شوف تشوف

الرئيسيةخاصسياسية

تفاصيل تحركات الحكومة لتسريع إصلاح أنظمة التقاعد

وصفة جاهزة لإنشاء نظام معاشات أساسية مقسم إلى عام وخاص

تعتزم الحكومة طرح مشروع لإصلاح أنظمة التقاعد، خلال الدورة الخريفية للبرلمان هذا العام. وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في تصريح للصحافة أعقب توقيع اتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية في 29 أبريل، إنه «تم التوافق بشأن المبادئ الأساسية لتنزيل إصلاح أنظمة التقاعد، الذي ستتم مواصلة مناقشته في أفق عرضه على البرلمان».

مقالات ذات صلة

 

لمياء جباري

 

 

مكن الاتفاق الاجتماعي الموقع مع المركزيات النقابية الرئيسية، في أبريل الماضي، من التوصل إلى توافق حول المبادئ الأساسية لتنفيذ هذا الإصلاح. يتعلق الأمر بشكل أساسي بإنشاء نظام معاشات تقاعدية مقسمة إلى قطبين، عام وخاص بدلاً من الأنظمة الخمسة (العامة وشبه العامة والخاصة والعسكرية والتكميلية) المعمول بها حالياً. الأمر يتعلق، في المقام الأول، بضمان استمرارية المعاشات التقاعدية على المدى الطويل، في وقت تظل المخططات الأساسية الرئيسية، مثل نظام المعاشات المدنية لصندوق التقاعد المغربي، في وضع محفوف بالمخاطر، بل ومثير للقلق.. وهو ما لا يترك مجالا للمماطلة، خاصة من جانب بعض النقابات التي تتلاعب بالوقت ويبدو أنها تنكر حقيقة الأرقام. وتم، أخيرا، التذكير بالحاجة الملحة لهذا الإصلاح من قبل لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية، وهي هيئة تضم بنك المغرب و«أكابس» والهيئة المغربية لسوق الرساميل.

وأشارت اللجنة، خلال الاجتماع التاسع عشر للجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية، أن الأنظمة الأساسية الرئيسية لنظام التقاعد ظلت تعرف وضعية مالية صعبة، معتبرة أنه من المتوقع أن يمكن تطبيق القرارات الأخيرة المتعلقة بالأجور المتخذة في إطار الحوار الاجتماعي (29 أبريل 2024) من تأجيل طفيف لأفق نفاد احتياطات نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، لكن دون ضمان استدامتها على المدى الطويل. وبالنسبة للنظام العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن تخفيض المدة الدنيا للاشتراك التي تعطي الحق في المعاش من 3240 إلى 1320 يوما، سيؤدي إلى تقريب ظهور عجز عام في النظام ونفاد احتياطاته، ببضع سنوات. وهكذا اعتبرت لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية أنه من الضروري تنفيذ الإصلاح النظامي لهذا القطاع، من خلال وضع نظام بقطبين أحدهما عمومي والآخر خاص، تم تحديد توجيهاته الاستراتيجية أيضا في الاتفاق المبرم في إطار الحوار الاجتماعي المذكور. وبحسب المصدر ذاته، سيمكن هذا الإصلاح من وضع تسعيرة لأنظمة التقاعد قادرة على امتصاص جزء كبير من التزاماتها السابقة غير المغطاة.

 

عجز الصناديق الثلاثة بحوالي 10 ملايير درهم

يقوم نظام المعاشات المدنية في المغرب على ثلاثة صناديق أساسية: الصندوق المغربي للتقاعد يدير معاشات الموظفين الحكوميين، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يدير معاشات العاملين في القطاع الخاص والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد يختص بمعاشات العاملين في الجهات الحكومية المحلية. وبلغ العجز في النظام المدني لمعاشات الصندوق المغربي للتقاعد حتى نهاية سنة 2022 نحو 5.12 مليارات درهم (حوالي 500 مليون دولار) وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات، كما تراجعت احتياطاته إلى 65.84 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار)، بانخفاض يقدر بـ10.7 مليارات درهم (حوالي مليار دولار) بالمقارنة مع عام 2019. فيما بلغ العجز بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ما يقارب 3.95 مليارات درهم (حوالي 395 مليون دولار) نهاية سنة 2022. أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فكشف التقرير أنه يعرف بدوره وضعية مختلة ولو بحدة أقل، حيث بلغ عجزه قرابة 400 مليون درهم (حوالي 40 مليون دولار).

من جهته، كشف تقرير المرصد المغربي للعمل الحكومي، في دراسة أصدرها الأسبوع الماضي عن حالة صناديق التقاعد، أن الصندوق المغربي للتقاعد سيستنفد احتياطاته بحلول سنة 2028، وذلك راجع بالأساس إلى حجم الدَّين الحالي المرتبط بالحقوق المكتسبة في الماضي، حيث سيحتاج هذا الصندوق 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) على أساس سنوي لمواصلة الوفاء بالتزاماته، أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فمن المرتقب أن يصل أمد استدامته إلى عام 2038، فيما يظل أمد استدامة النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لمدة أطول حيث سيصل إلى عام 2052 على الرغم من العجز الذي يعاني منه وذلك راجع بالأساس إلى المستوى المهم من احتياطاته (135 مليار درهم) (13.5 مليار دولار)، والتي تمكنه عوائدها المالية المهمة من تجاوز العجز.

