على المدينة القديمة في طنجة، حيث توجد عقارات إلى اليوم، منها بعض العمارات السكنية التي تقطن بها عائلات مغربية اشتغل أجدادها سابقا لدى هؤلاء البريطانيين. ومنذ خمسينيات القرن الماضي، لم يسأل أحد من ورثة الملاك الأصليين عن تلك العقارات، وبقيت الأسر المغربية تستغلها إلى اليوم.
هناك عمارات في مدينة طنجة يعود تاريخ بنائها إلى 120 سنة، ولا تزال صالحة للاستغلال، ويظهر بوضوح أنها بُنيت على الطراز البريطاني وليس الفرنسي.
اليوم، هناك مُلاك بريطانيون جدد يقتنون العقارات في المغرب، في الشمال كما في الجنوب، ويخططون لقضاء ما تبقى من حياتهم بعيدا عن الثلج وتعقيدات الأوراق الإدارية التي تُذكرهم بدور العجزة الكئيبة.
عند عتبات أبواب منازل المدن القديمة في المغرب، قد يجلس المُلاك البريطانيون الجدد للحصول على حمام شمس، وهم يعتقدون أنهم فازوا بعقار مغربي، فيما بقليل من البحث، قد يكتشفون أنهم أعادوا فقط اقتناء منزل تركه مواطنون من بلادهم قبل نصف قرن.
وفي الوقت الذي يستغرب فيه بعض الأشقاء العرب من سر «التناغم» الأخير بين بريطانيا والمغرب بعد انسحاب الإنجليز من الاتحاد الأوربي، يكفي فقط أن نستحضر أن الماء لا ينسى أبدا مجراه، وأن الأمر يتعلق بتقليد قديم، لا تزال أسر بريطانية كثيرة تحتفظ بأرشيفه في مكتباتها.
وقبل أيام فقط، عرضت محتويات مكتبة قديمة ضواحي لندن، بينها رسائل بين مسؤول في البرلمان البريطاني سنة 1924، وبين زميل له اختار التقاعد في مدينة طنجة، حيث كانا يتبادلان الرسائل لمدة تتجاوز عشر سنوات وكان يحكي فيها يومياته في المغرب وكيف أنه قرر أن يُدفن في المغرب وأوصى ألا يُنقل جثمانه أبدا إلى بلاده حتى لو أصر ورثته على ذلك.