شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

تربية الأمراء وزراء ومربون أشرفوا على تأهيل ملوك المستقبل

 

استأثر استقبال ولي العهد الأمير مولاي الحسن، للأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء السعودي، بقصر الضيافة بالرباط، والذي كان يحمل رسالة شفوية إلى الملك محمد السادس، من طرف صديقه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية، باهتمام المغاربة والسعوديين، نظرا لقدرة مولاي الحسن على إدارة النقاش بهدوء الكبار.

نادرا ما تتعمق المصادر الإخبارية، وخاصة الأبحاث التاريخية، في تفاصيل حياة الأمراء قبل توليهم السلطة السياسية، وقليلا ما تتطرق الكتابات لطرق تربيتهم وتدريبهم علميا وسياسيا وسبل تأهيلهم لتحمل مسؤوليات الحكم، خاصة أولئك الذين سيتولون الملك لاحقا.

في المغرب، تتمتع الأسرة الملكية بوضعية اعتبارية خاصة، وتستمد شرعيتها من عمق توغل الدولة العلوية ومن القوانين والدستور المغربي الذي ينص في الفصل الـ45 على أن شخص الملك «له واجب التوقير والاحترام»، بالإضافة إلى كونه «أمير المؤمنين»، ويرأس المجلس العلمي الأعلى، بمعنى أن التأهيل يسير في اتجاه إعداد ولي العهد لممارسة سلطتين دينية وسياسية.

حرص ملوك المغرب على تنشئة الأمراء ليصبحوا ملوك المستقبل، من خلال مرافقة يومية في كل المناسبات الرسمية والدينية، وذلك بهدف فهم عميق للبروتوكول الملكي، الذي يعتبر أساسيا بالنسبة لملك المستقبل.

وإذا كان ولي العهد مولاي الحسن قد استهل مشواره الأميري مبكرا، فإن الحسن الثاني قد ظهر في اجتماع عالمي من خلال حضور ملفت في مؤتمر أنفا سنة 1942، حيث شوهد الأمير الصغير مولاي الحسن إلى جانب والده محمد الخامس مع زعماء العالم الكبار من طينة وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى، وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهي اللحظة التي ظل يتذكرها الحسن الثاني وهو ملك للمغرب، قبل تعيينه رسميا وليا للعهد سنة 1957.

 

حسن البصري:

 

 

 

أبرز المحطات في درب تأهيل ولي العهد ميدانيا

 

1945: ولي العهد مولاي الحسن يحضر مؤتمر أنفا

1947: ولي العهد مولاي الحسن يهيئ ترتيبات زيارة محمد الخامس لطنجة

1950: حصول محمد الخامس على الدكتوراه الفخرية

1957: ولي العهد مولاي الحسن يشرف على طريق الوحدة

1985: تعيين ولي العهد محمد السادس منسقا لمصالح القوات المسلحة الملكية

2015: مولاي الحسن يوشح من طرف الرئيس التونسي

2015: ولي العهد مولاي الحسن يلتقي بالرئيس الأمريكي

2015: ولي العهد يفتتح المعرض الدولي للفلاحة

2019: ولي العهد مولاي الحسن يمثل والده في مراسيم تشييع جثمان شيراك

2019: ولي العهد مولاي الحسن يترأس حفل تخرج ضباط الكلية العسكرية

 

 

 

محمد عواد.. الوزير الذي أشرف على تربية الأمراء

ارتبط محمد عواد بالقصر الملكي وظل من أقرب المستشارين إلى الملك الحسن الثاني. فقد شق طريقه مبكرا ليصبح مقربا من الملك الحسن الثاني، منذ الأربعينيات عندما اختاره الملك الراحل محمد الخامس لكي يشغل منصب سكرتير لولي عهده، بعدما أنهى عواد دراسته الجامعية في فرنسا وعاد إلى المغرب ليمارس التدريس أولا ومنه سيمر إلى محيط القصر ليبدأ سكرتيرا، ثم سفيرا ويستقر في مكتب المستشار على عهد الحسن الثاني، وهو المنصب الذي بقي فيه إلى آخر أيام حياته.

قبل حصول المغرب على الاستقلال، نزع محمد عواد جلباب المربي وارتدى بذلة السياسي، رغم أنه عاش في كنف حزب الاستقلال طويلا. ورغم زواجه من سعاد الفاسي، بقي عواد بعيدا عن صراعات الحزب الحاكم، وكانت له كلمة مسموعة، كيف لا وهو يرأس سكرتارية ولي العهد على أيام الملك الراحل محمد الخامس؟ وتكلل مساره عندما أصبح سنة 1959 مديرا للديوان الملكي، وهي سنة حرجة في تاريخ المغرب الحديث تميزت بأحداث وصراعات بين السياسيين.

بعد حصول الجزائر على الاستقلال، دعاه الملك على عجل وأخبره بقرار تعيينه كأول سفير للمغرب لدى الجزائر، غادر عواد بلاده عام 1962 كديبلوماسي وعاش أصعب لحظات الاحتقان حيث مكث في الجزائر الى غاية 1965، السنة التي أطيح فيها بأحمد بن بلة، حيث انتقل إلى تونس ليشغل المنصب الديبلوماسي نفسه.

نعود إلى الوراء ونتوقف عند تعيين السلطان محمد الخامس لمحمد عواد، كاتبا خاصا لولي العهد، وما جاء في كلمة الملك لوزيره:

«إنني ربيت ولي العهد تربية إسلامية مثالية صحيحة، أساسها الجد والاستقامة وحسن الخلق، وأردت أن يكون المثل الأعلى للجيل الصاعد، والنموذج الذي أريد أن يتربى عليه شبابنا، شباب المغرب المقدم على خوض معارك عنيفة للحصول على ما يتوق عليه من عز وسؤدد».

لم يخيب أمل والده فيه، فقد وفق الأمير توفيقا في دراسته عز نظيره، واكتسب علوما ومعارف أهلته لأن يكون رائدا من رواد، الفكر والسياسة في عصره.

 

الفقيهان لمعمري والحراق.. أول مربيي محمد الخامس

ولد محمد الخامس ابن السلطان مولاي يوسف يوم 10 غشت 1909 في مدينة فاس، وهو أصغر إخوته الثلاثة. قضى طفولته في القصر الملكي بفاس التي كانت عاصمة للبلاد قبل أن يتم الانتقال إلى الرباط، وتربى في أجواء التنشئة التقليدية المحافظة للأمراء.

حسب المؤرخ البريطاني روم لاندو، فقد عاش الفتى محمد الخامس تعليما عربيا تقليديا، تركز أساسا على التربية الدينية ودروس اللغة العربية طبقا للمناهج التقليدية. وتخللت الدروس مبادئ أولية في اللغة الفرنسية. ويعلل لاندو هذا التكوين التعليمي البسيط لمحمد الخامس بكونه لم يكن يحضر لتولي العرش بوصفه أصغر الأبناء.

أشرف على تعليم الأمير محمد فقيه يسمى محمد العمري الذي كان يعمل أساسا مترجما لوالده. لكن محمد الخامس سيحاول لاحقا استكمال تكوينه من خلال الحرص على حضور المحاضرات في المعهد الملكي الذي أنشأه عام 1942 إلى جانب ولي عهده الحسن الثاني، وهو ما أكده السياسي والمؤرخ عبد الهادي بوطالب الذي كان مدرسا بالمعهد.

تولى محمد الخامس شؤون البلاد سنة 1927 وظل يحكم المغرب إلى غاية 1961. عاصر ذروة السيطرة الاستعمارية الفرنسية على بلاده، لكنه وثق الصلة مع الحركة الوطنية من أجل جلاء المستعمر. تعرض للنفي 1953 ثم عاد بضغط شعبي عارم سنة 1955 ليعلن استقلال بلاده، ويضع الأسس الأولى للدولة الحديثة بالمغرب.

كان عمر محمد الخامس حينئذ لا يتجاوز 18 سنة، ويقول مؤرخون إن السلطات الفرنسية دعمت اختياره لهذا السبب بوصفه شابا بدون خبرة، وكان منصرفا عن شؤون الحكم ودواليب السياسة، فيمكن أن تتحكم فيه بسهولة، لكن تكهنات سلطات الحماية لم تكن صائبة تماما، فرغم أن محمد الخامس الذي حول لقبه من «السلطان» ذي الحمولة التقليدية إلى «الملك»، مارس صلاحياته السيادية تحت رقابة الحماية ذات السلطة العليا، فإنه تحدى الخطوط المرسومة له وربط اتصالات وثيقة مع قيادات الحركة الوطنية.

قبل وفاة والده، كان محمد يتلقى تعليمه على الطريقة التقليدية المغربية العتيقة، وكان أستاذه الوحيد هو الفقيه محمد المعمري، ذو الأصول الجزائرية، الذي جيء به من الجزائر إلى المغرب للعمل في البلاط كمترجم للسلطان، ثم تحول إلى مربي ومعلم لأبنائه الأمراء الذكور.

وحسب المؤرخ علي الريسوني فإن «الأمراء في سن محمد الخامس مثل المولى عمر، الابن الأصغر للمولى الحسن الأول وعم محمد الخامس، درسوا على الطريقة المغربية التقليدية العتيقة، حيث استقدم المولى الحسن فقيها من شمال المغرب، هو العلامة أحمد بن عبد السلام بن الطاهر الحراق، تولى تحفيظ القرآن واللغة والفقه، قبل أن ينتقل بعد كبره إلى جامع القرويين لتلقي العلوم على يد العلماء فيها».

 

الركراكي.. فقيه ومدرس ومستشار

حين بلغ الأمير الأكبر لمحمد الخامس من العمر ست سنوات أحيل على «المسيد»، سيرا على العادة المغربية التقليدية في تعليم الأبناء على يد فقيه انتقي بعناية، فتلقى مبادئ اللغة العربية، كما حفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومبادئ أولية في الفقه. يذكر الحسن الثاني في «ذاكرة ملك» أنه تلقى ضربات بالعصا في «المسيد»، على غرار كافة الأطفال المغاربة الذين مروا من هذه المرحلة، وأكد أنه كان يسعده أن يتلقى تلك الضربات من والده لا غيره. ولأن محمد الخامس كان يسعى إلى أن ينال أبناؤه مستوى تعليميا عاليا لم يحظ به شخصيا، حرص على أن يتلقوا تكوينا مزدوجا منذ البداية.

كان محمد الركراكي أكثر من فقيه للملكين محمد الخامس والحسن الثاني، بل كان مستشارهما، وهو من ساهم في استوزار العديد من الأسماء، أبرزهم أحمد رضا كديرة، إذ تعرف هذا الأخير على ولي العهد يومئذ الملك الحسن الثاني في مدينة إفران بواسطة الفقيه، وتطورت علاقته بولي العهد إلى صداقة قوية كانت بابه الأوسع لعالم السياسة والمناصب الحكومية، حيث سيتولى مناصب كثيرة ومتعددة، فكان وزير الدولة المسؤول عن المفاوضات المغربية الفرنسية في أول حكومة في مغرب ما بعد الاستقلال، ووزيرا للدفاع الوطني في عهد الملك محمد الخامس، ثم وزيرا للإعلام في حكومة بلافريج، ووزيرا للخارجية في حكومة باحنيني، كما جمع بين وزارتي الداخلية والفلاحة، وغيرها من المناصب، وكان أعلاها تعيينه مستشارا للملك الحسن الثاني.

كان الفقيه يشرف على تدريس الأميرات أيضا، وكانت لبابة من بين التلميذات اللواتي تلقين تعليمهن على يد الفقيه الركراكي الذي درسها إلى جانب الأميرات، وهو الذي كان يكلف من طرف الملك الراحل الحسن الثاني لإخبارها ببعض القرارات، بل إن الفقيه هو من اتصل بها ليقترح عليها استوزار زوجها المعطي في منصب الوزير الأول.

 

محمد باحنيني.. المدرس المربي

يتداول المغاربة قبل أيام صورة للملك محمد السادس عندما كان تلميذا صغيرا، وهو يكتب بالطباشير على سبورة سوداء، بيتا شعريا للشاعر الفرزدق، وبجانبه أستاذه بالمدرسة المولوية بالرباط، الراحل محمد باحنيني، أحد أشهر رجالات الدولة بالمغرب.

ويبدو في الصورة، التي روجها سفيان البحري الذي يدير «صفحة الملك محمد السادس» على الفيسبوك، ولي العهد عندما كان تلميذا، وهو يخط السطر الأول من بيت شعري لقصيدة معروفة للشاعر الفرزدق، من شعراء العصر الأموي، يمدح فيها حفيد النبي عليه الصلاة والسلام.

ظهر ولي العهد حينئذ ممسكا بطبشورة، ولم ينته بعد من كتابة البيت الشعري كله، وذلك بخط يده الذي يعبر عن مستواه التعليمي حينها، فيما يظهر على السبورة بيت ثان لنفس الشاعر، بخط معلمه محمد باحنيني الذي بدا واقفا بجلبابه داخل الفصل الدراسي.