 

وصفة الإصلاح جاهزة

أكدت مصادر حكومية أن وصفة إصلاح أنظمة التقاعد أصبحت جاهزة، ومن المنتظر عرضها على المركزيات النقابية لإبداء الرأي بشأنها، قبل إحالة المشروع على المجلس الحكومي للمصادقة عليه. وفتحت الحكومة، من جديد، ورش إصلاح أنظمة التقاعد، حيث ترأس رئيسها عزيز أخنوش، شهر مارس الماضي بالرباط، جلسة عمل ‏خصصت لتدارس الملف، الذي تعتزم الحكومة تنزيله خلال السنة الجارية، استعداداً لجولة الحوار الاجتماعي القادمة.

وقدمت وزيرة المالية، أمام رئيس الحكومة، عرضا حول الوضعية الحالية لصناديق التقاعد، المطبوعة بتعددها واختلاف هيكلتها وإطارها التنظيمي. وطرحت المسؤولة الحكومية سيناريوهات الإصلاح الممكنة، التي تراعي مصلحة جميع الأُجراء، وتضمن ديمومة صناديق التقاعد تكريسا لأسس الدولة الاجتماعية. وأكدت المصادر أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد أصبح يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028.

وفي هذا الصدد، تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد خلال السنة الحالية، إذ شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه، وخلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد.

 

14 مليار درهم سنويا للصندوق المغربي للتقاعد

قدمت وزيرة الاقتصاد والمالية تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية احتياطاته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام. وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليارات درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطاته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني. وبالنسبة للقطب الخاص، يتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89 بالمئة، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة، وينتظر أن يستعمل النظام احتياطاته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على حد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، ناهيك عن أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا، لكنه، بالمقابل، يثقل دينه الضمني.

وأكدت الوزيرة أن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد أصبحت مهددة، إذ يواجه الصندوق المغربي للتقاعد مشكلة سيولة ناتجة عن الالتزامات السابقة لنظام المعاشات المدنية، حيث لا تولد الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 أي عجز إضافي. وبالنسبة للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يخفي المستوى المهم لاحتياطات النظام مشاكله المرتبطة بعدم توازنه البنيوي. وخلصت الوزيرة إلى أن تنزيل القطب العمومي يظل الخيار الأمثل لمعالجة إشكالية سيولة نظام المعاشات المدنية وكذا مشكلة عدم التوازن البنيوي الذي يعرفه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد. وبالنسبة للقطب الخاص، تخفف الدينامية الإيجابية لمحركه الديموغرافي من مشكل عدم توازن نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص. غير أنه، وبمجرد تراجع هذا المؤشر الديموغرافي، ستتدهور الوضعية المالية للنظام ما يستوجب إصلاحا مقياسيا مستعجلا لجعله أكثر إنصافا والحد من اختلالاته المالية.

وعلى مستوى الأداء الاجتماعي، سجلت الوزيرة وجود ضعف تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين (حوالي 54%) على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وتجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة: 2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، وعدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص (تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022)، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ناهيك عن أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش، تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية، حيث تم الاتفاق أخيرا، في إطار الحوار الاجتماعي، على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يوما مع الحق أيضا في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.

 

تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية

بعدما دق المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر، محذرا من إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب، وأوصى المجلس بالشروع، في أقرب الآجال، في عملية الإصلاح البنيوي عن طريق تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية، وإجراء دراسة مستعجلة للإشكالية المتعلقة بخطر السيولة التي سيواجهها نظام المعاشات المدنية على المدى القصير. وكشف التقرير السنوي التاسع حول الاستقرار المالي عن تفاقم العجز التقني لصناديق التقاعد، ما يهددها بالإفلاس في السنوات المقبلة. وأفاد التقرير، الصادر عن بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بأن الرصيد الإجمالي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد بلغ 1,8 مليار درهم في سنة 2021، مقابل 2,5 مليار درهم في سنة 2020. وأوضح التقرير أنه، «بفضل رصيد العمليات المالية الذي بلغ 5,2 مليارات درهم، بلغ الرصيد الإجمالي للنظام 1,8 مليار درهم بدلا من 2,5 مليار درهم سنة قبل ذلك». ووفقا للمصدر ذاته، أدى إدماج الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في نظام المعاشات المدني للصندوق المغربي للتقاعد، إلى انخفاض المساهمات في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (3,8 مليارات درهم مقابل 4,1 مليارات درهم في 2020)، مفاقما بذلك عجزه التقني الذي بلغ 3,3 مليارات درهم مقابل 2,6 مليار درهم. من جهة أخرى، شهد النظام في سنة 2021 إرساء إصلاح معياري أدى أساسا إلى تغيير في حساب المعدل السنوي لإعادة تقييم المعاشات المصروفة ومعدل إعادة تقييم الأجور الوظيفية من أجل تسوية المعاشات الجديدة. وفي ما يتعلق بنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، سجل تعداد الأصول في سنة 2021 ارتفاعا قويا بنسبة 12,9 في المائة، على إثر تغيير نظام انخراط الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التابعين منذ سنة 2017 للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وتجسدت هذه العملية، بالنظر للتسعيرة المناسبة للنظام، من خلال تحسن مؤشرات التوازن على المدى الطويل، سيما معدل التمويل المسبق ومعدل مساهمة التوازن، اللذين بلغا على التوالي 85,7 في المائة (زائد 17 نقطة) و35,2 في المائة (ناقص 19 نقطة). وفي المقابل، لم تولد تدفقات الخزينة الناتجة عن هذه الانخراطات الجديدة أي تحسن ملموس في استدامة النظام على المدى المتوسط بسبب الأفق المنخفض لنفاد احتياطاته (من 5 إلى 6 سنوات).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى