ترامب يخنق الإعلام في أمريكا
فدوى مساط
مساء الاثنين بالبيت الأبيض، وخلال المؤتمر الصحافي اليومي الذي ينظمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفع صحافي يده في إشارة للرغبة في طرح سؤال، فوافق ترامب. قال الصحافي: «شكرا سيادة الرئيس، لدي سؤال بخصوص سوق النفط». فقاطعه ترامب مباشرة مبديا تأففه من هذا الملف، ثم سأل ترامب الصحافي: «هذا ملف مهم. ماذا هناك اليوم؟ بالمناسبة كم بلغ سعر البرميل؟».
فرد الصحافي: «في الحقيقة لا أود سؤالك عن سعر النفط، بل».. فقاطعه ترامب مجددا: «لقد سألتك سؤالا: كم بلغ سعر برميل النفط اليوم؟ أجب».
صمت الصحافي لبعض الوقت ثم رد قائلا: «في الحقيقة لا أعرف كم بلغ سعر البرميل اليوم، لكنني أود سؤالك عن السعودية».. فنهره ترامب بطريقة غير لائقة وقال له: «أنت لا تعرف حتى سعر برميل النفط وتود سؤالي.. عليك أن تخجل.. اجلس مكانك ولا تسأل»!
ورغم أن هذه «المواجهة» بين ترامب وبعض الصحافيين المعتمدين لتغطية أخبار البيت الأبيض، باتت طقسا يوميا ينقل مباشرة على شاشات التلفزيون، إلا أنها مازالت تثير «صدمة» لدى الأمريكيين.
اشتهر ترامب كرئيس صدامي يحب الأضواء والمديح كثيرا، ولا يطيق أن يسمع انتقادا من أحد، ولهذا بدأ بمهاجمة الصحافيين منذ اليوم الأول من توليه السلطة عندما شككت الصحف الأمريكية الكبرى في الأعداد الحقيقية للجماهير التي حضرت حفل تسلمه مقاليد السلطة في واشنطن.
فبينما غرد ترامب متباهيا على موقع تويتر بأن الجماهير كانت تقدر بالملايين وبأن عددها لم يكن مسبوقا، نشرت صحيفة واشنطن بوست صورة جوية تظهر فراغ نصف المساحة التي شهدت الاحتفال وشككت في رواية ترامب.
رد ترامب بأن واشنطن بوست صحيفة فاشلة وتروج للأكاذيب، وبات ينعتها بـ«فيك نيوز» أي مصدر أخبار زائفة!
علاقة ترامب المتوترة بالإعلام في أمريكا أثرت كثيرا على سمعته، إذ تحول إلى مادة للتندر في برامج السخرية المسائية، فيما غيرت شبكة سي إن إن جلدها من قناة إخبارية مهنية متوازنة، إلى قناة «ضد ترامب»، مهما قال ومهما فعل فإنه «مجرد رئيس معتوه، أناني، فاشل في البيزنس ومحب للأضواء»!
تقول أليشيا شيبرد، أستاذة أخلاقيات الصحافة بجامعة جورج تاون والمراقبة لأخلاقيات المهنة بالإذاعة الوطنية العامة سابقا، على صفحتها بفيسبوك إن ترامب «قتل الصحافة في أمريكا»، وحملته مسؤولية «موت» عدد كبير من الصحف الورقية في مختلف الولايات الأمريكية، بسبب هجمته الشرسة على الإعلام الحر الذي يطرح أسئلة محرجة عليه.
الكثير من المتخصصين في مجال الإعلام الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، يحذرون من «ترامب إفيكت» أي التأثير القاتل لترامب على وسائل الإعلام المستقلة التي باتت تحتضر بسبب مهاجمة ترامب لها وللعاملين فيها.
بنبرة حزينة، قال مذيع شبكة سي إن إن الشهير أندرسون كوبر الذي يقدم برنامجا مسائيا يوم الثلاثاء، إن حال الإعلام اليوم بأمريكا بات يدعو إلى القلق، وقارن كيف يتهكم اليوم ترامب على الصحافيين، وكيف يهاجمهم ويقلل من قيمتهم على شاشات التلفزيون، وبين ما قاله الرئيس الأمريكي السابق توماس جيفرسون الذي كان هدفا لنقد شديد من الصحف الناشئة آنذاك. جيفرسون قال: لو خيرت بين حكومة بدون صحافة، وصحافة بدون حكومة، لاخترت الأخيرة.
ومقولة جيفرسون هي أول ما يتعلمه طالب الإعلام في أمريكا، بهذه المقولة يتجرأ على إحراج مسؤوليه ومحاسبتهم عبر مراقبة عملهم، يتعلم الطالب الصحافي أن لا أحد فوق القانون وأن الإعلام يتحول أحيانا إلى سلطة فوق السلط، يمكنها الإطاحة برئيس أو دفع وزير أو جنرال للاستقالة.. لكن يبدو أن ذلك كله كان قبل أن يحكم أمريكا رئيس مثل ترامب!