كان الأستاذ امحمد باحنيني يحرص على تقديم دروسه بجلبابه المغربي، كما يصر على تقديم تجربته للتلاميذ بالمدرسة المولوية في مختلف مناحي الحياة، لاسيما وأنه من خريجي ثانوية غورو بالرباط، حامل لشهادة الدراسات القانونية والإدارية المغربية والإجازة في الحقوق والآداب.

جيء ببامحمد إلى التدريس من القضاء، حيث كان قاضيا بالمحكمة الشريفة العليا ثم أستاذا بالمدرسة المولوية لتعليم أصحاب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي عبد الله والأميرة للاعائشة والأميرة للا مليكة، ثم محمد السادس وهو وليا للعهد.

وفي سنة 1950 شغل منصب مدير الديوان الملكي ثم استقال من هذا المنصب أثناء أزمة 1951 وعين بعد ذلك قاضيا منتدبا بمكناس حيث مارس مهامه إلى غاية دجنبر 1952 وهي السنة التي أبعد فيها إلى جنوب البلاد. وبعد عودة جلالة المغفور له محمد الخامس المنفى عين أمينا عاما للحكومة.

عين امحمد باحنيني في 7 يناير 1980 وزيرا مشرفا على تربية أصحاب السمو الملكي الأمراء والأميرات. وعين يوم 5 نونبر 1981 وزيرا للدولة وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن وافته المنية في إحدى المصحات الباريسية.

 

الفقيه أقصبي.. أول مرب للحسن الثاني

سهر الملك محمد الخامس بنفسه على تربية الأمير، وتنشئته تنشئة كاملة، وفي سنة 1934، لما بلغ الأمير سن الخامسة، أقيمت بالقصر حفلات دينية حشد لها العلماء والفقهاء والقراء والمسمعين من كل جهات المغرب، فاستمروا طيلة النهار يتلون القرآن، وينشدون القصائد والموشحات. كما اختار الفقيه محمد أقصبي الذي اختير ليعلمه القرآن، ويفقهه في الدين.

«لم تمض إلا بضعة أسابيع على دخول الأمير إلى «المسيد» حتى ظهرت نجابته وتفوقه على أقرانه وقريناته في حفظ السور، بل كانت ثقته بنفسه تأبى عليه، وهو في تلك السن المبكرة، أن يتصور أحدا ممن يقرأ معه يحفظ أكثر منه، ولو سبقه إلى «المسيد» بعدة سنين.

قال مؤرخ المملكة السابق عبد الوهاب بن منصور: «قال لي جلالته: عندما دخلنا إلى «المسيد» دخلت معنا الحسنية بنت معلمنا الفقيه أقصبي، وكانت فتاة تكبرنا سنا، وعرفت «المسيد» قبل أن نعرفه ببضعة أعوام، ويوم ختمت الحسنية القرآن بكيت لأني لم أرض أن تختم هي بنت جميع القرآن، فيما أنا الرجل لا أزال في حزب عَمّ».

في لحظات غضب، كان الملك محمد الخامس يحضر بشكل مفاجئ لمقر إقامة ولي عهده، وينزع من غرفته بعض الأدوات التي كان يعتبرها أدوات تسلية، يقول الحسن الثاني في ذاكرة ملك: «فقد حضر إلى المعهد، فأخذ من غرفتي بعض الآلات التي أتسلى بها كالراديو وبندقيات الصيد وآلات التصوير، وقطع سلك التلفون الذي كان يصلني بالأسرة والأصدقاء، ثم أمر المدير أن يبطل يومي الراحة الأسبوعية الجمعة والأحد بالنسبة لي حتى تصير أيام دراستي ومراجعتي متتابعة. أما الضابط المكلف بحراسة المعهد فأمره أن يمنعني من الخروج منه ليلا ونهارا مهددا إياه بالطرد إن خالف أمره، وبذلك كانت إعانته لي رحمه الله هي قطع كل اتصال بالعالم الخارجي مدة ثلاثة أشهر، وصرف انتباهي وتفكيري كله إلى دروسي».

 

هينرييت إبسياني.. من مولدة إلى مربية رغم «فيتو» طبيب القصر

في كتابه «ذاكرة ملك»، يروي الملك الحسن الثاني حكاية «المولدة» الفرنسية التي تحولت إلى مربية، حيث عايشت مراحل نمو الأمير، الذي سيصبح وليا للعهد ثم ملكا للبلاد. بل إنها ساهمت في تمكينه من الطلاقة المكتسبة في حديثه باللغة الفرنسية.

