النعمان اليعلاوي
تشهد الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب (ADM) مرحلة دقيقة في مسار مشروع الطريق السيار القاري الجديد الذي يربط بين الرباط والدار البيضاء، إذ أقدمت الشركة بشكل مفاجئ على وقف المشاورات الجارية لاختيار شركات البناء المكلفة بتنفيذ هذا المشروع، وهي الخطوة التي أثارت الكثير من التساؤلات حول مصير المشروع الذي يُعد إحدى ركائز البنية التحتية المستقبلية للمملكة، خاصة أنه جزء أساسي من ملف الترشح المشترك للمغرب مع إسبانيا والبرتغال لاستضافة كأس العالم 2030.
المشروع، الذي قدرت تكلفته بحوالي 6 مليارات درهم، كان من المنتظر أن يكتمل بحلول عام 2029، ليضمن ربطًا فعالًا بين ملعب حسن الثاني الكبير في الدار البيضاء وباقي مواقع الإقامة المخصصة للجماهير والمسؤولين، وفقًا لمعايير الفيفا التي تفرض توفير شبكات نقل عصرية وسريعة، حيث شمل المشروع إنشاء طريق سيار يمتد على طول حوالي 58 كيلومترًا، ويُتوقع أن يستوعب ما لا يقل عن 27,000 مركبة يوميًا.
ومع ذلك، لم تكن بداية المشروع سهلة، فقد عانى منذ إطلاقه من تأخيرات وصعوبات في التخطيط، قبل أن يعاد إحياؤه بفضل الحماس المرتبط بمشروع كأس العالم 2030. لكن، وبعد أشهر من التحضير والمشاورات، أوقفت الشركة الوطنية للطرق السيارة عملية اختيار المقاولين، دون أن تعلن رسمياً أن المشروع بات غير مجدٍ، هذا القرار يُظهر التحديات التي يواجهها المشروع، بدءًا من تعقيد تخطيط البنية التحتية إلى إدارة الموارد المالية والفنية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الشركة عن إلغاء طلب العروض، كانت العديد من الشركات الكبرى في قطاع البناء والأشغال العمومية، سواء المغربية أو الأجنبية، أبدت استعدادها لتنفيذ المشروع، وتم تقسيم السوق إلى ستة أجزاء تشمل مراحل مختلفة من الطريق السيار، وتنافست شركات صينية وإسبانية وتركية ومغربية للفوز بالعقود، وبالرغم من الإلغاء، ما زالت هناك العديد من الشركات العملاقة مستعدة لإعادة التفاوض والدخول في السباق متى عادت الشركة الوطنية للطرق السيارة لطرح المشروع من جديد.
أحد أبرز الأسماء التي أظهرت اهتمامها كان الشركات الصينية، التي لعبت دورًا بارزًا في إنجاز مشاريع البنية التحتية الكبرى في المغرب، خاصة في تمديد خطوط القطار فائق السرعة (LGV). كما شاركت شركات مغربية بارزة مثل «فياس»، و«ستام» و«الحلاوي»، التي أبدت التزامها بتقديم خدماتها ضمن إطار المشروع. علاوة على ذلك، ظهرت أسماء إسبانية ومصرية وتركية ضمن لائحة الشركات المهتمة، ما يعكس أهمية المشروع على المستويين الوطني والدولي.
لكن، يبدو أن الرؤية الجديدة للإدارة الحالية للشركة الوطنية للطرق السيارة تتجه نحو خيارات بديلة لتحسين البنية التحتية القائمة. ومن بين هذه الخيارات، توسيع أجزاء معينة من الطريق السيار الحالي بين الرباط والدار البيضاء إلى حارات إضافية 2×5 أو 2×8، مع تحسين التقاطعات والهياكل الفنية لتخفيف الازدحام، خاصة في النقاط السوداء مثل تقاطعات سيدي معروف وعين حرودة.
ورغم هذه التحركات، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الشركة الوطنية للطرق السيارة من تحقيق الطموحات التي تمثلها هذه البنية التحتية في الأجندة الوطنية؟ وهل ستتمكن من التوفيق بين الالتزام بالمعايير الدولية التي يفرضها تنظيم كأس العالم 2030 وتحديات التمويل والتنفيذ التي تواجهها، في حين يعتبر الطريق السيار القاري انعكاسا لطموح المغرب في تقديم صورة حديثة ومتطورة عن بنيته التحتية أمام العالم، خصوصًا في ظل الترشح لاستضافة كأس العالم، وتحقيق هذا الطموح يتطلب التزامًا قويًا وقرارات حاسمة لضمان اكتمال المشروع في الوقت المحدد وبأفضل المواصفات.