يقول الملك في كتابه: «لقد حرص والدي على أن تتم ولادتي على يد طبيب فرنسي وقابلة فرنسية، وأعتقد أن تلك كانت أول ثورة لم ينتبه إليها أحد. كنت أول مغربي تشرف على قماطه منذ لحظة ولادته الأولى سيدة فرنسية وبقماط لم يصنع في المغرب بل يتم اقتناؤه من باريس.

جاءت هنرييت إبسياني إلى المغرب لتشتغل ضمن الطاقم الطبي للقصر، قبل أن يتغير مسارها وتنضم إلى الطاقم التربوي المشرف على تربية الأمير، تاركة أمر التوليد لسيدة أخرى، تخرجت بدورها من كلية الطب في فرنسا. فقد اختار السلطان محمد الخامس المربية الفرنسية الآنسة ابسياني كمربية مهمتها تأهيل الصبي مولاي الحسن للتحدث باللغة الفرنسية وهو لا يزال صغيرا. «لقد كان جلالة الوالد يعلم بأنه يعد للمستقبل رجلا سيجلس في ردهات الملتقيات العالمية» كما ورد في مجلة «دعوة الجق».

لفتت هنرييت نظر طبيب الملك محمد الخامس وصديقه الفرنسي الحميم ديبوا روكبير، واستعان بها في كثير من التدخلات الطبية التي كان يقوم بها في القصر، أبرزها المشاركة في خروج مولاي الحسن إلى الوجود، الابن البكر للملك محمد الخامس وزوجته للا عبلة.

لم يتقبل الطبيب الفرنسي أن تتحول المولدة العاملة في طاقمه، إلى مربية باختصاصات أخرى، لا تدخل في صميم مهنتها التي درستها في كلية الطب، إلا أنه وأمام إصرار محمد الخامس قبل التعديل مع شرط الاستعانة بها كلما تعلق الأمر بحدث ميلاد داخل القصر، واهتمامها بصحة الأمير. فمنذ أن أشرقت رحاب القصر الملكي يوم الثلاثاء 9 يوليوز 1929 بمولد الأمير مولاي الحسن، حتى بدأ والده محمد الخامس يفكر مليا في مسألة تنشئته، وصار شغله الشاغل في السنوات التي كان فيها شبله ينمو ويترعرع أن يعد بنفسه برنامجا محكما لتربيته بدنيا وفكريا، «كانت أكثر من مربية بل رفيقة في كل أسفاره في سنواته الست الأولى التي قضتها إلى جانبه قبل أن تضطر للرحيل للالتحاق بزوجها في فرنسا في مهمة يفرضها منصبه السامي في الجيش الفرنسي». كما جاء في مجلة دعوة الحق.

لم تعد المربية تقيم في الجناح المخصص للطاقم الطبي بعد أن تغيرت مهمتها فقد «أقامت هذه المربية مع الأمير الصبي ومع شقيقته الأميرة للا عائشة في المنزل الذي أصبح يدعى «دار الشرفاء».

 

مربيتان إسبانيتان في يوم الانقلاب

في أحد أعدادها، أعدت صحيفة «الإسبانيول» تقريرا خاصا عن الحياة في القصر الملكي بالصخيرات إثر الانقلاب العسكري الذي نجا منه الحسن الثاني بصعوبة، ومعه أبناؤه، وحسب الصحيفة فإن مربيتين إسبانيتين قد لعبتا دورا بطوليا في إنقاذ الأبناء، الأولى تسمى خوانيتا لابخوس ورفيقتها تدعى أسينسيون دياز فولغويراس.

وحسب تقرير «الإسبانيول»، فإن المربية خوانيتا ومعها أسينسيون هما من يعود لهما الفضل بالأساس في إنقاذ حياة أبناء الملك الحسن الثاني في ذلك الانقلاب الدموي الذي راح ضحيته أزيد من 100 شخص، من ضمنهم السفير البلجيكي.

وقالت الصحيفة إن المربيتين الإسبانيتين في خضم إطلاق النار الذي حول قصر الصخيرات إلى ساحة معركة، كان همهما فقط إنقاذ أبناء الملك الحسن الثاني، وعلى رأسهم ولي العهد آنذاك الملك الحالي محمد السادس، الذي كان عمره سبع سنوات فقط، خاصة أنهم كانوا مستهدفين جميعا من طرف الانقلابيين بعد إعلان الجنرال أعبابو الهجوم على القصر خلال احتفال كبير بمناسبة عيد الشباب.

وأضافت الصحيفة أن واحدة من المربيتين اخترقت صفوف الجميع، وقامت بنقل أبناء الملك الخمسة إلى مرحاض خاص بالنساء وأغلقت عليهم الباب، وهو ما أبعدهم عن الانقلابيين وأنقذ حياتهم، لكن لم يتم تحديد ما إن كانت خوانيتا أو أسينسيون هي من قامت بهذا الفعل، إلا أنها واحدة منهما بلا شك.

وقالت الصحيفة إن الملك الحسن الثاني بدوره في ما بعد اعترف بهذا الأمر، حيث كشف كيف أنقذت مربيات إسبانيات وفرنسيات حياة أبنائه، وهو ما علقت عليه «الإسبانيول» أن أبناء الملك كانوا في تلك الفترة تحت رعاية مربيات إسبانيات فقط.

غابت خوانيتا عن الأنظار قبل أن يفجع القصر الملكي صباح الأربعاء 2 فبراير 2022، بوفاة مربية الملك محمد السادس الإسبانية، التي لعبت دورا كبيرا خلال اليوم المشؤوم. وحسب الصحيفة ذاتها فإن المربيتين قامتا بإخفاء الأمراء في غرفة بعيدة عن بؤرة الاقتتال وكان يسمع صوت الرصاص دون أن تخبرهم بما يحصل.

أقيمت صلاة الجنازة على الراحلة «خوانيتا لابخوس» بكاتدرائية القديس بطرس بساحة الجولان في الرباط، بعد أن أوصت بدفنها بالمغرب.

 

وأشار تقرير الإسبانيول إلى أن خوانيتا في سنة 1977 عادت إلى إسبانيا للعلاج بسبب السرطان الذي أصابها، وتلقت زيارة من أبناء الملك الذين كانوا ينادون عليها بـ «العمة خوانيتا» وودعوها خلال وفاتها، في حين عاشت أسينسيون بعد الحادث الانقلابي طيلة عمرها في القصر الملكي.

 

الأمير وخدع الساحر الأمريكي «هيس»  في باريس

في الـ19 من شهر شتنبر 1932، زار السلطان محمد الخامس العاصمة الفرنسية باريس، وكان مرفوقا بابنه الأمير مولاي الحسن، خلال هذه الزيارة نظمت مربيات الأمير زيارة إلى مسرح الليدو القريب من قصر الإليزي، من أجل حضور عرض قدمه لاعب الخدع السحرية الشهير «هيس سون» وهو شاب أمريكي الجنسية كان يقوم بجولة في أوربا لعرض آخر إبداعاته.

حرض أفراد الأسرة المالكة على حضور الأمسية، وكان سن الأمير يتجاوز الثالثة من العمر بقليل، في ما حضر الملك محمد الخامس وطاقم المربيين، أمسية دامت ساعة ونصف.

في نهاية الحفل تحادث اللاعب الأمريكي مع السلطان، الذي وجه له دعوة لزيارة المغرب، وتبين أن الساحر «هيس» قد حل بفرنسا من أجل المشاركة في مهرجان للضحك الغاية منه مسح الأحزان التي جثمت على نفوس الأوربيين بعد الحرب العالمية الأولى.

كشف الساحر للطاقم التربوي للأمير، خفايا وأسرار السحر من أجل فهم الكيفية الطبيعية التي تجعل الناظر يظن ما يقدمه السحرة واقعا، على الرغم من قناعته الشخصية بأنه يقوم على حيل بصرية أحكم صياغتها متخصصون في السحر.

وقال «هيس» لمربية الأمير: «أول وأهم خطوة للساحر على خشبة المسرح، هي خدعة الجمهور وتشتيت انتباهه بشيء لا علاقة له باللعبة المقصودة، حتى يتسنى له إخفاء ما يريد مداراته عنهم عن طريق تغيير مفهوم اللعبة ارتكازا على أن النتيجة النهائية لها وجه تفسير واحد، في حين أن ما ذهبوا إليه ليس بالمقصود وإنما جاء نتيجة صرفهم عن الأصل وإعطائهم برهانا آخر».

الفتى الأمريكي، خبير في فن الوهم، حمل لقب الساحر الأصغر من قبل الجمعية الأميركية للسحرة وفي السادسة عشرة، قام بإعطاء محاضرة في السحر في جامعة نيويورك أشهر عروضه إخفاء تمثال الحرية والعبور من خلال سور الصين العظيم وانشطاره إلى اثنين بواسطة منشار كهربائي، يعتبر من أكثر أساتذة فن الوهم شهرة على مستوى العالم.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى